بعدما رأى النور في مدينة بريدة، تنقل بين مدن المملكة وكان في كل مرة تزداد صحته سوءاً ولكنه كان لا يظهر آلامه بل يظهر وجهاً مشرقاً ومبتسماً، وعندما بدأت بعض المواقع ترفضه وشعر بغربته كان لابد له أن يتجه إلى الرياض إلى العاصمة، انخدع بالأضواء وناطحات السحاب والطرق الدائرية الحضارية المعبدة والأسواق المركزية التي أصبحت أكثر من البيوت!! وقال في نفسه ان الرياض فيما لو مرضت يوجد بها أفضل المستشفيات في الشرق الأوسط!
جاء إلى الرياض، سمع بعض التصريحات التي ترحب به ولم يعرف أنها تصريحات كثيراً ما تمر من جنب القائم! قال في نفسه: الرياض كانت قبل سنة عاصمة الثقافة العربية!! وبلا شك سأجد عافيتي فيها. توجه إليها وانتظر وتلقى أولى المفاجآت فمن دعاه وتبناه أمام الناس تنكر له.. جلس على رصيف في شارع المعذر.. انتظر، طال به الانتظار.. بنى مخيماً هناك.. بقي لاجئاً.. حتى المساعدات لم تأته، لم يلتفت إليه أحد.. قالوا له عبر الصحف انتظر شعبان وانتظر إلى شعبان ثم غربت شمس شعبان وذي القعدة ومحرم والآن هو في ربيع الأول من سنة جديدة ولكنه مات.. مات على الرصيف بعد أن لم يجد من يؤويه. انه مهرجان المسرح السعودي.. مات يافعاً صغيراً لم ير إلا سنوات قليلة لا تعد في عمر زمن المهرجانات، انطفأت شعلته، مات في عاصمة الثقافة!! كما ماتت من قبل شعبة المسرح بجامعة الملك سعود.. قتلوه، أكاد أرى دمه يسيل بين أيديهم، لا تقولوا لي انه لم يمت وأنه فقط في غرفة الانعاش وسيتعافى فهذا الكلام الذي يقصد به التطمين لا ينفع فهو ليس أول الضحايا ولا الموتى.. فاللهم عوضنا بخير منه، ولقد كنا قريبين منه نلوذ بالصمت كلما سئلنا عن صحته لأننا عرفنا مصيره المحتوم منذ أن عرفنا أنه جاء إلى الرياض برجليه وكنت أعرف أن تلك الاجتماعات التي انعقدت من أجله لا تعدو كونها اجتماعات ككل الاجتماعات التي تعودناها ولا تفضي بشيء.. وأقول للمسرحيين: لا تحسبوا ان مهرجان المسرح السعودي هو أول من تفقدونه فهناك مهرجانات بدأت تمرض منذ فترة وهي تتصبر وتتجلد بعد أن بدأ الدواء والغذاء يمنعان عنها وبدأ تجفيف المنابع يطالها من قبل المسؤولين عنها والذين لا يهمهم منها إلا التقارير يرفعونها إلى الأعلى..
ماذا نقول لك أيها المودع على عجل، فارقتنا ولم تزل صغيراً، جئت إلى حتفك بقدميك!! ألم يكن لك من الأجدى أن تبتعد عنا؟ ولكن ماذا نقول لك وأنت ممن يخدعون بسهولة لأنك طيب القلب..
ولقد سألني أحدهم: مهرجان المسرح «السعودي» كيف يموت بين أعيننا وهو يحمل هذا الاسم العزيز على قلوبنا؟ ولم أجد جواباً فقلت: أنظر إلى هناك إلى حيث مات وانتظر التصريحات!! وسوف تحفظ القضية!! فلن تجد من يطالب بدم مهرجان مسرحي ومتى كان للمسرح «والي» يدافع عنه ويحميه!
|