* عفيف محمد السويطي:
بدأ الاحتفال باليوم العالمي للامتناع عن التدخين عام 1988م حين اختارت منظمة الصحة العالمية يوم 31 أيار من كل عام للحديث بشكل مكثف عن مضار التدخين وكان من الشعارات التي اختارتها: التبغ والنساء «طفولة وشباب بلا تبغ» التدخين في الأماكن العامة ووسائط النقل الجماعي أمر غير مرغوب فيه «لا للتدخين في أماكن العمل» وسائل الإعلام ضد التبغ.. وغيرها..
الدكتور حسين الجزائري المدير الاقليمي لشرق المتوسط بمنظمة الصحة العالمية يؤكد أن المنظمة إذ تخصص كل عام يوماً «عالمياً» للامتناع عن التدخين، فهي تريد لهذا اليوم أن يكون مناسبة تؤكد الالتزام بالعمل على مكافحة هذه الجائحة التي تهدد الأمة في صحة ابنائهم وحياتهم، وتجدد العزم على ضرورة مضاعفة الجهود في سبيل مكافحة التدخين والحد من بلواه. ويضيف الدكتور الجزائري:
نستطيع أن نبدأ من انفسنا أولاً «فيمتنع كل من ابتلاه الله بهذا الإدمان عن التدخين في منزله كيلا يضر أولاده وزوجته ويمتنع عن التدخين في مكان عمله وفي كل مكان يشترك فيه مع الآخرين ثم يقلل من تدخينه شيئاً «فشيئاً» إن لم يمكنه الإقلاع عن هذه العادة الضارة إقلاعاً «نهائياً».
إن التبغ نوع من السموم والدخان المنبعث من السيجارة هو مزيج تام من مكونات عضوية وغير عضوية قاتلة يولدها احتراق المواد المضافة للتبغ، وقد ثبت أن التبغ بمكوناته القاتلة هذه التي يبلغ عددها أربعة آلاف مادة قادرة على تدمير الجسم البشري.
شهادات من المدخنين
بات مألوفاً «رؤية شباب صغار وحتى أطفال أحياناً» وهم يدخنون، ويلجأ البعض إلى المقاهي لتدخين السجائر وشرب الشيشة والمعسل.. شباب بعمر الورود تأسف حين تراهم ينفثون في السجائر وينفخون الدخان عالياً «في مشهد يتكرر كثيراً».. نقترب منهم لنسمع اجاباتهم على أسئلة طرحناها عليهم لماذا تدخنون، وماذا تستفيدون، ومتى تدخنون وأين الأهل عنكم؟؟
خالد «ثاني ثانوي: تعلمت التدخين منذ كنت في الصف الثالث المتوسط عن طريق الزملاء وبقيت أستلف منهم السجائر واحدة واحدة والآن صرت اشتري الباكيت وأضعه عند زميل لي، ولا استطيع أخذه معي إلى البيت لأن أهلي لا يعرفون أني أدخن.. وفي عائلتي لا أحد يدخن سواي فلو علموا بالأمر سيكون صعباً «عليهم، ومع هذا لا استطيع ترك الدخان رغم أني حاولت كثيراً» التوقف ولكن دون جدوى .. واسأله لماذا لا تتوجه إلى عيادات مكافحة التدخين؟؟ ويجيب لا استطيع لأني لا أرغب أن يعرف أهلي أني أدخن!!
سعد «ثاني ثانوي»: التدخين مصيبة المصائب أوله لهو ولعب وآخره مرارة ومرض.
لقد شاهدت ابناء الحي يدخنون وعرضوا علي ان اجرب سيجارة، ومن ثم بعد ذلك سيجارة وراء سيجارة صرت اشتري الآن الباكيت وأدخنه في يوم واحد، وأنا ما أزال طالباً. وأهلي يعرفون أني أدخن ولكنهم يتجاهلون الأمر ولم يحدثوني عن ضرورة تركه.. فوالدي يدخن وكذلك شقيقي الأكبر.. وأنا أقرأ كثيراً عن مخاطر التدخين وما يسببه من أمراض ومشاكل صحية، ومع هذا لا استطيع التوقف عن التدخين حتى في رمضان بالكاد استطيع إكمال الصوم، وما أن ينطلق أذان المغرب حتى انكب على السجائر كالمفجوع الذي لم يذق الطعام اياماً وليالي..
* محمد «ثالث ثانوي»: نصحني احد الاخوة بشرب الدخان لأنه يساعد على التركيز اثناء الاختبارات وأعطاني سيجارة منه، ثم تعلقت بالدخان حتى صرت مدمناً عليه وادخن في اليوم الواحد أكثر من باكيت، واثناء الاختبارات يرتفع العدد ليصل إلى ثلاثة.. وقد اكتشفت أن التدخين لا أثر له على الدراسة ولا يساعد في التركيز أو زيادة الانتباه بل على العكس يوتر الأعصاب ويجعلني متحفزاً على الدوام واغضب لاتفه سبب وحين اغضب أخرج سيجارة واشعلها بشكل غير شعوري، فالسيجارة باتت تتحكم في كما تتحكم بغيري.. ولا استطيع التخلص منها مهما حاولت.. .. ولا استطيع التخلص منها مهما حاولت..
* أحمد «ثالث ثانوي»: أدعو الله أن يسامح الذي كان السبب في تعلمي التدخين. لقد شجعني على شرب السجائر من مبدأ أنها لا تضر وهي مجرد دخان تنفثه في الهواء فترج فيها عن همومك وتريح أعصابك.. والمشكلة أني صدقت كلامه، ولكن اكتشفت متأخراً خطأ هذه المقولة وساعة لا ينفع الندم.. لقد اصبحت مدخناً رسمياً اشتري الباكيت وأضعه في جيبي ويلازمني في النهار والليل في البيت والشارع والمقهى وأحاول جاهداً التخلص منه، ولذلك راجعت عيادة متخصصة وداومت فترة عليها، ولم أستطع إكمال البرنامج المحدد للعلاج.. أعرف تماماً ما يسببه التدخين من أمراض، ولكن ما العمل؟ الإرادة ضعيفة وعوامل الجذب أقوى والنتيجة موت بطيء اتعرض له وأدفع له المال من جيبي.. أنه خسارة مادية وصحية. وأتساءل هل من علاج سحري للتدخين؟
ثمة إجابات كثيرة حصلت عليها وكلها تركز على نفس النقطة، رغبة في ترك التدخين ومعرفة بأضراره، ولكن الاغراءات أقوى، وبالتالي فالتدخين مستمر ويتزايد في أوساط الصغار والشباب والمشكلة تكبر وتشكل استنزافاً مادياً وبشرياً لا يستهان بهما.
موقف الإسلام من التدخين
جاء في فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء بالمملكة أن «شرب الدخان حرام، والاتجار به حرام، لما فيه من الضرر وقد روي في الحديث «لاضرر ولا ضرار» ولأنه من الخبائث وقد قال تعالى في صفة النبي صلى الله عليه وسلم «ويُحِل َّ لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث» الاعراف 157.
وقال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله إن شرب الدخان محرم وكذلك الشيشة والدليل قوله تعالى {$ّلا تّقًتٍلٍوا أّنفٍسّكٍمً إنَّ پلَّهّ كّانّ بٌكٍمً رّحٌيمْا} [النساء: 29] وثبت في الطب أن تناول هذه الأشياء مضر، وإذا كان مضراً كان حراماً، ومن السنة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال وبذل الأموال في هذه المشروبات «السجائر والشيشة» من إضاعة المال ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا ضرر ولا ضرار)..
4 ملايين يموتون سنوياً
أكدت منظمة الصحة العالمية في تقرير لها أن الإدمان على التدخين ساهم في وفاة أربعة ملايين شخص العام الفائت. واتهم التقرير شركات التبغ بأنها طالما سعت إلى اخفاء المعلومات المتعلقة بالنتائج السلبية للتبغ على الصحة واستخدمت الجاذبية الضخمة لموازنتها المخصصة للإعلانات لمنع المجلات الواسعة الانتشار من نشر مواضيع حول مضار التدخين، وذكر التقرير أنه يوجد أكثر من 170 ألف موضوع علمي منذ عام 1950 تؤكد كلها على دور الاستهلاك المستديم للتبغ في الوفاة المبكرة، وتوقع التقرير أن الإدمان قد يسفر عن وفاة 10 ملايين شخص سنوياً» في العام 2030م.
وأشار التقرير الى أن المبيعات السنوية للسجائر بالمفرق تبلغ 300 مليار دولار سنوياً «وتحقق أرباحاً قدرها 20 مليار دولار سنوياً وتعتبر هذه السوق مثمرة جداً لأن استهلاك السجائر هذا العام سيزداد مرتين عما كان عليه قبل 30 عاماً. ويتم استهلاك ستة آلاف مليار سيجارة سنوياً في العالم، وتبقى الدول النامية هدفاً مثالياً لشركات التبغ إذ حققت هذه الشركات اختراقات كبيرة في أسواق هذه الدول، واستطاعت عبر إعلاناتها المكثفة إغراء أعداد كبيرة من الشباب والنساء لممارسة التدخين..
لماذا تدخن؟؟
يقول الدكتور طلعت الوزنة المتخصص في الأمراض العصبية: حين اخرج من جيبي مبلغاً من المال مهما كان بسيطاً واشعل فيه النار ماذا سيقول من حولي، أعتقد أنهم سيقولون هذا الرجل قد جن وفقد عقله، فما بالك بالمدخن الذي يحرق باستمرار من أمواله.
وياللعجب فإن المدخن عندما يشعل سيجارة فإنه يضعها بين شفتيه ومنها لفمه، ويعتبر هذا المكان أكثر الأماكن حساسية في الجسم وأكثرها نظافة واكثرها تأثراً بالطعم والرائحة، وبعد ان ينتهي منها فإنه يدوسها بحذائه، فهذا يدل على تمام الامتهان، وقد كانت منذ لحظات بين شفتيه فياله من تناقض، ولو تمعن الانسان في ذلك لادرك مافي تصرفه هذا من عجب وتناقض لا يليق بالانسان الذي كرمه الله على كافة المخلوقات وأوجده لأهداف سامية بعيدة كل البعد عن إضاعته الوقت والمال والصحة.
ويشير الدكتور الوزنة أنه هناك عوامل اجتماعية ونفسية لها اثر في الاقبال على التدخين ومنها:
ضعف الاشراف التربوي سواء في البيت أو المدرسة أو أماكن شغل الفراغ أو وسائل الإعلام.
ضعف الرقابة الأسرية والتساهل في التغاضي عن تدخين الابن أو أحد المقيمين في البيت دون تقديم التوعية وتقديم النصح اللازم.
الاقتداء بالآخرين خاصة المثل والقدوة في الوالدين ولا سيما أن كان احدهما يدخن أو كلاهما باعتباره النموذج، فلزم ان يحتذي وانقلب الوضع فبدلاً من اعتبارها من سوء الخصال باتت من محامد الفعال حيث إن التدخين نتاج اجتماعي متعلم.
الاستجابة التلقائية باعتبارها علامة من علامات الدخول في مضمار الرجال، وتمثلها في كيان شخصية الفرد مما يوفر الدافعية للتدخين.
الخطأ في تصنيفها ضمن قيم التطور والتحضر والرقي والمكانة خاصة في اختيار النوع وانتقاء الطريقة واستخدام الاسلوب المؤدي للقيمة التفضيلية للتدخين.
الاستعداد النفسي الموجه لسلوك التدخين باعتباره اداة تفجير الطاقات والقدرات الانسيابية في التفكير والدراسة والتحصيل.
ارتباطها بأسباب الاضطراب النفسي.
وتعلقها بالانفعالات المختلفة مثل الفرح والحزن والخوف والتوتر والغضب والخجل.
عيوب الوسط الاجتماعي مثل اضطراب البيئة الاجتماعية أو اضراب في عملية التطبيع الاجتماعي.
هذا ما يفعله التدخين في الجسم!!
كل الدراسات العلمية والطبية أكدت على ان التدخين يؤدي لأمراض خطيرة تمس كل اجهزة الجسم، ويشير الدكتور أحمد محمد الطحان أن الدراسات الحديثة أثبتت وجود علاقة مباشرة بين التدخين وأمراض القلب وبالتحديد بين التدخين وزيادة الوفيات إلى الضعف، وزيادة ضغط الدم بشكل عام، ويوضح الدكتور الطحان أنه من المدهش وبخاصة للمدخنين أن فلتر السيجارة يزيد من ضررها حيث يساعد الفلتر من خلال تفاعلاته الكيماوية على تكوين مركب كربو كسي هيمو غلوبين الذي يقلل من كمية الاكسجين في عضلات القلب والأوعية الدموية مما يزيد من خطى حدوث الاحتشاء العضلي القلبي عند المدخنين إضافة إلى زيادة ضغط الدم الانقباضي بحوالي 20 ملم زئبق.. كما ارتبط التدخين بتأثيرات ضارة على الفم أهمها جفاف الشفة وتشققاتها إضافة إلى تلك البقع البيضاء التي تظهر بشكل خاص بين الشفة واللثة، ومن المعروف أن دخان التبغ يغير التركيب الكيماوي للعاب، ويزيد من تفاعله القلوي ويضعف المادة الهاضمة للنشويات، ويؤثر التدخين على المريء فيحدث نوبات تشنجية يشعر معها المريض بأعراض الغصة في صدره، كما يؤدي التدخين إلى اعتلال الصمام الفاصل بين المعدة والمريء مما يجعله مرتخياً «فيشعر المريض بالحرقة..
وغير المدخنين أيضاً!!
التدخين السلبي يعني ان تمتد آثار التدخين من الأشخاص المدخنين إلى غير المدخنين وأكدت مديرة برنامج مكافحة التدخين في منظمة الصحة العالمية أن التدخين يسبب 90% من الوفيات بسرطان الرئة و 80% من الوفيات بالالتهابات الرئوية و 25% من الوفيات بأمراض القلب. وتوضح المديرة أن نسبة كبيرة من الوفيات الأخرى بهذه الأمراض تعود إلى التدخين السلبي الذي يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بسرطان الرئة ما بين 30 و 35% وفي الولايات المتحدة وحدها يؤدي التدخين السلبي إلى وفاة ثلاثة آلاف شخص سنوياً بسرطان الرئة، وذكر تقرير علمي بريطاني أن التدخين السلبي يقتل نحو 140 ألف شخص في أوربا سنوياً من خلال امراض القلب والسرطان واشار التقرير الذي نشرته رابطة حقوق غير المدخنين أن التلوث الناجم عن دخان التبغ يمثل أهم عامل تلوث بيئي يعاني منه غير المدخنين وأكبر عامل معروف للتسبب في مرض السرطان في التاريخ ولذلك أوصى التقرير بحظر التدخين كلياً في الأماكن المغلقة حتى لا يتأثر غير المدخنين، كما حث على تغيير التحذير المكتوب على علب السجائر من خطورة التدخين على المدخنين إلى التحذير بشأن كيفية تأثير التدخين على غير المدخنين.ويؤكد الدكتور الطحان أن الأمر يزداد خطورة عندما نعرف أن مخلفات النيكوتين في أجسام زوجات المدخنين تبلغ ثلاثة أضعاف نسبتها عند المتزوجات من غير المدخنين، وأوضح تقرير لوكالة البيئة الأمريكية أن تأثير ذلك يتعدى الزوجات إلى الأطفال مما يفاقم وضع نحو مليون طفل أمريكي يعانون من الربو، وذكر التقرير أن تعرض الأطفال لسجائر أبويهم يؤدي إلى إصابة أكثر من 300 ألف رضيع بالالتهابات الرئوية سنوياً، وذلك في أمريكا فقط..
أرقام وحقائق مخيفة
بينت دراسة صدرت عن مجلس وزراء الصحة لدول مجلس التعاون الخليجي أن المملكة تحتل المرتبة الثالثة والعشرين عالمياً من حيث استهلاك أفرادها للسجائر حيث بلغت التكاليف الاقتصادية خلال عام واحد 636 مليون ريال.
* استوردت دول مجلس التعاون خلال عام 1998م 65 مليار سيجارة بتكلفة تزيد على 1300 مليون دولار.
المراجع
*كتاب عفواً ممنوع التدخين/ طلال سعد العتيبي
* كيف تقلع عن التدخين/ وزارة العمل والشؤون الاجتماعية
* كيف نموت.. دار الاستشارات الطبية والتأهيلية.
|