Thursday 23rd May,200210829العددالخميس 11 ,ربيع الاول 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

بين الجغرافيا والسياسة بين الجغرافيا والسياسة
د. فوزية أبو خالد

تدق بعض الأيدي الشجاعة بحدسها الإلهامي كالمبدعين والشعراء، بحسها النقدي كالمصلحين والنقاد وبمرئياتها العلمية ومعلوماتها الميدانية كالعلماء والباحثين أجراس الخطر الكامن أو السافر الذي قد يتوعد ان لم يكن يهدد المجتمع في بعض الجوانب الحياتية الهامة.
غير ان ايقاع هذه الأجراس الجريئة يكاد يكون كالكلام في مكان مفرغ من الهواء إذا لم يجد في المجتمع على مستوى القيادة والقاعدة من يستقبل هذه الإشارات التحذيرية المبكرة ويحولها الى خطة عمل تقطع الطريق على الاثار والكوارث المحدقة او المتوقعة قبل وقوعها.
ولأكثر من مرة خلال الشهور القليلة الماضية شدني الحس الوطني والفضول المعرفي لأكون في مكان مفعم بالهواء الطلق، حيث كان يصلنا بوضوح ما بعده وضوح صوت الدكتورة مشاعل بنت محمد آل سعود محملا بالحب لهذه الأرض وهي تشير بشجاعة أدبية وبمعرفة علمية وميدانية الى بعض الأخطار الجغرافية في البيئة السعودية.
فمن خلال تخصصها الأكاديمي الدقيق في الجيومورفولوجيا التطبيقية باستخدام التقنية الحديثة في الجيو ويسيا لتحليل المرئيات وتشييد النماذج الجيولوجية البنائية، استطاعت د. مشاعل ان تجوس جغرافيا الوطن بحس انتمائي وعلمي عال. فلقد حدّثت حضور ندواتها بكل من الكليات العلمية وكليات العلوم الإنسانية بجامعة الملك سعود وفي الملتقى الإداري الأول لجمعية الإدارة السعودية عن مواجع ونداءات الأرض التي نموت ونحيا في عشقها.
ولإشراك القراء من صانع القرار الى الجمهور الذي يعاني بعضه مثلي من الأمية البيئية في بعض ما جاء في تلك الندوات من نداءات عاجلة لضرورة نجدة جغرافيا هذه الأرض مما يتهددها من أخطار طبيعية أو بيئية بفعل عدم كفاية التخطيط او سوء الاستخدام البشري لبعض المواقع الجغرافية فإنني استسمح القارئ واستسمحها في استعراض نقاط قليلة قد تكون مبتسرة من ورقتها عن منطقة جيزان كمجرد مثال على ما يجري في جوف وعلى سطح هذه البقعة الغالية من مساحة البلاد.
* بمنطقة جيزان التي تقع ضمن اقليم جنوب غرب المملكة الذي يمثل جزءاً من اقليم الدرع العربي توجد في جهته الغربية انهيارات تجاه البحر تكون اقليماً رسوبياً يتسع جهة جيزان.
* من معالم هذا الإقليم الرسوبي تكون أودية عميقة، تكون طبقات ملحية، وجود اجتياحات سيلية وتكاثر مناطق المستنقعات والسبخ.
* يترتب على هذا الوضع الجيولوجي والجيومورفولوجي عدة مخاطر بيئية منها على سبيل المثال مخاطر القباب الملحية، مخاطر السبخات، مخاطر السيول والفيضانات، مخاطر الانهيارات والبراكين والحارّات، ومخاطر الزلازل. بالاضافة الي مخاطر الأوبئة والحشرات.
* تتفاقم هذه المخاطر.. كأمثلة في الاستغلال غير المنضبط للقباب الملحية في استثمارات تجارية غير محسوبة العواقب البعيدة مما يؤدي الى حدوث هبوط وتصدعات وتشققات ارضية حيث تكون طبقات الملح وسط مواتٍ لسريان الهزات الأرضية. كما تتفاقم بعدم الاستعداد للتعامل مع الاجتياحات السيلية التي تضرب الوديان وتؤدي الى غرق القرى والهجر كوادي بيش وصبيا وضماد. وكذلك تظهر المخاطر مما وشت ببعضه حمى الوادي المتصدع في تكون البرك والمستنقعات التي تشكل حاضنة مثالية لتوليد أعداء الصحة الإنسانية.
هذا على ان ما تظهره الصور والشروح البيانية مما استعرضته د. مشاعل على برنامج Power Point ولا يظهره هذا المقال هو عدم المراعاة المريعة لتلك المحاذير في التخطيط العمراني والتوزيع السكاني وشبكة الطرق الحديثة وشبكة الصرف الصحي وما إليها من المشاريع التنموية.
ومن هنا اتوجه بمطلب بسيط وصريح لصاحب القرار السياسي ومن بيده التوجيه التخطيطي للمناطق بالعمل على الاطلاع والاستفادة من مثل هذه المجهودات البحثية الجادة. ان وجود المعلومة او المعلومات عن اوضاع معينة في المجتمع أياً كانت اجتماعية، جغرافية، اقتصادية، او سواها ما لم تستند الى قرار سياسي يوظفها في وجهتها الصحيحة التي تخدم المصلحة الوطنية لا يعني أكثر من ترف معرفي، كما ان وجود قرار سياسي لا يستند إلى معلومات موضوعية عن الأوضاع التي يراد تطويرها قد لا يؤدي الى الهدف النبيل من اتخاذه. فلا يكفي ان يكون هناك قرار بتحسين اوضاع هذه المنطقة او تلك يريد ان «يبرها» بقرض البنك العقاري للتوسع العمراني الحديث وبنية أساسية عصرية ما لم يجىء مثل هذا القرار مقروناً بمعرفة علميةوميدانية عن طبيعة الواقع ليكون القرار استجابة حقيقية للحاجات والضرورات البيئية والاجتماعية معاً. وذلك انطلاقاً من وعي المسؤول وتوعية المواطن بمواطن الضعف لمعالجتها ومواقع القوة لتعزيزها في أي تخطيط تنموي.
ان اقامة هيئة عليا للتطوير بكل منطقة من مناطق المملكة كمبادرة منطقة حائل الأخيرة أسوة بمنطقة الرياض بحيث يُفعل فيها دور مجالس المناطق ويضم اليها المعنيون من أصحاب المعرفة العلمية والخبرة الميدانية في المجالات البيئية والعمرانية والاجتماعية وغيرها بالاضافة الى توسيع مشاركة مواطني المنطقة المعنية أمر لم يعد بالإمكان الاستمرار في الاستغناء عنه.
ولعلي اختم هذا الموضوع بإحدى التوصيات التي وردت في أحد بحوث د. مشاعل آل سعود وهي التوصية بضرورة بناء وتطوير قواعد للبيانات والمعلومات في المجال البيئي واستخدام التقنيات الحديثة ومنها تقنية الاستشعار عن بعد سواء في التخطيط التنموي المستمر او في إقامة إدارة مبادرة وإدارة رد فعل للتعامل مع جميع الاحتمالات وللاستجابة للحاجات. هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved