Sunday 5th May,200210811العددالأحد 22 ,صفر 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

الانتخابات الفرنسية «المصالح والأخلاق» الانتخابات الفرنسية «المصالح والأخلاق»
حمد الباهلي

لقد أصبح الخيار العربي بشقيه الرسمي والشعبي على مستوى المصالح والأخلاق في المفاضلة بين مرشح اليمين الجمهوري جاك شيراك ومرشح اليمين المتطرف جان ماري لوبن سهلاً. انتخابات الخامس من أبريل ستحمل جاك شيراك إلى قصر الأليزييه في ولاية خماسية هي الأولى بعد تقليص مدة الرئاسة من 7 إلى 5 سنوات، حدوث غير ذلك لن يكون إلا باختفاء أحد المرشحين لأسباب غير معروفة سلفاً. لقد كان وصول لوبن مفاجأة لكل القوى السياسية في فرنسا ولأكثرية الشعب الفرنسي لكن ذلك لم يكن بفضل إنجازات لوبن أو برامجه بقدر ما كان ناجماً عن خلل في ممارسة وبرامج وأفكار ومؤامرات منافسية في صفوف اليسار واليمين معاً.
لقد قيل الكثير في الإعلام الفرنسي والعالمي والعربي عن أسباب وصول جان ماري لوبن للدور الثاني ولن نكرر ما قيل. ما يجب التنبيه إليه ومنذ الآن هو معرفة موقف القوى السياسية المنظمة من يمين ويسار من قضايانا المصيرية وعلى رأسها الموقف من القضية الفلسطينية. وإذا كان موقف الرئيس الفرنسي القادم وهو بالضرورة جاك شيراك معروفاً مجازاً بتوازنه أو بميله لمساندة الحق العربي استناداً إلى سياسة الحزب الديجولي الذي يترأسه، فإن الموقف من حزب الجبهة الوطنية وأحزاب اليمين و اليسار الأخرى لايزال يكتنفه الغموض بعد فترة قصيرة من الآن ستجرى الانتخابات التشريعية وربما جاءت نتائجها مخالفة للتوقعات نتيجة للهزة أو الزلزال السياسي الذي أصاب فرنسا في الحادي والعشرين من أبريل، ستمثل كافة القوى السياسية في البرلمان القادم بنسب متفاوتة، وبما أن مبادىء العمل السياسي تفترض عدم التفريط بأي قوة يمكن أن تؤثر في صناعة القرار، أكان ذلك في أروقة السياسة أو الحكومة أو البرلمان فإن سؤالاً ملحاً يبدو اليوم ملحاً أكثر من أي وقت مضى. هذا السؤال يقول مَنْ مِنْ هذه القوى المنظمة تؤيد إسرائيل بشكل مطلق لكنه يرتكز على أيديولوجية تقوم على العداء المطلق للعرب والمسلمين؟. ليس في أحزاب اليمين الجمهوري ولا في أحزاب اليسار وأطيافه من يؤيد بشكل مطلق إسرائيل. كما أنه ليس ببرامجهم ما يدعو لزرع مشاعر الكراهية ليس ضد العرب والمسلمين بل وضد أي جنس آخرمن البشر. وحده حزب الجبهة الوطنية حزب لوبن لا يؤيد إسرائيل ولكنه يقوم على أيديولوجية واضحة وصريحة ضد العرب والمسلمين. ومع ذلك ليس لدى جان ماري لوبن مانع من القول مؤخراً لمندوب جريدة هاآرتس بأن «يؤيد بقوة ما تفعله إسرائيل للدفاع عن نفسها» إذا كان المطلوب من الإعلام العربي العمل على تصحيح هذا الموقف أو ذاك في كافة الأحزاب السياسية في فرنسا فإن المطلوب اليوم هو فضح الموقف العنصري اللاإنساني للوبن وزمرته.. إن التحليل السياسي البائس والقائم على المراهنة على الكره هو رهان خاسر اليوم وفي المستقبل القريب والبعيد.. لا يزال هناك لسوء الحظ أناس يفكرون بالاستفادة من عداء لوبن وحزبه لليهود تحت ذريعة التحالف مع الشيطان ضد العدو الصهيوني، كيف لنا أن نصدق وجود عداء بين مجرمين يشربان من المستنقع نفسه.. شارون يذبح الفلسطينيين ولوبن «يفتخر» بذبحه وتعذيبه ل«لجزائريين..» التعذيب.. التعذيب.. هذه التهمة التي لا تقوم على أساس سوى وجود نوع من التحقيق المتقدم «ذلكم هو دفاع لوبن عند اتهامه بالتعذيب. في الأول من مايو احتشد آلاف الفرنسيين إحياء لذكرى الشاب إبراهيم الفتى المغاربي الذي دفعه أحد متظاهري الجبهة الوطنية ليموت في نهر السين.. فقط لأن ملامحه عربية.. كم هو مؤلم أن يتحدث البعض عن مساندة لوبن للعراق والاستشهاد بزياراته المتعددة لبغداد وعواصم أخرى، أليست زوجة لوبن هي رئيسة جمعية مساندة الأطفال العراقيين؟ ومع ذلك وقبل التورط في تنظيرات بائسة حول الحنين للدولة الوطنية التي بشربها بسمارك وأفضت للدول الأوربية القائمة أو حول«احترام» الشعوب في انتخاب من تراه، لابد لمن أنعم الله عليه بذاكرة متوسطة أن يتذكر كيف وصل هتلرإلى الحكم وإلى ماذا قاد البشرية جمعاء من قتل لملايين الأبرياء وهدم لمنجزات الحضارة الإنسانية.. جرينوفسكي الروسي الذي هنأ لوبن لوصوله إلى الدور الثاني كان يتمنى قبل عدة سنوات في مقابلة مع إحدى الفضائيات العربية «بأن يذهب الحجاج الروس للحج سيراً على الأقدام ليهلكوا قبل أن يعودوا إلى روسيا» الكذب واستغلال العواطف وعدم احترام مصداقية القول هي سمات الخطاب السياسي لأي فكر يميني عنصري.. وذلك ما يعرف اليوم بالخطاب الشعبوي.. هذا الخطاب الذي يقوم على دغدغة مشاعر الطبقات الوسطى والشعبية بتحقيق مطالبها.. كل مطالبها بغض النظر عن إمكانية ذلك أو عدمها، المصالح والأخلاق لم تجتمع مثلما تجتمع اليوم لضرورة فضح رياء وزيف الجوانب المتقاطعة بين مواقف لوبن فرنسا أو هايدر النمسا الآنية في بعض المواقف إزاء إسرائيل أو من يقف معها، ليس سوى الحسد وضيق الأفق ومشاعر الكراهية، في عداء لوبن لأمريكا وأوروبا.. كيف نصدق حب لوبن للعرب وهو الذي يعلن كراهيته ليس للمقيمين من عرب شمال أفريقيا بل ولكل الفرنسيين المتجنسين. هنالك حوالي ستة ملايين عربي ومسلم يقيمون في فرنسا.. هم وحدهم يعرفون حقيقة الخطر الذي يمثله فكر لوبن وزمرته عبر معايشتهم لسلوك اليمين المتطرف في المدن والقرى الفرنسية «هؤلاء الإهابيون الذين حاربتهم في الجزائر دفاعاً عن عظمة فرنسا، وكانوا يطالبون بالاستقلال.. فليذهبوا إلى هناك» يقول لوبن في كل مناسبة. لذلك «لن يجد جان ماري لوبن وكل من بنيت برامجهم ومشاريعهم السياسية على العنصرية الفوقية والكراهية للمختلفين عنهم عرقياً ودينياً أفضل من ميلوسوفيتش في الماضي وشارون اليوم في التعرف على فنون السحق والاستئصال لمن يقفون في وجه برامجهم» كما يقول الدكتور عبدالعزيز بن سلمة الرياض 2/5/2002م.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved