Friday 26th April,200210802العددالجمعة 13 ,صفر 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

أي يوم هو اليوم؟ أي يوم هو اليوم؟
بين رؤية عربية ورؤية أمريكية لزيارة ولي العهد السعودي لأمريكا
د. فوزية أبو خالد

صحوت صباح الأربعاء وكعادتي الجديدة قبل الانصراف إلى عملي قمت بفتح الإنترنت لأتفقد الصحف واطلع على مسارات دم المدنيين الفلسطينيين في الصحف العالمية بعد أن حول الحصار والتذبيح الإسرائيلي دماءهم إلى حبر للكتابة التي معهم أو ضدهم على حد سواء.
من أرض القدس التي لم يرها جيلي من الشعب العربي إلا في الأحلام أو في الصور وجدت الصحفي الأمريكي توماس فريدمان/ ما غيره الذي تمتع قبل أشهر قليلة بكرم الضيافة السعودي بما أتاح له الحصول على السبق الصحفي لمبادرة السلام السعودية والتي صار يعرف بعدها باسم (القابلة) أو العراب، قد كتب 1في عاموده بالنيويورك تايمز 24/4/2002م عن زيارة الأمير عبدالله بن عبدالعزيز لأمريكا.
كان الأمر سيكون عاديا مثل عادتنا في ابتلاع أمواس من لا نعدهم أعداء على أنها نوع من الشوكلاة، لولا ما لفت نظري في المقال بالإضافة إلى سريالية عنوانه من محاولة الكاتب التدخل في تقرير ولا أقول اقتراح «جدول الأعمال» الذي يجب ان يطرح في الزيارة فمحور جدول الأعمال للزيارة كما يرى فريدمان وبناء على الأولويات الأمريكية يجب ألا يترك ليكون استجابة للهموم السياسية التي قد يحملها ولي العهد السعودي بما يعطي الأولية لموضوع الصراع العربي الإسرائيلي ولمبادرة السلام السعودية بل يجب ان ينصب الجدول عوضا عن ذلك على مساءلة ولي العهد عن «الوزر السعودي»في أحداث 11 سبتمبر إذ أن الامير عبدالله مثله مثل عرفات وشارون حيث يفتقد كل منهم على حد قوله بوصلة الوقت فلا يعرف أي منهم (أي يوم هو؟) (what Day Is It?) وهذا هو بالمناسبة عنوان المقال المشار إليه والسيد فريدمان يشرح نقطته هذه بالقول بانه بينما يريد عرفات تجاهل اليوم وبينما يريد شارون تجاهل الغد في علاقتهما بمسألة الصراع فإن الأمير السعودي يريد تجاهل الأمس في محادثته مع امريكا وفي القضايا التي يطرح. هذا فيما لايزال عند الأمريكيين قضايا عالقة من الأمس يريدون بحثها وجلاءها معه (أي مع سموه).
وفي هذا فان الكاتب يرى انه يتعين على الرئيس الأمريكي التدخل لتصحيح الحس الزمني عند هؤلاء (القادة) لأن هناك من يستميتون على حد قوله لحفظ المستقبل من قيادات لا تستطيع أن تعرف «أي يوم هو؟» أو لا تستطيع قراءة التاريخ بتعبير آخر.
ولذا فان زيارة ولي العهد السعودي لأمريكا من وجهة النظر هذه هي مناسبة للإدارة الأمريكية وللرئيس بوش شخصيا ليبدأ في القاء درس الزمن وتلقين «القيادة» فوارق التوقيت بين الحاضر والماضي والمستقبل بدءاً من التوقيت الأمريكي لما بعد الحادي عشر من سبتمبر ومن ذلك التوجه للأمير عبدالله بسؤال من هم أولئك الخمسة عشر سعوديا من الخاطفين في 11/9/2001م؟ وما هي القوى الاجتماعية التي انتجتهم في المملكة؟ وبحسب الكاتب فإن الF.B.I لا تزال لا تدري. أما السعودية فهي كما يقول الكاتب ترفض أن تتحمل أي مسؤولية لمواطنيها الذين شاركوا في 11/ سبتمبر.
وكان الأمر سيكون أمراً عادياً أيضا لو أن الكاتب أبدى أي حس بالمسؤولية الأمريكية حيال هذه النقطة بالذات أو لو أن الكاتب في الصحافة الأمريكية كان مثلنا ليس لرأيه وزن يذكر في التأثير على بوصلة القرارات السياسية، أما والأمر ليس هذا ولا ذاك فليس لنا إلا أن نتابع بغير قليل من التساؤل عندما يذهب الكاتب في كتابته عن هذه النقطة من الطرح إلى التنظير ليقول ان مجتمعاً لا يعترف بمسؤوليته غير قادر على تصحيح نفسه في كيف يعلم صغاره وشبابه، وأي فرص يوفر لهم من أجل المستقبل. وهو لا يكتفي بهذا التنظير الذي كان بالإمكان اعتباره أيضا تنظيرا موضوعيا لو أنه ربط بالتطلعات الديموقراطية للمنطقة أو لو أن الكاتب لم يستخدمه لمجرد الربط بين المقاومة التي تشهدها المنطقة على الصعيد الفلسطيني وبين الإرهاب. ولهذا الغرض فإن الكاتب يقفز ليضرب مثلا مقارنا ساخرا بين قصة الكتاب الأكثر مبيعا في الصين والذي تحكي فيه أم صينية أسلوبها العلمي المثبت لإلحاق ابنتها بجامعة هارفرد وبين قصيدة الشهيدة آيات الأخرس للسفير السعودي ببريطانيا الشاعر غازي القصيبي التي نشرت بجريدة الحياة ليخلص السيد فريدمان بحكمة أمريكية على غير غرار الحكم الصينية المعجونة بتجارب الحضارة الكونفوشية يقول فيه بلهجة لا تخلو من تعالي الاستشراق في توزيع الحظوظ على الشعوب البعيدة.. إن مجتمعا يجعل أفضل مبيعاته كتاب يبحث في كيف يلحق شبابه بهارفرد سيكون قادرا على بناء هارفرده. أما «القيادات» التي تمجد انتحارية شبابه «في الدفاع عن حقهم الإنساني المشروع ضد إرهاب الاستعمار الصهيوني الاستيطاني» فهي في رأيه لن تعيش على أي شيء آخر غير البترول. هذا دون أن ينجح فريدمان في الإشارة من قريب أو بعيد إلى كم من المرات في هذا العام الدراسي والأعوام التي سبقته استطاع طلاب وطالبات جامعة بيرزيت بفلسطين على سبيل المثال لا الحصر الوصول إلى مقاعدهم الدراسية ومختبرات بحوثهم دون أن تتقطع كتب الطلاب ودفاتر محاضراتهم وأوصالهم على المعابر والحواجز التي تقيمها السلطة الإسرائيلية «الديموقراطية» لتعرقل حقهم الطبيعي في التعليم. هذا عدا بالطبع التلميذات والتلاميذ الذين اغتالتهم الأسلحة الأمريكية أو شظت أطرافهم الطرية ورمدت بريق عيونهم القذائف التي يزرعها الجيش الإسرائيلي على طرقاتهم من وإلى المدرسة.
وإذا كان من الطبيعي أن يستميت السيد فريدمان انسجاما مع خطه السياسي في البحث عن مخرج أخلاقي لإرهاب دولة إسرائيل ضد المدنيين الفلسطينيين فلا يجد غير الخلط بين هذا النوع من الإرهاب المنظم وبين مواجهة أطفال وشباب الانتفاضة للسلاح الأمريكي بصدورهم العارية، وإذا كان من حقه أيضا أن يعاتب مخرج المجازر شارون بما يشاء من اللين والهوادة على عمليات الاجتثاث والإبادة التي مارسها ويمارسها شارون لتفريغ المنطقة الفلسطينية من سكانها الأصليين والتوسع في بناء المستعمرات باتباع سياسة القبضة الحديدية Iron Fist كما عبر عن ذلك عدد من الإسرائيليين أنفسهم الذين بدأ يقلقهم التخبط الشاروني على حسب ما ذكر، وإذا كان ما من غضاضة أن تنتقد سياسة القمع التي انتهجتها السلطة الفلسطينية ضد شعبها إبان المراحل المختلفة للانتفاضة وقبلها.. مع أن السلطة الفلسطينية لم تفعل ذلك في معظم الحالات إلا استجابة للضغوط الأمريكية أو توسلاً للرضا الأمريكي «دون أن يكون في ذكرنا لذلك تبرير أو عدم إدانة لفعلها»، فإن الصدفة الموضوعية أو العشوائية التي أعطت هذا الصحفي الأمريكي الفرصة لأن يكون «أول من يعرف» بمبادرة الأمير عبدالله لا تعطيه هو ولا سواه من أساطين السياسة الأمريكية الحق لتقرير جدول أعمال زيارة ولي العهد لأمريكا بعيدا عن إرادة الضيف ومن يمثل. كما أن ذلك لا يعطيه الحق لعقد المقارنات غير الموضوعية بين محاولة الصين لكسر طوق الاحتكار الأمريكي لتوجهات العولمة من موقع التوازن النووي والبشري على أقل تقدير وبين محاولة الفلسطينيين مقاومة ضراوة السلاح الأمريكي ووحشية العدوان العسكري الإسرائيلي برومانسية الشعر أو بقرابين أجساد الصبايا والشباب التي تقدم على مذبح الحلم بالتحرر كشموع النذور أو عرائس النيل.
لابد أن ليس هناك بشر عاقل يتوقع إنصافا لا من فريدمان ولا من سواه ممن يستطيع أن يرى في الشعر عملاً إرهابيا أو ممن لا يتورع عن اعتبار القصيدة قنبلة نووية يمكن أن تهدد بإعادة إنتاج المنجز الأمريكي البشع في هيروشيما ونجازاكي.
غير أن هناك بكل تأكيد من يرى أن ليس للسيد فريدمان ولا للرئيس الأمريكي نفسه حق في طرح حادث 11 سبتمبر على الأمير عبدالله بشكل أو صيغة أسئلة. فهو شخصية اعتبارية رفيعة المستوى تحظى بكرزما شعبية واسعة. كما أنه شخصية وطنية لها مرجعيتها الشرعية في وطنها ومن قبل شعبها بعلمائه ومثقفيه ونسائه ورجاله، وهم الأحق بإدارة شؤونهم باستقلال عن ضغوط الإدارة الأمريكية.
وإذا كان ليس من بد لطرح أحداث سبتمبر على جدول أعمال الزيارة لوجهة تأثيراتها على المنطقة من خلال ردة الفعل الأمريكي عليها فعلى أمريكا التي نجحت حتى اللحظة في تجنيب شارون أي مساءلة قانونية على ما جنت يداه في جنين أن تقوم بمساءلة سياستها الخارجية لتحديد وتحمل مسؤولياتها عن أحداث 11 سبتمبر، عليها أن تتساءل عن مسؤوليتها في دفع شباب يافع في ريعان العمر لأن لا يجدوا إجابة على الجور والتحيز الأمريكي الأعمى ضد حقوق الشعب الفلسطيني لصالح العدوان الإسرائيلي غير نسف أنفسهم وأنفس أخرى. إن أمريكا ما لم تراجع سياستها الخارجية وعلاقتها الفوقية بالمجتمع لن تستطيع مهما أوتيت من قوة ومن سعة صدر وطيبة الأصدقاء أن تستمر في لعب دور الخصم والحكم القادر على إذلال الشعوب أو تطييب خواطرها وخاصة عندما يتعلق الأمر بالقضايا التي تخص مصائر الشعوب ولا تحتمل ازدواجية المعايير كالقضية الفلسطينية.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved