Thursday 30th May,200210836العددالخميس 18 ,ربيع الاول 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

المرتزقة .. والعولمة المرتزقة .. والعولمة
حمد الباهلي

مثل المرتزقة في السياسة الاستعمارية القديمة وفي مرحلة حروب الاستقلال الوطني التي تلتها جوانب سيئة السمعة في ممارسات الدول الغربية، كانت الدول التي تستخدم هؤلاء القتلة في حروبها القذرة في أفريقيا وآسيا وأماكن أخرى من العالم تنكر رسمياً ارتباطها بأفعالهم وتدعي بأنهم يعملون وفق عقود مع الحكومات المحلية. الشيء المؤكد هو أن تلك العلاقات المشبوهة تكشفت لاحقاً بواسطة الإعلام أو عبر الوثائق التاريخية التي جرى الإفراج عنها، وبالرغم من وجود العديد من المرتزقة الذين لا يزالون يمارسون عملهم بالطرق التقليدية كما هو الحال في بعض الدول الأفريقية كسيراليون وأنغولا، إلا أن الحديث عن المرتزقة مثل ما هو موجود في الذاكرة بدأ يتراجع.. هل انتهى دور المرتزقة؟ وهل هم في طريقهم إلى الانقراض مع انتصار النظام الرأسمالي الغربي وانهيار النظام الاشتراكي؟.. ان الجواب بالإيجاب على مثل هذا السؤال هو إنكار للارتباط البنيوي بين الأنظمة القائمة أساساً على الاستغلال والتعالي وأدوات تحقيق هذا الاستغلال وهذا التعالي. والمرتزقة يمثلون إحدى هذه الأدوات من حيث الجوهر.. الشكل فقط كان بدائياً ومباشراً، والعولمة تفترض اليوم قدراً هائلاً من التمويه، لقد تحولت مؤسسات المرتزقة في أوروبا والولايات المتحدة بخاصة إلى شركات عملاقة معترف بها في أسواق البورصة وفي الدوائر العسكرية العليا. كان أحد شروط الانضمام لإحدى فرق المرتزقة في الماضي أن لا ينتمي المرتزق إلى جنسية الدولة المستخدمة. والسبب معروف داخلياً وخارجياً وكانت المهمات الأساسية للمرتزقة هي القتل والأسر فقط في حالة الفائدة المباشرة، السلاح بجميع أنواعه كان المظهر الملازم للمرتزق، هذه المظاهر لم تعد «حضارية» في زمن انتصار النظام الديمقراطي العالمي ومظلته المادية والأخلاقية.. العولمة، المهمة السياسية الأساسية لفرق المرتزقة في الماضي كانت تأمين تدخل أو وجود هذه الدولة القوية أو تلك في احدى الدول المنكوبة بالتخلف أو الفوضى، وبما أن هذه المهمة لا تزال على الأجندة اليومية للدول العظمى بقيادة الولايات المتحدة فإن دور المرتزقة لابد وأن يتطور مثله مثل مظاهر التطور السائدة في القرية الكونية. المرتزق الجديد ليس ذاك «الشرير» المدجج بالسلاح والمغطى بالوحل وسط غابات أفريقيا أو جبال اليمن (وإن كان عدد من هؤلاء لا يزال موجوداً)، المرتزق الجديد هو رئيس مجلس ادارة هذه الشركة العملاقة أو تلك في نيويورك أو سان دييغو تلك الشركات التي أصبحت اليوم تحظى بغطاء رسمي ومعترف به من أعلى دوائر اتخاذ القرار.. العنوان العريض والعصري لنشاط شركات الارتزاق تلك هو «تدريب وتطوير الجيوش الأجنبية الصديقة» تلك الشركات التي يعهد إليها بشكل متزايد على شكل - مقاولين من الباطن - «لتأمين التدخل العسكري في كل الاتجاهات خارج حدود الولايات المتحدة الأمريكية» كما تؤكد ذلك لوس أنجلس تايم «حيث تلعب هذه الشركات» دوراً لم يظهر في الماضي بهذه الصورة الجلية بعيداً عن السرية التي طالما اتبعتها السياسة الخارجية الأمريكية» لقد تطورت هذه الشركات واتسعت مساحات نشاطها وازدهرت أعمالها في أجواء الفوضى التي أعقبت انهيار المعسكر الاشتراكي، وتفتت العديد من الدول. وبما أن نشاط شركات المرتزقة هو نشاط عسكري فإن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 قد وفرّ مجالات أرحب لنشاط هذه الشركات.. فلقد مثلت «الحرب ضد الإرهاب» فرص عمل مضمونة لهذا القطاع على حد تعبير السيد دي روش الناطق باسم وكالة التعاون والأمن المرتبطة بالبنتاجون، واليوم يتواجد مسؤولو هذه الشركات في العديد من دول آسيا الوسطى لإعادة هيكلة جيوشها وفق المنظور الاستراتيجي لمستقبل المنطقة كما يراها الأمريكان. من أبرز الشركات العاملة في تدريب الجيوش «الصديقة» المؤسسة العسكرية للمصادر المهنية MPRI التي تأسست في العام 1988 على يد الرئيس السابق لهيئة أركان الجيوش البرية في الولايات المتحدة الأمريكية كارل فونو محاطاً في مجلس ادارته بسبعة جنرالات متقاعدين حيث تعمل هذه الشركات وفق عقود موقعة تحت مظلة البنتاجون. تنقل مجلة «كورير انترناشيونال» الفرنسية في مقال مترجم بأنه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر تضاعفت مخصصات قياديي المؤسسات العسكرية الخاصة مثل MPRI، أما مديرو شركة SAIC وهي شركة مماثلة فقد قفزت مرتباتهم من 000.285 إلى 000.800.1 «مليون وثمانمائة ألف دولار» اضافة إلى تمتع كل واحد من هؤلاء المديرين بحزمة أسهم بحوالي 5.1 مليون دولار، وتقدر احدى دور الأبحاث في الولايات المتحدة بأن حجم سوق النشاط العسكري لهذه الشركات سيقفز من 6.55 مليار دولار إلى 200 مليار دولار في العشر سنوات المقبلة، أما الجانب الأخلاقي لنشاط تلك الشركات فيدافع عنه الجنرال المتقاعد هاري سويستر الرئيس السابق لهيئة الاستخبارات العسكرية وأحد مديري MPRI، حيث يقول: هؤلاء الناس لن يلوثوا سمعة عسكرية تمتد لثلاثين عاماً من أجل حفنة من الدولارات نحن نعمل من أجل المال ولكننا نعمل بشكل جيد.. تلامذة هؤلاء الجنرالات هم الذين يضعون اليوم اللبنات الأولى للجيش الأفغاني.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved