Thursday 18th April,200210794العددالخميس 5 ,صفر 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

ما العمل في مواجهة الحرب الإسرائيلية السادسة؟! ما العمل في مواجهة الحرب الإسرائيلية السادسة؟!
لنبدأ بالتمسك بمشروع السلام العربي ودعم التضامن العربي وطرد السفراء وتجميد اتفاقيات السلام وتفعيل المقاطعة الشعبية
د. محمد شومان

ما يتعرض له الشعب الفلسطيني حاليا هو وبكل المقاييس حرب عدوانية سادسة تشنها اسرائيل ليس فقط ضد الشعب الفلسطيني بل ضد العرب، وضد مفهوم السلام وفرض الاستقرار في المنطقة.
كانت الحرب العدوانية الاولى عام 1948م لتأسيس الدولة الاسرائيلية ثم جاءت مشاركة اسرائيل في العدوان الثلاثي على مصر 1956م لتمثل الحرب العدوانية الاسرائيلية الثانية ضد العرب، ثم شنت اسرائيل حربها الثالثة ضد العرب بعدوان يونيو 1967م، وشهد عام 1973م الحرب الرابعة والتي امسك فيها العرب ولاول مرة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني زمام المبادرة العسكرية. ورغم ما اعقب حرب اكتوبر 1973م من مفاوضات انتهت بتوقيع مصر واسرائيل معاهدة سلام الا ان اسرائيل سرعان ما عادت الى ممارسة الحرب والعدوان ضد العرب فقامت بغزو لبنان عام 1982م في محاولة فاشلة على يد مجرم الحرب شارون للقضاء على المقاومة الفلسطينية وقائدها ياسر عرفات.
وبعد قرابة عشرين عاما تعاود اسرائيل شن الحرب السادسة، وهي حرب تختلف عن الحروب السابقة من اكثر من زاوية لعل اهمها ان وقائعها تجري داخل الحدود التاريخية لفلسطين، فلم تطل حتى الآن اراضي دول عربية مجاورة كما كان عليه الحال في الحروب السابقة، كذلك لم تشارك قوات نظامية لاي دولة عربية في هذه الحرب العدوانية التي يديرها شارون بمنهج استخدام اقصى قدر من القوة والعنف في محاولة لاخضاع الخصم وإملاء الشروط.
والمفارقة ان حرب اسرائيل العدوانية ضد العرب تأتي بعد اكثر من عشرين عاما على بداية اعتراف اكبر دولة عربية باسرائيل، وبعد مؤتمر مدريد للسلام وتوصل الاردن واسرائيل لاتفاقية سلام، بل وبعد 9 سنوات على اتفاق اوسلو الذي سمح بعودة منظمة التحرير الفلسطينية الى الضفة والقطاع وتأسيس السلطة الوطنية، اي ان حرب اسرائيل الجديدة تأتي بعد سنوات طويلة شهدت محاولات عربية عديدة للتعايش مع اسرائيل وقبول الامر الواقع، ولعل المفارقة الاكثر دلالة هي ان الحرب الاسرائيلية السادسة جاءت بعد ساعات من اعلان العرب مجتمعين في قمة بيروت قبولهم بالاعتراف باسرائيل واقامة علاقات طبيعية معها مقابل انسحابها الى حدود 4 يونيو 1967م.
دلالة المقارقة ان اسرائيل تحت قيادة مجرم الحرب شارون واليمين المتطرف ترفض السلام مع العرب على اساس قرارات الامم المتحدة والشرعية الدولية، وتحاول استنادا الى التفوق العسكري والدعم الامريكي غير المحدود فرض سلام مهين على العرب لا يسمح للفلسطينيين بحق تقرير المصير واقامة دولتهم المستقلة، ان شارون يسعى الى القضاء على المقاومة الفلسطينية والتخلص من قياداتها الوطنية، واعادة احتلال الضفة ثم دفع الفلسطينيين الى القبول بالدخول في مفاوضات تستمر سنوات طويلة للاتفاق على ترتيبات امنية جديدة تسمح بحكم ذاتي فلسطيني في غزة وبعض مناطق الضفة ومثل هذا السيناريو يعني بداية نهاية اوسلو وكل الاتفاقيات والتفاهمات المرتبطة بها.
أزمة شارون
ولاشك ان ما يسعى اليه شارون لا يمكن القبول به فلسطينيا او عربيا، من هنا تبرز ازمة شارون في ادراك الحقائق والمتغيرات السياسية التي تشكلت منذ اتفاق اوسلو حتى توليه رئاسة الوزراء في اسرائيل العام الماضي، واعتقد ان ازمة شارون تتعلق بتكوينه الشخصي والسياسي، فهو قائد عسكري يؤمن بالقوة وحدها، لكنه غير قادر على الربط بين ممارسة القوة وتحقيق اهداف سياسية بمعنى انه يمارس الحرب من اجل الحرب، وليس من اجل تحقيق هدف سياسي، وتعكس مذكراته الشخصية هوس يصل الى حد المرض بكسب المعارك العسكرية والسياسية بطريقة صفرية، فالخصم عنده يجب الا يحصل على شيء اي شيء، ومثل هذا النهج هو سر ازمة شارون بل والازمة التي تهدد المنطقة.
ورغم ان الحرب الاسرائيلية السادسة تدور داخل فلسطين، ولم تشارك فيها اي دولة عربية الا انها تظل حربا اسرائيلية عدوانية ضد العرب، فالرفض الاسرائيلي لمبادرة السلام العربية التي تأسست على مبادرة الامير عبد الله يمثل نوعا من التحدي للارادة العربية، كذلك فان جرائم الحرب التي ارتكبها شارون ضد المدنيين الفلسطينيين حركت الرأي العام العربي وفجرت مشاعر الغضب والشعور بالمهانة والعجز، الامر الذي شكل ضغوطا وتحديات على الحكومات العربية التي يبدو انها فوجئت بحجم ومستوى التصعيد العسكري الاسرائيلي، والذي جرت وقائعه بعد ان تم الحصول على ضوء اخضر من واشنطن، التي توهمت او هكذا بررت ان ما يجري هو فصل من فصول معركتها ضد الارهاب العالمي، دون تمييز بين حق مقاومة الاحتلال والارهاب.
ولاشك ان اصرار شارون على فرض مشروعه العنصري، ورفض تنفيذ القرارات الدولية الخاصة بالانسحاب من اراضي السلطة الوطنية يضاعف من حجم ونوع التحديات والمخاطر المفروضة على الحكومات والشعوب العربية، خاصة وان بعض السيناريوهات المطروحة في اسرائيل تشير الى خطط لعمليات تهجير جماعي للفلسطينيين الى الاردن ومصر، مما يدفع بالمنطقة الى الدخول في حروب ومواجهات عسكرية، من هنا فان السؤال الذي يطرح نفسه هو ما العمل؟ وكيف يمكن مواجهة الحرب الاسرائيلية العدوانية السادسة ضد العرب؟
مجالات للتحرك
اعتقد ان بداية المواجهة العربية يجب ان تنطلق من تحقيق قدر اكبر من التضامن العربي، والدعم والتواصل بين الحكومات والشعوب العربية، فمن الضروري في هذه المرحلة تجنب اي صدامات او تناقضات بين الشعوب العربية الغاضبة لأن هذه التناقضات او الصراعات الداخلية تدعم من مخطط شارون، وبالتالي يجب الوعي بأن الامة العربية حكومات وشعوبا تواجه حربا اسرائيلية عدوانية تتطلب توحيد الصف وتقوية الجبهات الداخلية، ثم التحرك بسرعة اعتمادا على ما تبقى مع العرب حكومات وشعوب من وسائل ضغط لمواجهة العدوان الاسرائيلي، والضغط على الولايات المتحدة لتغيير موقفها المتحيز ضد الحقوق العربية.
واقترح ان يواصل القادة العرب تحركاتهم من حيث انتهت في قمة بيروت، بمعنى ان تتواصل جهود المصالحة العربية، ودعم التضامن العربي، في هذا الاطار اؤكد ان مشروع السلام العربي لم يولد ميتا، ولا يصح القول بضرورة التخلي عنه، لان هذا ما يريده شارون ويعمل من اجل تحقيقه وقد سبق لشارون رفض المشروع قبل هجوم ناتانيا، بل وقبل انعقاد قمة بيروت وبالتالي اتصور ان تصعيد العدوان الوحشي ضد الشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية يهدف الى اجباره على الاستسلام والقبول بما هو اقل من مشروع السلام العربي، فالمشروع المطروح يسعى الى تحقيق حل شامل ذا مرجعية دولية عوضا عن محدودية وجزئية اتفاقيات اوسلو وتفاهمات تينيت وتوصيات ميتشل والتي تجاوزتها الاحداث.
من زاوية اخرى فان التصعيد الوحشي المجنون الذي يمارسه شارون يعكس ويؤكد عجزه عن تجاوز الفكرة العدوانية البسيطة والساذجة القائلة بأن الاستخدام المفرط للقوة سيؤدي الى كسر معنويات العدو وهزيمته وصولا الى استسلامه لقد اثبت التاريخ العدواني لشارون فشل هذه الفكرة، وانها لا تقود الشعب الفلسطيني سوى الى مزيد من الصمود والمقاومة.
وبالتالي فان استمرار دائرة العنف وسيناريوهات التهجير الجماعي هي البدائل المطروحة في ظل عدم امتلاك شارون لمشروع سياسي وعدم رغبة واشنطن في التدخل لانجاز مشروع تسوية شاملة للصراع، واتصور ان استئناف مهمة انتوني زيني اصبحت غير ذات موضوع، ومن الاجدى عربيا وفلسطينيا التمسك بالمبادرة العربية للسلام، وفي الوقت نفسه دعم صمود الشعب الفلسطيني واستمرار الانتفاضة، وايقاف مظاهر التطبيع مع اسرائيل وتفعيل المقاطعة العربية.
وقد يبدو هذا المنهج متناقضا، اذ كيف يمكن التوفيق بين استمرار الانتفاضة، وتبني مشروع السلام العربي واسارع بالقول انه لا تناقض بين الموقفين، بل انهما اقرب الى التكامل.
ولعل القراءة المتفحصة لاعلان القمة تكشف بسهولة عن هذا التعايش والتكامل بين الموقفين فقد لوحت قرارات القمة بوقف التطبيع وتفعيل مكتب المقاطعة العربية لاسرائيل، واكدت دعم الانتفاضة وذلك في حالة عدم قبول اسرائيل مشروع السلام وهو ما يعني المزج بين خيار السلام وخيار الصمود والمقاومة المشروعة، او ما يعرف بسياسة العصا والجزرة فهل نبدأ الآن في تفعيل خيار الصمود والمقاومة المشروعة ونطالب المجتمع الدولي برعاية مفاوضات جادة تستند الى قرارات مجلس الامن والشرعية الدولية ومشروع السلام العربي، ولا تستند او تراهن فقط على دور امريكي اثبتت التجارب انحيازه التام لاسرائيل ولنبدأ الآن بتصعيد المقاومة، واستخدام ادوات ما تزال في حوزة العرب تضمن وقف المهانة التي يتعرض لها العرب كأمة والفلسطينيين كشعب، وتدافع عن ما تبقى من كرامة للعرب.. في هذا السياق من الضروري الاسراع بطرد سفراء اسرائيل من مصر والاردن وموريتانيا وتجميد اتفاقيات السلام مع اسرائيل، وتزويد الشعب الفلسطيني بالمال والسلاح ثم البحث الجدي في فرص فتح الحدود لخيار المقاومة الشعبية والتي نجحت في طرد الاحتلال من جنوب لبنان ان هذه الخطوات تمثل الحد الادنى المطلوب للحفاظ على الحقوق العربية وعلى الكرامة العربية.
وعلى المستوى الشعبي يجب تطوير وتأطير مشاعر الرأي العام الرافضة للعدوان الاسرائيلي والسياسة الامريكية المتحيزة لاسرائيل، وذلك من خلال السماح بتنظيم لجان شعبية لدعم صمود الشعب الفلسطيني ومقاطعة المنتجات الاسرائيلية، ولجان اخرى للتواصل والحوار مع كل القوى والفاعليات الشعبية في العالم التي تتعاطف مع القضية الفلسطينية، بالاضافة الى السماح بوجود لجان شعبية تشرف على وتنظم بطرق سلمية مشروعة عمليات مقاطعة المنتجات الامريكية حتى تشعر الولايات المتحدة ان مصالحها الاقتصادية مهددة في المنطقة برغبة شعوبها.
فهل نبدأ؟

* مدير مكتب الجزيرة بالقاهرة

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير إدارة المعلومات
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved