Sunday 19th May,200210825العددالأحد 7 ,ربيع الاول 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

ثم ماذا؟ ثم ماذا؟
صحافة أبي العتاهية ورامبو!
بدر بن سعود

الكل يستطيع أن يحرق روما كما فعل نيرون ولكن ماذا بعد ذلك؟، فلو فكرنا مثلاً في عمل احصائية ترصد مجموع ما تناولته الصحافة السعودية، من بداية تاريخها وحتى هذه اللحظة، باستثناء الزوايا الخبرية ذات الطابع التقريري والقضايا السياسية، سنجد أنها تركز غالبا على ملاحظات حول التعليم والصحة والكهرباء والهاتف والبلديات وغيرها من مرافق الخدمة العامة وبدون شك قضايا المرأة، ثم إلى حد ما القطاع الخاص إذا نظرنا للشق المعني بالسعودة وتوطين الوظائف وحروب الألبان، فضلاً عن درجة الاسفاف وتسطيح المشاهد التي وصلت إليها قنوات الفضاء العربية بإعلاناتها المدبلجة. بالتأكيد الخصوصية الإعلامية السعودية في طرح هموم المجتمع ليست متفردة، وإنما مشاركية مع دول عربية أخرى، وكلها للأسف منطقة مغلفة بالخمول وانعدام الجدوى، فرجع الصدى المأمول منها يكون محدوداً جداً، وضمن إطار ضيق يتم بهدف الترضية وجبر الخواطر وأحياناً كثيرة كسب الولاءات ونفي التهم. هذا لو استبعدنا الآثار الجانبية الخطيرة لحالات التجاوز في ظل غياب المرجعيات الواضحة، وما يتكبده كاتب الخبر أو المقالة الصحافية جراء طرقه للأبواب الممنوعة، فإما الإيقاف المؤقت أو تغريم الجريدة أو الويل والثبور وعظائم الأمور، ولعل اللافت هنا الحدود الرقابية لقوائم المحذور والمسموح، المحكومة بمعايير مناطقية وتجارب سابقة للرقيب، فقد أسهمت حصيلة الخبرات وحالات الألم بفعل ردود الأفعال تجاه موقف أو جملة مواقف صحافية سليمة، اصطدمت بالسلطة دون سابق قصد أو تدبير، في جعل الحاسة الرقابية تنشط، وهو ما أفرغ الأفكار الصادقة من مضمونها، وحوّلها إلى كتابات إنشائية لا يقرأها إلا المجيز والكاتب، لدرجة أبلغني معها أحد المشتغلين بالمتابعات الصحافية لدى مسؤول مهم، ان هناك صحفاً لا ينظرون إليها، ولا يلتفتون إلا إلى كاتب أو اثنين ممن يكتبون فيها؟، والسبب اهتمام الكاتب وقبله الصحيفة، بكسب الرضى غير المطلوب، وإبراز الإيجابيات على حساب السلبيات، وتلك رؤية يرفضونها ولا يطلعون المسؤول عليها، بل وتناقض دور الصحافة كعين للسلطة ومعين لها، فما الفارق بين تلك المؤسسات الصحافية وشركات العلاقات العامة كما يقول المشتغل بالمتابعات الصحافية وما قيل لا يعفي الجهات الحكومية والخاصة صاحبة العلاقة بجوانب التقصير، وينفي اتصالها بالمشكلة، ما لم تكن عاملاً رئيسياً أدى لقيامها واستفحالها، وليس الهدف إجمالاً، قيام صحافة فضائحية تقتنص الأسرار وتنتهك الحريات الخاصة، أو تتعرض للنقد الشخصي دون المؤسسي بحجة المصلحة العامة، ولكن التوازن يحتاج لبعض الجرأة والحرارة، وإلا أصبحت العملية كمسرحية طويلة مملة لا يشاهدها أحد. أما بالنسبة لردود الأفعال تجاه الطروحات الاجتماعية، فمنذ قصيدة الصحافي أبي العتاهية إن جازت الصفة للخليفة هارون الرشيد، والمشاكل نفسها لم تتغير.. أحوال معيشية لا تسر، وحالة تذمر، ونقص في الخدمات ووو.. طبعاً الظروف تغيرت والتطورات التقنية شكلت تفريعات جديدة للهموم القديمة، إلا أنها رغم ذلك بقيت تراوح عند المحاور ذاتها، وهذا يقود بطبيعة الحال إلى دور مفقود وهوية مشوهة، يلزمها التأمل والتحليل لإيجاد مخارج مرضية ومريحة، تنتج صيغة تفاعلية مرنة، لأطراف المربع الصحافي، الصحيفة، القارئ، المعلن، المسؤول العام أو الخاص.. وتلك أم المصائب؟، فقد حاولت قيادات إدارية في مؤسسة صحافية، قبل سنوات، حجب مادة تكشف حالات تلاعب بالمصالح، لأنها تعرضت لمعلن قد تخسره الصحيفة بنشرها الموضوع، بينما تمسّك مسؤول التحرير برأيه وبادر بالنشر، وكانت النتيجة الضغط عليه لتقديم الاستقالة وقدمها فعلاً؟.. حسابات دقيقة تحكم المختبر الصحافي لا ترى بالعين المجردة، وله قواعد متفق عليها قابلة للتعديل والتطوير، حسب الحاجة والمناسبة، وفيها كذلك بعض العذر لحملة الأقلام الحائرة بين سندان المهنية ومطرقة العواقب المحتملة، وهي معركة دائرة ومستمرة طرفها الأول الرقيب التحريري أو الإداري بأسلحته المتفوقة وحساباته مع المسؤول والمعلن، وطرفها الآخر كاتب الخبر والتحقيق والتقرير والمقالة الصحافية بسلاحه الأبيض الصغير وزمرة المتعاطفين معه، ولنا ان نتخيل كيف ستنتهي الأمور ولمن ستكون الغلبة، لذا فلا تلوموا المختبئين خلف الكلمات السريالية والترميز والعبارات الملتفة ربما تأسياً ب«رامبو» ولا أقصد الشخصية الفلمية التي جسّدها سلفستر ستالون على أجزاء، بل شخصية ثانية حقيقية لشاعر قديم أصدر مجموعة شعرية يتيمة بينما لم يتجاوز العشرين، وتنبأ بموته في قصيدة فتحت أبواب السريالية قبل مولدها بنصف قرن، وبعيداً عن الخيال ومخاطبة الأفكار المحلقة، مات «رامبو» وجاءت خلفه النجاحات، بعد ما فقدت مذاقها ولذة التمتع بها، وكأنه يؤكد وبطريقة أو بأخرى، أن الإنسان يبقى كائناً معذباً، مهما اختلفت درجات المسؤولية، أو تباين دوره الذي قدر له في دنيا العجائب. الدنيا التي وصفت بأنها بلغت مرحلة الشيخوخة، وأصابها الزهايمر والشلل الرعاش وليونة المفاصل، تماماً مثلما يحدث للمسنين وساكني دور العجزة وجامعة الدول العربية!، فهل نعترف باقتراب النهاية كي نقيم لها أعراس التأبين، كما يفعل الفلسطينيون أوقات الجنائز، أم انها بداية النهاية نحو قدر مجهول، أم بداية البداية، وهل سينشر الأستاذ خالد المالك المقالة أم لا؟!.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved