لم ولن يتوصَّل العالم إلى توصيف وتصنيف للإرهاب متفق أو مُجمَع عليه. إن عدم التوصل إلى وضع مفهوم وتصنيف وتوصيف ومدلول لكلمة إرهاب ليس بالأمر الصعب ولا بالمستحيل على الأقل من ناحية نظرية، وهو بالتأكيد كذلك لو وجدت النية والنزاهة والتجرد. إيجاد مفهوم ومدلول للإرهاب يحتاج إلى مظلة أممية، أي مظلة عالمية، وهذا يعني تدخل الأمم المتحدة وقيامها بالدعوة لعقد مؤتمر دولي لتحديد مدلول الإرهاب. لقد دعت دول عديدة وبالذات في العالمين العربي والإسلامي إلى مثل هذا المؤتمر وبالذات بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
وكانت المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية من أولى الدول التي دعت إلى عقد مثل ذلك المؤتمر لتحديد مفهوم واضح للإرهاب.
لقد تم إدراك خطورة تعميم مفهوم متحيز للإرهاب بمعنى ان يكون مفهوم مصلحي أي لمصالح دول بذاتها بعيدا عن العدل وبعيدا عن المفهوم الصحيح للإرهاب.
رفضت الولايات المتحدة الدعوة إلى مثل ذلك المؤتمر بعد أحداث سبتمبر. وجعلت الإرهاب مفهوما غامضاً وكان ذلك مقصودا لأن أهداف الحرب على ما يسمونه الإرهاب في أفغانستان كان ولايزال غامضا وإن بدأ يتكشف الكثير من تلك الأهداف تباعا وسيستمر تكشفها مع مرور الوقت في الحرب ضد الإرهاب كما يشاع.
لقد رأينا كيف شمل مفهوم الإرهاب جمعيات إسلامية مختلفة على نطاق العالم وجمدت أموالها في الولايات المتحدة وفي أوروبا.
قامت الولايات المتحدة بإعداد لوائح وقوائم بأسماء العديد من المؤسسات المصرفية العربية والإسلامية أرسلتها إلى دول العالم المختلفة تطلب من كل دولة تجميد أموال تلك المؤسسات وعدم التعامل معها بل ربما تجاوز الأمر خطوات أبعد من ذلك ألا وهو جمع معلومات عن الأشخاص المودعين والمحولين وغيرها.
إن كل ذلك كان يتم باسم محاربة الإرهاب الذي لم يبرز له أي مدلول في تلك الفترة وحتى الآن. كما ان الأدلة على هذه المؤسسات أو تلك على تورطها في عمليات مشبوهة أو تمويلها لعمليات إرهابية غير متوفرة ولم يتم إيراد أي منها لأي من الدول التي طلب منها تجميد أموال تلك المؤسسات أو الجمعيات، كما أن كثيرا من الدول تجاوب مع الطلب الأمريكي دون نقاش أو محاولة للنقاش، خوفا ربما من تجميد أموال هذه الدولة أو تلك بحجة أن هذه الدول تدعم الإرهاب وربما بحجة إيواء الإرهاب.
بل إن الخوف ربما كان من ان تصبح تلك الدول التي ترفض أو تحاول ان ترفض تجميد أموال المؤسسات التي طلبت الولايات المتحدة تجميدها مستهدفة من قبل التحالف العالمي ضد الإرهاب. لقد هدد الرئيس بوش الابن تهديدا واضحا ليس فيه لبس ولاغموض ولا تغليف بأي نوع من الدبلوماسية الدول التي لاتعلن صراحة أنها مع الولايات المتحدة في محاربة الإرهاب. المقولة الرئاسية الأمريكية - مع أو ضد - اشتهرت شهرة لفظة الإرهاب.
إن مقولة «مع أو ضد» هي في حد ذاتها من مفردات الإرهاب ولكن الإرهاب المنظم الذي ترعاه وتديره وتخطط له دولة عظمى هي الولايات المتحدة الأمريكية.
يمكن تسمية ما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية في الحادي عشر من سبتمبر إرهاب عشوائي محدود المدة ومحدود المكان وربما محدود التأثير. صحيح ان مثل ذلك العمل أعد له وخطط له لمدة قد لاتكون قصيرة، وهو بلاشك ضمن مفهوم ومنظومة الإرهاب، كم انه عمل مدان من كل الدول والشعوب، إلا ان ردود الفعل على هذا العمل قفزت مباشرة إلى التفكير للانتقام دون بحث وتقص عن الأسباب ولا بالسؤال الذي من المفترض ان يسأل وهو لماذا الولايات المتحدة دون غيرها من دول العالم؟!
إن هذا الانتقام لم يكن محدودا مكانيا ولا مؤطرا زمانيا ولا محددا بأهداف سياسية أو عسكرية أو اقتصادية واضحة.
استغلت الأحداث الإرهابية على الولايات المتحدة التي يمكن ادخالها ضمن سياق الجريمة لإعلان الحرب ظاهريا على الإرهاب وباطنيا على العرب والمسلمين، بل خلط الأمر بين الظاهر والباطن تلميحا وتصريحا والتي وصفت أحيانا بزلات اللسان. اعتبرت الولايات المتحدة ان أحداث الحادي عشر من سبتمبر هي حالة إعلان حرب على الولايات المتحدة وليست أحداث إجرامية وعلى هذا الأساس كان لابد من إعلان حرب.
لقد ظهر مع مرور الوقت منذ بدء الهجوم على أفغانستان ان المجال المكاني لهذه الحرب غير محدد رغم انه بدأ في أفغانستان وبدأ ينتشر مجاله في جورجيا وداغستان والفلبين وفلسطين والعين على العراق وإيران وسوريا ولبنان والقائمة اتجهت إلى ليبيا والحبل على الجرار.
كما ان هذه الحرب المنظمة على مايسمى بالإرهاب مفتوحة زمانيا فالولايات المتحدة لم تلزم نفسها بحدود زمنية وكل تصريحات المسؤولين الأمريكيين منذ بداية الحرب تؤكد على ان الحرب على الإرهاب ستطول. لايعرف أحد كم ستطول لأن الأهداف الأساسية لهذه الحرب غير معلنة كما ان مفهوم الإرهاب عند الولايات المتحدة مطاط والمصطلحات المتفرعة عنه تزداد يوما بعد يوم وهذا يعني اتساع الرقعة المكانية لهذه الحرب كما يعني أيضا اتساع الحيز الزماني لها.
إن المتمعن فيما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية يدرك تماما ان هذه الحرب وهذا التحزيب للأمم وتجميعهم في أفغانستان والتحريض على المنظمات الإسلامية في دول عربية وإسلامية يظهر ان الولايات المتحدة تقود حربا إرهابية منظمة ضد مصالح الشعوب العربية والإسلامية بشكل عام. كما انها تسعى إلى شق صفوف العرب والمسلمين وبث الفرقة والفتنة من خلال الضغط على الحكومات في ممارسة الضغوط على الشعوب ومحاولة التدخل في تغييرات تتعلق بجوانب تعليمية وعقدية.
إضافة إلى ذلك فهي تسعى إلى شق الصف الفلسطيني بشكل أساسي بتأليب السلطة على المنظمات الإسلامية وقمعها بعيدا عن الديمقراطية وبعيدا عن التعامل الحضاري.
إن صمت الولايات المتحدة عما اقترفته حكومة شارون الدموية من قتل وتدمير وتشريد ومجازر ضد الفلسطينيين وبأسلحة أمريكية يدخل في سياق الإرهاب المنظم التي تمارسه الولايات المتحدة ضد الشعوب. إنها في فلسطين تساند الظلم والعدوان وإلا كيف تقف صامتة إزاء ماحصل في مخيم جنين؟!
إن سكوت الولايات المتحدة قبل ذلك إزاء ماحصل من قتل جماعي في قاعدة مزار شريف يعتبر ضمن الإرهاب المنظم.
إن نوايا الولايات المتحدة بضرب العراق والتهديد بضرب إيران والتلميح بضرب سوريا ولبنان وضم ليبيا إلى القائمة المحتملة للضرب يأتي كله في ضمن الإرهاب المنظم.
أعتقد ان دول العالم بشكل عام والدول العربية والإسلامية بشكل خاص بدأت تدرك ان ما تقوم به الولايات المتحدة وماتنوي القيام به مستقبلا هو خارج عن نطاق محاربة الإرهاب وأنه تجاوز تلك المرحلة، كما أدركت هذه الدول إن العزف على وتر محاربة الإرهاب ما هو إلا ذريعة لاستمرار الإرهاب المنظم من أجل مصالح الولايات المتحدة لوحدها ودون مراعاة لحقوق ومصالح الشعوب الأخرى. ولذلك بدأت العديد من الدول تعارض توجهات الولايات المتحدة في هذا السياق حتى الدول الأوروبية وهم الحلفاء الأقرب بدأوا يشككون في النوايا الأمريكية وفي التصرفات الأمريكية وليس أدل على ذلك من انتقاد وزير الخارجية الأمريكية باول الدول الأوروبية بالقول: إن الدول الأوروبية بدأت تهدد وضع التحالف الدولي ضد الإرهاب.
|