Thursday 30th May,200210836العددالخميس 18 ,ربيع الاول 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

في كل عدد حرف في كل عدد حرف
(ت) التدريب:
د. محمد شوقي مكي

كثيراً ما يثار في المجالس العامة والخاصة الحديث والتساؤل عن الفجوة بين المستويين الأكاديمي والعمل لخريجي المعاهد والجامعات، ومن التخصصات التي واجهت مثل هذا التساؤل تخصص الجغرافيا الذي واجه المتخصصون فيه ذلك التساؤل بالبحث والحوار والمناقشة في اللقاءات المحلية داخل الأقسام، وفي اللقاءات الدورية التي تنظمها أقسام الجغرافيا في المملكة، حتى استقر الرأي على ضرورة تطوير ورفع الخبرات العملية للطالب ليتمكن من الدخول إلى مجال العمل بيسر وسهولة، ولذلك عملت بعض أقسام الجغرافيا ومنها قسم الجغرافيا بجامعة الملك سعود على إعادة تطوير خطة القسم لتتجه إلى تخريج الطلاب في تخصص الجغرافيا مع التركيز على أحد المواضيع الجغرافية مثل: البيئة والموارد الطبيعية، والجغرافيا الاقتصادية والتنمية، وجغرافية العمران والسكان، والخرائط، وشملت هذه الخطة على تخصيص 6 ساعات للتدريب الميداني في الفصلين الأخيرين من المستويات الثمانية اللازمة لتخرج الطالب في هذا التخصص، وعمدت هذه الخطة على تحقيق التعاون بين الأقسام الأكاديمية والإدارات والمؤسسات العامة والخاصة في تطبيق التدريب الميداني، بمعنى تحقيق التدريب التعاوني في هذه الخطة.
ورغم حداثة هذا التطبيق حيث مضى عليه سنة واحدة فقط وهي مدة قصيرة في عمر الزمن إلا أن هناك مؤشرات للنجاح وأخرى للصعوبات التي تواجه عمليات التطبيق، ولعل من أهم مؤشرات النجاح تحسن مستوى الطلاب في كتابة التقارير العلمية، وتحقيق الاحتكاك والتفاعل بين الطالب وجهات العمل، ومن مؤشرات الصعوبات ضعف تعاون بعض مؤسسات المجتمع، وضعف الاستفادة الذاتية لبعض الطلاب من هذه التجربة، لقد شجع أصحاب القرار في المملكة وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين، ووزارة التعليم العالي على اتخاذ القرارات والتوصيات المناسبة التي تدفع بالطالب للاستفادة من إمكانات التدريب في مؤسسات المجتمع وهو لايزال على مقاعد الدراسة.
المشكلة ان بعض المتعاونين في التدريب من قطاعات المجتمع لا يعتبر هذا العمل من مسؤولياته، وانه جهد مضاعف لا يتقاضى عليه اجرا، فإذاً هو غير مطالب بممارسته، وإن مارسه فيتم ذلك دون الانتظام والعمق المطلوبين، وبالتالي ينهي الطالب فصله الدراسي دون تحقيق أهداف التدريب الذي ينشده القسم المختص، والحقيقة اننا كمواطنين ومسلمين علينا واجب خاص لا يمكن ان يقدر بثمن للتعاون والتعاضد لخدمة الصالح العام، وهذا ما يميزنا عن المجتمعات المادية التي تفتقر لعناصر التعاضد والرحمة كما يحض عليها ديننا الإسلامي.. قال تعالى:
{وّاخًفٌضً لّهٍمّا جّنّاحّ پذٍَلٌَ مٌنّ پرَّحًمّةٌ وّقٍل رَّبٌَ \رًحّمًهٍمّا كّمّا رّبَّيّانٌي صّغٌيرْا} [الإسراء: 24]، وقال تعالى: {وّتّعّاوّنٍوا عّلّى پًبٌرٌَ وّالتَّقًوّى" وّلا تّعّاوّنٍوا عّلّى الإثًمٌ والًعٍدًوّانٌ وّاتَّقٍوا پلَّهّ إنَّ پلَّهّ شّدٌيدٍ پًعٌقّابٌ} [المائدة: 2]، وفي المقابل اننا لا نطالب بالتعاون المجحف ولكن التعاون المعقول والمنطقي بحيث تتوخى الأقسام التي توجه طلابها لمؤسسات المجتمع ان يكون عدد المتدربين مناسباً لطاقة الموظف المتعاون ولا تزيد أعباءه بشكل غير مقبول.
المشكلة الأخرى هي عدم حرص الطلاب على الاستفادة من الطاقات والإمكانات والجهود التي سخرت من اجل رفع مستوى مهاراتهم وخبراتهم، لا شك ان كل مسارات التركيز في خطط الأقسام تتطلب التدريب الميداني، بل إن روح تخصص الجغرافيا تعتمد على الزيارات والرحلات العملية الميدانية، وأي منهج لا يتضمن هذا الجانب يعتبر قاصراً، ولهذا كان المؤمل ان يتكالب الطلاب للاستفادة من هذه الإمكانات، وهذا ما حدث فعلاً في بداية تطبيق التجربة حيث اتجه نحو 90% من طلاب المستوى السابع إلى مسار الخرائط على اعتبار انه مسار جذاب وتدخل فيه نظم المعلومات الجغرافية التي يمكن ان تكسب الطالب خبرات تساعده على الحصول على عمل بعد التخرج، وكما يقال «لا ورد بدون أشواك» فاكتساب الخبرة والمهارة يتطلب العمل الجاد والمستمر.
وعندما واجه الطلاب في هذا المسار تطبيقات وتمرينات تطلبت منهم العمل المكثف والحضور للقسم باستمرار حتى في أيام الإجازات الأسبوعية، انصرف بعضهم عن هذا المسار في الفصول اللاحقة، بل وتحولت الرغبة العارمة التي لوحظت في الفصل السابق 360ْ في الفصول التالية حيث انخفض الإقبال على هذا المسار إلى أقل من 1%، وهذا أمر مؤسف جدا يعكس الكثير من المضامين التي يُبرزُ ظاهرها عدم الرغبة في العمل الجاد لدى بعض الشباب رغم ظروف التوظيف غير السهلة في وقتنا الحاضر مقارنة بعشر سنوات سابقة، ومن ذلك أيضاً عدم تقدير الجهود المضنية التي بذلت من الأقسام، وأعضاء هيئة التدريس في التضحية بأوقاتهم للعمل حتى في أوقات الإجازات لتدريب الطلاب خدمة للوطن وأبنائه، والتساؤل الذي يبرز هنا ويتطلب الإجابة بإلحاح وهو كيف يمكن لاستراتيجيات السعودة ان تنجح إذا استمر عزوف الشباب عن العمل الجاد والاستفادة من الفرص المهيأة لهم التي يحسدهم عليها الكثيرون.
كل هذا يدعو إلى ضرورة التفكير الجاد في مضامين التدريب الميداني من قبل مؤسسات المجتمع، والأقسام الأكاديمية، والطلاب للخروج بمستويات مرموقة تمثل التخصص والمتخصصين، وهنا أطرح فكرة على الأقسام الأكاديمية بضرورة التفكير بجعل القبول في أقسام الجغرافيا مفتوحاً لطلاب الأقسام العلمية المتخرجين من المدارس الثانوية.. وأدعو القارئ هنا إلى أن يفكر في السبب.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved