Tuesday 21st May,200210827العددالثلاثاء 9 ,ربيع الاول 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

عرب المظاهرات: عرب المظاهرات:
عندما يحرق العلم والسفير يتفرج
أسامة خالد

الساعة الثانية تماماً من ظهر ذلك اليوم توجهوا الى مقر السفارة الامريكية.
كانت موجودة في مكان مميز في ذلك البلد، مميز بكل شيء..المكان المرموق.. الحدائق الجميلة.. والهيبة التي تغطي انحاء المكان فيبدو لاول وهلة مكاناً مقدساً..
ماهي الا لحظات حتى تعالت اصوات كأنها هدير ماء آت من بعيد خاف السكون فولى هارباً..
الهمهمات العالية والهتافات التي تقترب شيئا فشيئاً جعلت حراس الأمن بمبنى السفارة يتأهبون ويجرون اتصالاً بالسفير مُنذِرينه بما سيحدث، لم يتوان السفير الامريكي عن الاتصال مباشرة ببلده حيث اخبرهم بالامر.
هدّأ البيت الابيض من روعه وأوصاه بالتريث وضبط النفس والاتصال بالمسؤولين في البلد حتى تتم السيطرة على هذه الجموع.
في الخارج كانت الاعداد لا تحصى والاصوات تزاول عملها الهديري كمحركات مصنع نذر نفسه للعمل المتواصل.
لافتات واعلام ومكبرات صوت تناشد وتستنكر ما يحدث للفلسطينيين في ديارهم.. يسقطون امريكا ويشجبون اسرائيل كانت هتافاتهم مخيفة.. والسفير الامريكي لازال تصطك اسنانه ببعضها رعباً لا يدري ماذا يفعل ولا كيف يتصرف فالوضع مخيف جداً لقد أجرى اتصالاته كلها مع القياديين هنا والكل أبدوا أسفا بالغا لما حدث ولكنه يعرف ايضا ان لا جدوى من ذلك فالامر يتعدى البرتوكولات، والاراء الشخصية لهؤلاء تجعلهم متعاطفين مع ما يحدث فوعودهم له بتهدئة الوضع ظهرت وكأنها أمنيات بأن تستمر.وفي غمرة الخوف المربك وقع نظره على منظر العلمين الامريكي والاسرائيلي وهما يحرقان بين ايدي شبان ملثمين، كانت القطع القماشية تبلل بالبنزين ثم يشعل فتيل النيران الجائعة، لحظات ويتحول المكان الى طقس احتفالي، نيران تتقد وأياد تصفق وألسنة تلهث تهليلاً وتكبيرا.
- يا للوقاحة لقد وصل بهم الامر الى هذا الحد..!! هكذا حدث نفسه قبل ان يتصل مرة اخرى بالبيت الابيض والذي طالبه مرة اخرى بالصبر وضبط النفس، حتى البيت الابيض لم يرد بالشكل المطلوب وكأنه هو الآخر متواطئ معهم..
استمرت المظاهرة حتى غابت الشمس لقد تعبوا وعليهم العودة الى بيوتهم، لقد قاموا بعمل جبار وعليهم العودة لمشاهدة اصداء ما عملوا على التلفاز.
كانت المواقف المساندة لهم تبث تشجيعها وتحيتها لهم على كل الفضائيات العربية، منظرهم كان يسري في البدن قشعريرة، ويزيدهم حماسة لا ليخرجوا للسفارة هذه المرة بل ليحرروا القدس بأنفسهم كل العيون وقفت شاخصة امام الشاشات تراقب ما يحدث..وكانت ليلة قاسية مليئة بالحماسة العربية، نام الجميع وحلموا ليلتها بخوذة وبندقية.
تعاقبت المظاهرات في كل البلدان وفي كل الشاشات وصارت تقلب المواجع في كل فترة وفي كل مرة تستيقظ الحمية لدى البشر وتثور ويعود الغضب العربي لينشر صرخته المدوية فتهز كيان العالم.
ماهي الا ايام حتى عادت احداث القدس تنشر اخبارها على مسامع الجميع فخرج الناس مرة اخرى الى مقر السفارة نفسها وقاموا بحرق العلمين والسفير ينظر بغضب لما يحدث وفعل ما فعل في المرة السابقة
وكان رد البيت الابيض بمثل رده السابق ان تريث واهدأ، كيف يهدأ وهو يرى الجماهير تلوح بالاعلام المحروقة امامه، وهو يرى ان السيل الجارف امامه قد يبلع السفارة بلقمة واحدة لكن الوضع مر بأمان هذه المرة فلقد اعلنت الشمس المغيب وعلى جميع المتظاهرين ان يعودوا الى بيوتهم ليروا انفسهم على التلفاز وهاهي المحطات تعود لبث الوجع العربي ورقص الالم العربي وحماسة الشعوب التي لا ترضى الظلم ويعلو خفقان قلوبهم مع كل علم يحترق نام الجميع ليلتها وحلموا ايضا بخوذة وبندقية.
ظلوا نائمين شهورا عدة ولكن ما لبثوا ان صحوا على اصوات القتلى والجرحى ينادون من فلسطين قاموا وهرعوا الى السفارة الامريكية وهم في طريقهم تنبهوا الى انهم لم يحملوا اعلاما، لكن لم يخب ظنهم فلقد كانت الاعلام تباع على ناصية شارع السفارة ذاته اشتروا الاعلام بكثرة واحرقوها كلها والسفير ينظر كما كان يفعل كل مرة الا انه هذه المرة اجرى اتصالين سريعين ثم عاد الى شرفة غرفته شرب فنجاناً من القهوة ونام.
غابت الشمس كما تفعل كل يوم.. ورجع الناس الى بيوتهم كما يفعلون كل يوم.. وقلبوا شاشاتهم ليروا انفسهم على شاشة التلفاز وناموا بعدها وهم يحلمون ايضاً بخوذة وبندقية.وما هي الا سنوات حتى قاموا على اصوات قنابل ورشاشات تأتي من مكان بعيد عرفوا انها من فلسطين لقد عاد اليهود للعبث بالقضية تجمعوا وذهبوا إلى نفس المكان لم يحملوا اعلاما هذه المرة فهم يعرفون انها تباع على ناصية الطريق.
اشتروا الاعلام بكثرة فلقد كانت رخيصة نتيجة لكثرتها واحرقوها كلها، اشعل احدهم النار بالعلم الامريكي وبالمقابل اشعل السفير سيجارة على شرفته سحب هواءه ثم تقيأ زفيره باتجاه الافق، لم يعر احد اهتماما لكثافة دخان سيجارته التي سرعان ما اختلطت بدخان العلم المحروق عادوا كعادتهم بعد ان نامت الشمس، وتأهب البعض ليرى نفسه على شاشة التلفاز بينما طالب آخرون بالتحول عن هذه القناة لمشاهدة سهرة منوعة على محطة اخرى بحجة انها «لايف» ولن يتسنى لهم مشاهدتها مرة ثانية،
تعبوا وناموا ولم يحلموا ليلتها بخوذة أوبندقية فلم يعد لديهم نقود لقد اشتروا بها كلها اعلاما..افاق الجميع بعد دهور علي صوت لدوي مخيف يأتي من مكان بعيد كان الجميع متعبا منهكا فلم يصح البعض وآخرون اكدوا ان صوت الانفجار كان من كوكب آخر.
خبر عاجل: مصنع جديد لصناعة الاعلام
يجري افتتاحه في واشنطن ويتوقع ان يدر ارباحا كبيرة.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved