Tuesday 30th April,200210806العددالثلاثاء 17 ,صفر 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

أبو علي.. كما عرفته أبو علي.. كما عرفته
ابراهيم بن محمد السبيل

رأيته أول مرة حينما كنت طالباً في المعهد العلمي السعودي التابع لمديرية المعارف الذي افتتح عام 1368ه في مدينة عنيزة، وهو المعهد الثاني على مستوى المملكة، حيث إن الأول كان في مكة المكرمة.
كنت في السنة الثانية في المعهد عام 1371ه ، وكان ضمن مدرسينا الشيخ محمد خليل الهراس رحمه الله الذي كان يدرسنا مادة التوحيد، واللغة العربية «النحو، البلاغة، الأدب» دخل علينا أبو علي وشقيقه الدكتور عبدالعزيز، وكان أبو علي يدرّس في المدرسة العزيزية، والدكتور عبدالعزيز في المدرسة السعودية، دخلا الفصل في الفسحة وكنا في نقاش مع أستاذنا، كان أبو علي طويل القامة ناحل الجسم، يلبس ملابس بيضاء ومعطفاً داكناً مقلماً، وبيده كتاب في غلاف سميك لا أتذكر اسمه، ويبدو أنه من كتب النحو أو الأدب فبادرا بسؤال الأستاذ الهراس سؤالاً أعقبته مناقشة لا أتذكرها.
كان أبو علي شاباً متحمساً متحفزاً للعلم والمعرفة، هكذا بدا أمامنا.
ورأيته خلال زيارة الشيخ محمد بن مانع مدير المعارف العام لعنيزة، وأقيم له ولمرافقيه سرادق وحفل كبير في «الخبتية» الواقعة في الطريق بين البدائع وعنيزة، وكان أبو علي من المتكلمين والمقدمين الرئيسيين لذلك الحفل الذي استمر من الصباح حتى ما بعد الظهر والذي شارك فيه الأهالي ورجال التعليم، وعلى رأسهم الأستاذ صالح بن صالح رحمه الله وطلاب المدارس، وكان صوت «أبو علي» يجلجل في ذلك الفضاء الرحب وتعليقاته ملفتة للنظر.
وحينما أقفل المعهد العلمي السعودي التابع للمعارف في بداية عام 1373ه وافتتح المعهد العلمي التابع للكليات والمعاهد «جامعة الإمام محمد بن سعود» والمدرسة الثانوية التي تضم القسمين المتوسط والثانوي كان الاقبال على المعهد كبيراً جداً بسبب وجود المكافأة وبسبب التشجيع الأكبر من الأهالي بينما كان الاتجاه إلى الثانوي أقل.
ولذلك كان أبو علي وهو في المعهد يحث الطلاب على الالتحاق بالمدرسة الثانوية إيماناً منه بحاجة البلاد إلى التخصصات الأخرى مثل الهندسة والطب والصيدلة والزراعة والإدارة... الخ بقدر حاجتها إلى التخصص في اللغة العربية والشريعة.. الخ أو أكثر.. وربما أخذ عليه البعض ذلك ولكنه بسبب وعيه وثقافته وبعد نظره كان عامل جذب لزملائه في التعليم وطلابه في المعهد والثانوية وأولياء أمورهم، ويلتفون حوله ويحترمون رأيه وتوجيهاته.
وقد استثمر جاذبيته الاجتماعية في ممارسة الكثير من المبادرات التي من شأنها خدمة مجتمعه والارتقاء بمستواه الاجتماعي والثقافي، فساهم بصفة أساسية بانشاء أول صندوق للبر وضع له نظاماً تضمن أهداف وطريقة إدارته وممارسته لأهدافه، وأنشأ مع زملائه في التعليم أول مدرسة لتعليم الكبار ومحو الأمية على حسابهم الخاص قبل بدء هذا النوع من التعليم في المملكة، كما أسس مع زملائه أول ناد ثقافي يضم مكتبة خاصة به ويقوم بأنشطة ثقافية دورية كنت أحضر بعض هذه الندوات التي يقيمها النادي كلما أتيحت لي الفرصة.
لم تكن لي به صلة مباشرة في ذلك الوقت بسبب نظرة التقدير والاحترام التي يكنها الطالب للمدرس ولو لم يكن من تلاميذ ذلك المدرس وهذه النظرة يكنها كل المجتمع لرجال التعليم وما يصاحب ذلك من شعور بالحرج نتيجة للفارق في المقام بين الطالب والمدرس ولكنني كغيري من الشباب نتابع نشاطاته ومبادراته بإعجاب ونرى فيه المثل الحي للمواطن الوعي المخلص، وحينما التحقت بالتدريس عام 1376ه كان أبو علي قد انتقل من عنيزة ولكنه يحضر في العطلة الصيفية، ومن هذا أتيحت لي الفرصة للاحتكاك به بسبب اللقاءات اليومية التي تتم بين منسوبي للتعليم سواء في «الدوريات» المنتظمة أو في الرحلات الخلوية، وكانت هذه الاجتماعات لا تخلو من المطارحات التي يبدو فيها تميزه الثقافي على الكثير من زملائه رغم بساطته وعفويته.
وحينما استقر في مدينة الرياض بصفة دائمة كنت أحرص على زيارته كلما ألقى بي عصا التسيار إلى هناك، وكنت كغيري من أبناء وطنه وزملائه نتابع بكل اعتزاز ما يحققه من تقدم في مسيرته العملية؛ بدءاً من معهد المعلمين وانتهاء بأمانة مدينة الرياض، واستمراراً بأعماله التطوعية والخيرية، ولقد عملت معه بصفة مباشرة خلال معرض الرياض، والمملكة بين الأمس واليوم في كل المحطات التي مر بها، وفي العمل التطوعي من خلال تأسيس الجمعية الخيرية الصالحية بعنيزة، ومتابعة العمل فيها وأنشطتها وبرامجها، ومن خلال الشركات التي يشرف على إدارتها أو مجالس إدارتها.
فهو يتمتع بذكاء وقّاد لا تتعب معه في ايصال أو فهم ما تريده، ولكنه يتعبك في التهيئة للتعامل معه.
وهو واقعي وعملي يهمه اتمام كل شيء دون تهاون أو ابطاء.
وهو دؤوب لا يجد الملل ولا اليأس إلى نفسه سبيلا.
وهو قوي وجريء يستطيع أن يتخذ القرار دون تردد وفي كل الظروف، وقد يعاتب بشدة ولكن دون تجريح ودون أن يحمل قلبه أي رد فعل عكسي، وقد يعتذر لمن عاتبه إذا شعر أنه زاد في العتاب.
وهو ميمون فقد منحه الله حظاً وافراً وتوفيقاً في كل أعماله.
وهو عفوي لا يتكلف في تصرفاته أو كلامه أو أقواله.
وهو بار بوالديه واصلاً لرحمه وأسرته يحرص على تأدية الواجبات الاجتماعية.
ولهذا نال التقدير من ولاة الأمر والمواطنين في الداخل.
كما نال تقدير كل من تعامل معه أو كانت له علاقة به من الخارج.
وها هو ذا اليوم يحظى بتقديم وتكريم أهله في مدينته بعد أن نال التكريم الذي يستحقه على مستوى الوطن وخارج الوطن، وهذه نعمة كبيرة ينبغي علينا وعليه شكر الله المنعم.. بارك الله في عمره وعمله، ووفقه وجميع العاملين المخلصين لعمل الخير وخدمة الوطن والمزيد من العطاء.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved