Friday 31th May,200210837العددالجمعة 19 ,ربيع الاول 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

التعليم والدعوة التعليم والدعوة
فهد بن عبد الرحمن اليحيى

التعليم والدعوة قرينان، فالتعليم صورة من صور الدعوة، والدعوة من أجلّ مقاصد التعليم.
فإن حمل هذا العلم إلى الناس تعليماً وتفقيهاً هو من صميم الدعوة.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته الناس إلى التوحيد والى شرائع الإسلام يعلمهم ويرشدهم.
لقد كان يدعو قريشا إلى الإسلام ويدعو غيرهم إليه أيضا وكان يغشى أندية الكفار داعياً إلى الله تعالى مبشراً ونذيراً، ولكنه لم يكن يدع تعليم الداخلين في الإسلام فهم بحاجة أيضا إلى معرفة هذا الطريق الذي سلكوه ماذا يجب عليهم فيه، وماذا عليهم أن يجتنبوه.
كان عليه الصلاة والسلام يعقد مجالس التعليم في دار الأرقم بن أبي الأرقم.
وكانت مجالسه التعليمية هي دعوية أيضا إذ كان مع تعليم أصحابه دينهم فقد كان يثبتهم على هذا الطريق، ويعظهم بين الفينة والأخرى، وكان لا يدع فرصة للدعوة إلى الإسلام حتى وهو في مجلس أصحابه التعليمي إلا واهتبلها.
كان يعلّم أصحابه ولا يكتفي بمجرد الموعظة لهم فحسب، ولما جاء وفد عبد قيس فرقهم على بيوت الأنصار ثم سألهم عن ضيافتهم إياهم فقالوا: خير إخوان ألانوا لنا فرشنا وأطابوا مطعمنا وباتوا وأصبحوا يعلمونا كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم قال: فأعجبت النبي صلى الله عليه وسلم وفرح بها، ثم أقبل علينا رجلا رجلا يعرضنا على ما تعلمنا وعُلّمنا فمنا من تعلم التحيات وأم الكتاب والسورة والسورتين والسنّة والسنتين ... الحديث قال المنذري في الترغيب «4/152» وهذا الحديث بطوله رواه أحمد بإسناد صحيح.
وهكذا كان يربي أصحابه حين يسلم الواحد منهم. فقد كان يأمره أن يرجع إلى قومه فيعلمهم. كما في البخاري عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه لما أراد أن يرجع إلى قومه ومعه أصحابه وهم شببة متقاربون قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم «ارجعوا إلى أهليكم فعلموهم ومروهم وصلوا كما رأيتموني أصلي ... الحديث».
وقد بعث معاذاً رضي الله عنه إلى اليمن قاضياً ومعلماً وقبل ذلك كان قد استخلفه على مكة كما عند الحاكم «3/270» . عن عروة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف معاذ بن جبل رضي الله عنه على أهل مكة حين خرج إلى حنين، وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلم الناس القرآن وأن يفقههم في الدين ... الحديث.
فلم يكن مجرد داعية إلى الإسلام دعوة عامة، بل كان مع ذلك معلماً إذ حاجة الناس للتعليم لا تقل عن حاجتهم إلى الدعوة العامة.
وقد كان الصحابة رضي الله عنهم وهو في الجهاد لا يدعون التعلّم والتعليم.
كتب عمر رضي الله عنه إلى أمراء الأجناد تفقّهوا في الدين فإنه لا يعذر أحد باتباع باطل وهو يرى أنه حق، ولا بترك حق وهو يرى أنه باطل «كنز العمال 5/228» وأخرج عبد الرزاق عن حطان بن عبد الله الرقاشي قال: كنا مع أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في جيش على ساحل دجلة، إذ حضرت الصلاة فنادى مناديه للظهر فقام الناس إلى الوضوء فتوضأ، ثم صلى بهم، ثم جلسوا حلقاً فلما حضرت العصر نادى مناديه فهبّ الناس للوضوء أيضا فأمر مناديه ألا وضوء إلا على من أحدث، قال : أوشك العلم أن يذهب ويظهر الجهل حتى يضرب الرجل أمه بالسيف من الجهل. «وانظر شرح معاني الآثار 1/27، حياة الصحابة 1/491».
ومن مظاهر عناية النبي صلى الله عليه وسلم بالتعليم ما رواه الإمام مسلم في صحيحه أن أبي رفاعة رضي الله عنه قال: انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل غريب جاء يسأل عن دينه لا يدري ما دينه؟ قال: فأقبل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك خطبته حتى انتهى إليّ، فأتى بكرسي حسبت قوائمه حديداً، قال: فقعد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يعلمني مما علمه الله ثم أتى خطبته فأتم آخرها.
فانظر هذه العناية العظيمة بالتعليم حتى اضطره ذلك أن يقطع خطبته.
من هذا كله نخلص إلى توصيات مستمدة من هذا النهج النبوي العظيم ومن نهج صحابته الكرام الذين يطول الحديث لو استعرضنا نماذج من نهجهم.
فمن هذه التوصيات للداعية وطالب العلم كما هي توصيات في الدورات العلمية والجولات الدعوية التي تقوم بها الجهات الخيرية المتعددة:
1 ينبغي لطالب العلم أن يكون تعليمه ممتزجاً مع مقاصد الدعوة إلى هذا الدين لا تغيب عنه غاياته في مجالس الطلب ومجالس التعليم.
عليه أن يستغل بعض المواقف في التعليم إنْ في مسجد أو جامعة أو غيرهما في التوجيه والوعظ والتذكير، بل وفي بيان الحق والإرشاد إلى ما يرى في الناس غفلة عنه.
ولقد كان شيخنا ابن باز رحمه الله يذكّرنا أثناء درسه إذا مرّت آية أو مرّ حديث يتطلب الوقوف عنده، وكان أحياناً في درس المغرب بعد أن يتم الدرس ويصلي العشاء والطلبة حاضرون يعظ الطلبة وبقية الناس بموعظة بليغة موجزة ثم ينصرف.
2 على الداعية في دعوته ألا يغفل عن التعليم فعليه مع الدعوة العامة أن يجعل من نشاطه دروساً تعليمية.
هذه الدروس حتى وإن لم يحضرها إلا القليل فإنها من صميم الدعوة لا ينبغي التنازل عنها.
والقلة الذين يتعلمون من خلال الدروس المستمرة حتى وإن كان مستوى الدرس أقل من المتوقع أو كان الدارسون كذلك، غير أنهم «البنية التحتية» كما يقال وثمرة تلك الدروس لا تقل أهمية عن ثمرة الدعوة العامة إن لم تكن هي الأبقى، ولا سيما في مواطن قد لا ينبغي فيها الداعية فلا بد له من غرس نبتة تدوم بعد رحيله.
وإذا كان هذا مطلباً للدعوة، فينبغي أن يكون مطلباً للداعية أيضا في الإعداد الذاتي له.
فالداعية كالسراج إن لم يكن له ما يمده .. ضعُف ضوؤه ثم تلاشى فانطفأ.
فعليه أن يجعل لنفسه إمداداً من العبادة والعلم، وحين يستمسك ولو بدرسٍ واحدٍ مستمر فذلك من أهم مصادر الإمداد والإعداد.
وعوداً على التمثيل بشيخنا ابن باز رحمه الله إذ كان هو من النماذج الفذة في هذا العصر فقد كنت ألحظ منه وهو المثقل بأعباء المسؤولية والدعوة أنه لم يكن يتنازل عن دروسه حتى اليومية منها حتى ولو كان في غير بلده الرياض،
فقد كان في الطائف لا يتوقف عن الدرس المقرر حتى إني لأجده في بعض دروسه وما حوله إلا القلة من الطلبة ومع ذلك لم ينقطع أو يتنازل.
3 وكما قلنا في طالب العلم والداعية فكذلك يحسن التنبيه أيضا في الدورات العلمية والجولات الدعوية.
ففي الدورات العلمية، وحقيق ألا يخلو برنامجها من محاضرات عامة وأن يرتب للمشايخ المشاركين فيها جولات دعوية على هامش دروسهم المنتظمة في الدورة.
وهذا ولله الحمد مراعى في كثير من الدورات التي تقيمها الوزارة أو غيرها ولكن لا مانع من التنبيه.
وكذلك في الجولات الدعوية في الداخل أو الخارج ينبغي أن يكون للتعليم فيها نصيب وإن بقدر يسير أو أن يكون من مقاصدها تأسيس دروس تستمر بعد ذلك.
وعلى كل حال فينبغي أن تكون الموضوعات المطروحة في الجولات الدعوية تراعي مقصد العلم والتعليم ولو في بعضها فيكون فيها الحث على التعلم والتعليم، ويكون منها تعليم التوحيد وما يتعلق به وما يناقضه، وتعليم الصلاة والطهارة، وتعليم ما لا يسع المسلم جهله، ولا ينبغي أن تقتصر على مجرد الموعظة فحسب.
4 لئن كانت هذه الغاية وهي غاية التعلم والتعليم من غايات الدعوة بصفة عامة، فهي أولى بالعناية وأجدر حين تكون الدعوة في بقاع يقل فيها العلم والتعليم من أجل حفر آبار من العلم يقصدها الظمآن، وإجراء أنهار من الفقه يظل زلالها يتدفق، فلا ينقطع الخير بانقطاع صاحبه عن داعية أو طالب علم، بل يبقى من يحمل هذا الخير وينشره.
5 في دعوة غير المسلمين إلى الإسلام في الداخل أو الخارج لا يكتفي من يتولى ذلك من شخص أو جهة بمجرد الدعوة إلى الإسلام دون أن يتضمن برنامجاً لتعليم المسلم الجديد ومتابعته وتفقيهه في دينه.
وإذا لم تكن هناك عناية بالمسلم الجديد فلربما انتكس ورجع القهقرى، ولربما تخطفته أيدي المذاهب الضالة والتيارات المنحرفة والمبتدعة.
على أن هذا المطلب الملحّ لا يعتبر شرطاً للدعوة إلى الإسلام فلا تصح إلا به، بل من دعا شخصاً إلى لا إله إلا الله محمد رسول الله ... فأسلم كان له بذلك أجر عظيم وإن لم يتمكن من المواصلة معه.
يدل لذلك عمومات النصوص الدالة على الدعوة إلى الإسلام إذ ليس فيها اشتراط المتابعة وإن كان ذلك بلا شك أكمل وأجمل وأحرى وأولى.
وهنا يحسن الإشادة بما تقوم به كثير من مكاتب دعوة الجاليات ولله الحمد من إعداد برامج لتعليم المسلم الجديد، بل وجدت في أحد المكاتب التي زرتها مركزاً مخصصاً لمتابعة المسلم الجديد.

محاضر بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميةبالقصيم

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved