Thursday 9th May,200210815العددالخميس 26 ,صفر 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

إشكالية المصطلح في النقد الروائي العربي 2-3 إشكالية المصطلح في النقد الروائي العربي 2-3

الأول: يتمثل في تجاهل كي لا نقول جهل بعض الباحثين بقواعد وضع المصطلحات المسطرة من قبل الهيئات العلمية الرسمية المسؤولة«المجامع اللغوية ومكتب تنسيق التعريب» . واعتمادهم المطلق على اجتهاداتهم الشخصية، دون احتكام لضوابط علمية واحدة وموحدة. وهكذا ففي الوقت الذي يعتمد فيه البعض على الترجمة في إيجاد المقابلات المصطلحية العربية، يفضل الآخرون التعريب أو الشرح، كما هو الحال مثلاً بالنسبة لمصطلح«narratologie» التي نجد لها ثلاثة مقابلات عربية هي: السرديات، علم السرد، ونراتولوجيا. هذا طبعاً دون احتساب التنويعات المختلفة التي قد تلقحها بفعل استبدال جذر«سرد» بحكي، قص، أو رواية مما يعطينا صورة واضحة عن الفوضى المصطلحية العارمة التي تطفح بها الساحة النقدية الروائية العربية بفعل ممارسات فردية عشوائية لامسؤولة، لنستمع لإحدى الباحثات تصف هذه الوضعية:«يترجم البعض معنى المصطلح في ضوء المعاجم اللغوية العربية، ويميل البعض إلى التوليد، ويبقي آخرون الكلمة كما ينطق بها، ولا يقبلون بها بديلاً، حتى أصبح لبعض المصطلحات الأجنبية عدد من المصطلحات المعربة تختلف باختلاف الأقطار العربية، بل تختلف أحياناً باختلاف المعربين في القطر الواحد«10».
والثاني: يكمن في الطريقة الانفرادية المتجاوزة التي يمارس بها البحث العلمي عندنا، في غياب عمل مؤسساتي جماعي ممنهج ومدروس، كما هو متبع في المجتمعات المتقدمة، مما يضفي على اجتهاداتنا المصطلحية النقدية الروائية، طابع التعدد والاختلاف، لدرجة يشعر معها القارئ، وهو يتابع هذا الكم الهائل من الدراسات المنشورة، أن كل باحث أصبح «يشكل» مدرسة نقدية» قائمة بذاتها، معزولة كلياً عما يجري حولها في «المدارس» الأخرى رغم اعتمادهم جميعاً على خلفية معرفية غربية واحدة، الأمر الذي أصبح معه التواصل مع هذه النظريات الغربية في لغاتها الأصلية أيسر كثيراً، في بعض الأحيان، من الاطلاع عليها مترجمة للعربية، نظراً للاضطراب الهائل الحاصل في ترجمة مصطلحاتها النقدية. مما يحول حتماً دون النقل السليم لهذه المعارف، ويجهض بالتالي كل محاولات تأصيلها في التربية العربية:«فأمام هذا الوضع يروح القارئ أولاً ضحية كثرة الاستعمالات والاختلافات، فترتبك بذلك عملية القراءة، ولا يتحقق بعد ذلك المراد الأكبر، وهو تجديد فكرنا الأدبي ومعرفتنا النقدية، وتطويرهما«11».
صحيح أن مسؤولية التنسيق والتوحيد تتحملها، كما سبقت الإشارة لذلك، المؤسسات العلمية الرسمية، لكن هذا لايخلي، مع ذلك، ذمة النقاد والباحثين. نظراً لما يطبع أعمال بعضهم من فردية، قد تصل أحياناً درجة الأنانية، تجعلهم يتنكرون، بقصد أو بدون قصد، لجهود زملائهم السابقة في هذا الميدان، مما يحول حتماً دون ترسيخ أعراف علمية سليمة قائمة على مبدأ التعاون البناء، الهادف لتوحيد الجهود وتحقيق التراكم المعرفي اللازم لتطوير عجلة البحث العلمي والدفع بها إلى الأمام. تماماً كما عبر عن ذلك بصدق أحد الباحثين قائلاً:«لعل شيئاً من إيثار العناد قد يكون وراء هذا التعدد والاختلاف، إذ إن كل فئة وهذا من دواهي الأمور تنطوي على شعور بأنها أحق بأن تتبع، وأنها من ثم لابد أن تبدع لنفسها مصطلحاً خاصاً بها، لايهمها بعد ذلك أوافق هذا المصطلح الدقة أو لم يوافق«12».
على ألا يفهم من كلامنا هذا طبعاً مصادرة حق الباحثين الشخصي المشروع في الاجتهاد ووضع المقابلات العربية التي يرونها مناسبة للمصطلحات الغربية، بقدر ما نريدهم أن يتقيدوا في ذلك بالضوابط العلمية المعروفة، لوضع حد للفوضى العارمة الحالية، وإضفاء مصداقية وفعالية أكثر على هذه الجهود في الوقت نفسه، وهو مالن يتحقق طبعاً إلا باستبدال الأنانيات بالعمل الجماعي المبني على«روح الفريق»«13»، في وضع المصطلحات وتوظيفها، مع الالتزام باستعمال المقابلات العربية الصالحة السائدة، وعدم استبعادها إلا في حالات خاصة محدودة تفرضها الضرورة العلمية، كأن يلاحظ الباحث مثلاً اضطراباً أو لبساً في مصطلحات زملائه السابقين، فيبادر لتصحيحها أو استبدالها بأخرى تتلاءم والمقتضيات العلمية، أما فيما عدا ذلك، فلا أرى مبرراً معقولاً لإضاعة الوقت والجهد في وضع مقابلات جديدة تنضاف للقديمة، وتضايقها في الاستعمال، دون أن تضيف إليها شيئاً تماماً كما يحدث في الغرب، حيث تخضع المصطلحات لتطور دائم ومستمر، لكنه منظم وهادف في نفس الوقت يحتكم لمعطيات علمية موضوعية، تقيه شرور آفة الاعتبارات الشخصية الظرفية الضيقة، وتضفي عليه فعالية أكبر، قلما نجدها في ممارستنا النقدية المبنية على الأنانية والإقصاء والتجاهل مما يؤدي حتماً لإجهاض هذه الجهود في المهد، وشل حركتها في تفعيل الحقل الثقافي العربي، وتوحيد خطواته.
ولعل نظرة خاطفة على ما ينشر يومياً في الصحف والمجلات كفيلة بإعطائنا صورة حقيقية عما تعرفه الساحة النقدية الروائية العربية من اضطراب اصطلاحي فظيع، لا يخفف من حدة آثاره سوى وضع الأصول الغربية بجانب مقابلاتها العربية، مما ينم عن إحساس ضمني مسبق بعجز هذه الأخيرة عن أداء مهامها الإجرائية بشكل انفرادي في استقلال تام عن الأولى، كما انتبه لذلك بعض الباحثين:«فلولا أن الكثيرين ممن يقدمون المفاهيم الأجنبية في لفظ عربي يقرنون المصطلح العربي بنظيره الأوربي لغمض فهم المصطلح العربي على الكثيرين، ولكان هذا المصطلح عامل تفريق لا تجميع»«14».
أما إذا انتقلنا لدراسة الأسباب الخاصة الثاوية وراء قيام المظهر الثاني للاختلال المصطلحي المتعلق بالمدلول، فسنلاحظ جلياً أنها تختلف كلياً عما سبق ضبطه في الحالة الأولى، نظراً لاختلاف المعطيات الخاصة بكلا الاختلالين من ناحية، وتباين العوامل الفاعلة في ظهورهما من ناحية أخرى. لهذا نعتقد، اعتقاداً جازماً أن كل التشوهات التي تلحق الوجه الثاني للمصطلح الخاص بالمدلول، لها علاقة مباشرة وطيدة بالكيفية الاختزالية التي يتم بها فهم واستيعاب هذه المفاهيم النقدية في مظانها المعرفية الغربية الأصلية.
علماً بأن دلالة المصطلح أي مصطلح محدودة، ترتهن بسياق معرفي مضبوط لا تتعداه، وكما قال أحد الباحثين:«المصطلحات مقيدة بحقولها المعرفية» «15».
*».
*». وهو ما يؤكد، بما لا يدع مجالاً للشك، ما قاله البعض من أن:«مفاتيح العلوم مصطلحاتها، ومصطلحات العلوم ثمارها القصوى، فهي مجمع حقائقها المعرفية، وعنوان ما به يتميز كل واحد منه عما سواه، وليس من مسلك يتوسل به الإنسان إلى منطق العلم غير ألفاظه الاصطلاحية، حتى لكأنها تقوم من كل علم مقام جهاز من الدوال ليست مدلولاتها إلا محاور العلم ذاته» «17».
أما فيما يخص الاختلال الثالث المركب، المعروف بجمعه بين تحريفي الدال والمدلول، فالملاحظ أنه يمثل أخطر مظاهر التسيب الاصطلاحي في خطابنا النقدي الروائي، لما يعكسه من استهتار بأبسط القواعد العلمية المتبعة في هذا المجال. سواء من حيث الجهل الفاضح بالإطار المرجعي للمصطلحات المترجمة، أو الإصرار الأعمى على تجاهل الجهد العربي السابق. وبذلك تفقد هذه المبادرات كل مصداقية علمية، وتشكل بالتالي عرقلة حقيقية في طريق تطوير معرفتنا السردية، ولعل ترجمة بعضهم لمصطلح«histoire» بالتاريخ عوض الحكاية، أكبر دليل على صحة ما نشير إليه.
1/4 لهذه الاعتبارات كلها نعتقد أن الوقت قد حان، لإيلاء هذه الإشكالية ما تستحق من العناية والاهتمام، عن طريق وضع استراتيجية فعالة بديلة على الصعيدين، القطري والقومي، لتجاوز سلبيات الخطط التقليدية المتبعة حتى الآن، وذلك بدعم جهود الفاعلين الحقيقيين في المجال، وقطع الطريق على مبادرات المتطفلين المغشوشة الهدامة. مهمة صعبة حقاً، لكنها ليست بالمستحيلة، إذا ما تضافرت طبعاً جهود مختلف الجهات المسؤولة، وفي انتظار ذلك هذه بعض المقترحات العلمية الواجب اتخاذها لتدارك الموقف مرحلياً قبل فوات الأوان:
1 رفع وتيرة عمل المجامع اللغوية العربية، عن طريق تبسيط مساطر اشتغالها، لجعلها تساير التطورات السريعة والمتلاحقة في مختلف المجالات العلمية.
2 توسيع اهتمام هذه المؤسسات لتشمل مختلف التخصصات العلمية، بما فيها طبعاً العلوم الإنسانية، وعدم حصرها في التجريبية فقط، كما هو حاصل الآن. لأن النهضة كل لا يتجزأ، فإما أن تكون شاملة وإما لا تكون.
3 إعادة النظر في قواعد وضع المصطلحات العربية، بهدف توحيدها وتعميمها على كل الجهات العلمية المسؤولة، كي لا يبقى هناك اختلاف بين هذا المجمع أو ذاك، كما هو حاصل الآن.
4 استبدال الطرق التقليدية المتبعة حالياً في توصيل المعلومات المصطلحية مع وسائل أخرى حديثة ومتطورة، تعتمد الحاسوب والانترنيت.
5 تفعيل دور مكتب تنسيق التعريب في توحيد جهود الفاعلين في هذا الميدان، مؤسسات وأفراداً، ربحاً للجهد والوقت.
6 خلق وحدات بحث متخصصة في قضايا المصطلح على صعيد مختلف الجامعات العربية، وإشراكها في المجهود القومي المبذول في هذا الاتجاه.
7 عقد لقاءات دورية منتظمة بين المهتمين على مختلف المستويات، المحلية ، القطرية، والقومية، لتبادل الآراء وتوحيد الخبرات.
وأخيراً تبقى الإشارة إلى أننا إذا كنا، لأسباب منهجية محضة، قد ركزنا الحديث على قضية المصطلح النقدي الروائي العربي وحدها، فإن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال، أننا نعتقد بإمكانية معالجة هذه المعضلة الخاصة في انفصال تام عن إطار إشكالية النهضة العربية العامة، نظراً للروابط الموضوعية الوثيقة القائمة بينهما. مما يستوجب معالجة شلولية ، يصعب معها الفصل بين الجزء والكل. وهو ما يعني ، بعبارة أخرى، أن المقترحات السابقة ستبقى مشلولة مالم تنتظم في سياق استراتيجية فاعلة واحدة متكاملة لمعالجة الإشكال في شموليته، لافرق بين علوم تجريبية وإنسانية، ولابين علوم وفنون.
ولن يتحقق ذلك طبعاً مالم يتم رفع الاعتمادات المخصصة للبحث العلمي في كل الأقطار العربية، واعتباره عنصر استثمار أساسي حاسم في مشروع التنمية القومية بشكل عام.

د. عبدالعالي بوطيب
الإحالات والهوامش:
10 نجاة عبدالعزيز المطوع: آفاق الترجمة والتعريب مجلة عالم الفكر، المجلد التاسع عشر، العدد الرابع، السنة: 1989، ص:11/12.
11 سعيد يقطين: المصطلح السردي العربي، مجلة نزوى، العدد: 21، السنة : 2000، ص 62.
12 أحمد محمد ويس: مقالة مذكورة، ص 058
13 شاكر عبدالحميد: ندوة النقد العربي وأزمة الهوية، مجلة القاهرة، العدد:160، السنة: 1996، ص:60.
14 أحمد مختار عمر: مقالة مذكورة، ص:5.
15 الدناي محمد: تداخل المصطلحات وإشكاليات الأنماط الشعرية العربية الضائعة، مجلة كلية الآداب بفاس، العدد الرابع السنة: 1988، ص: 32.
16 خلدون الشمعة: المنهج والمصطلح، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق ، 1979، ص: 207.
* انظر:
et J courtes. semiotique dictionnaire . A J grimas
raisonne de la theorie du langage. tome l ed/hachette universite
1979 p. 247/248/249/250
* أنور لوقا: التساؤل على شفا المنزلق، مجلة فصول، عدد: 3/4 سنة: 1987، ص: 15.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved