Friday 31th May,200210837العددالجمعة 19 ,ربيع الاول 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

30/7/1385هـ العدد 72 الموافق 23 نوفمبر 1965م 30/7/1385هـ العدد 72 الموافق 23 نوفمبر 1965م
تحقيقات من خارج الحدود
الرجل الذي قتل 884 ،73 شخصاً يروي بنفسه قصة هذه المأساة!؟

*تحقيق من إعداد: الوكالة الشرقية
منذ ثماني سنين فتح العالم عينيه على فجر عصر الذرة.
ففي ذلك اليوم قضت قنبلة واحدة على مدينة بأكملها، وأوقعت عشرات ألوف الضحايا..
واستمر ظل العملاق الذري يزداد انتشاراً في العالم ويزرع الخوف في قلوب البشر.. وأخيراً، وبعد سنين من المحاولات، بدأ العالم يسير في طريق الحد من هذا الكابوس وربما تبديده..
وبهذه المناسبة يتحدث الطيار الذي ألقى القنبلة الذرية الثانية على مدينة ناغازاكي عن تلك الغارة الجوية التاريخية المريعة..
وفي السادس من آب 1945م ألقت الولايات المتحدة القنبلة الذرية الأولى على مدينة هيروشيما اليابانية، وكان عدد سكان هذه المدينة 969 ،343، وأسفر انفجار القنبلة عن سقوط 100 ،37 جريح و083 ،13 مفقوداً.
وانتظرت الولايات المتحدة ثلاثة أيام أملاً بأن تستجيب اليابان لانذارها وتستسلم، ولكن مهلة الانذار مرت دون ان يعلن اليابانيون استسلامهم.
وفي التاسع من آب من العام ذاته أرسلت أمريكا قنبلتها الذرية الثانية نحو اليابان، ولعبت الأحوال الجوية دوراً حاسماً في هذه العملية فأنقذت المدينة المقرر تدميرها، وحملت الدمار إلى المدينة البديلة «ناغازاكي».
كان عدد سكان ناغازاكي يبلغ 630 ،252 نسمة، وقد قتل منهم 884 ،073، وأعلنت اليابان استسلامها في 14 آب، وتم توقيع الاستسلام رسمياً في 2 ايلول 1945م وانتهت الحرب، واطلع العالم على مدى الدمار وهول المجزرة التي خلفتها القنبلتان.. ونشأت أزمة ضمير لدى البشر.. فاعتبر ضرب اليابان والقنبلتين عملاً وحشياً، بينما برر البعض الآخر هذه العملية بأنها اختصرت الحرب، ووفرت على البشرية آلاماً ومآسي وخسائر كانت ستتجاوز بكثير الآلام والمآسي والخسائر التي أصيبت بها المدينتان المنكوبتان.
ومع مرور السنين أخذ الناس ينسون الرجال الذين ألقوا القنبلتين الذريتين على اليابان، وقد ساعد هؤلاء الرجال على جعل الناس ينسونهم بالتزامهم الصمت ورفضهم التحدث عن عملهم.
وكان بين هؤلاء الميجر «تشارلز سويني» الذي قاد الغارة على ناغازاكي.. لقد عاد «سويني» بعد الحرب إلى الحياة المدنية وإلى مهنته القديمة «الدباغة»، ولكن ظل موضوعاً تحت تصرف سلاح الطيران الأمريكي، عندما نشبت أزمة برلين منذ حوالي عامين استدعاه الرئيس كنيدي إلى الخدمة وأسند إليه قيادة قاعدة «فالسبرغ» الأمريكية في مقاطعة «الموزيل» في فرنسا.
كان «سويني» في الخامسة والعشرين من العمر يحمل رتبة ميجر عندما ضرب ناجازاكي بالقنبلة الذرية وكان يقود تشكيلة طائرات تابعة لقائد السرب الكولونيل «تيبس».
وقد سئل في الحديث الذي أدلى به أخيراً:
* لماذا اختاروك ولم يختاروا أحداً سواك؟
وأجاب سويني: «لا شك بأنهم اختاروني بسبب هدوئي، لقد تطوعت سنة 1941 في سلاح الطيران وكنت أحد أفراد السرب الذي عهد إليه بالقيام بهذه المهمة، وجرى تدريبنا تدريباً شاقاً في الولايات المتحدة، وتقرر ان يلقي تيبس القنبلة الأولى وان ألقي أنا القنبلة الثانية».
* وهل شرحوا لكم مهمتكم ونتائجها؟
«كنا نعرف، منذ عشرة شهور، اننا سنقوم بمهمة خاصة جداً نستخدم فيها سلاحاً جديداً».
* وهل فكرت لو ثانية واحدة بأن ترفض المهمة؟
وأجاب بدون تردد: «أبداً».
وتحدث «سويني» بعد ذلك عن مراحل مهمته فقال:
«واجهنا خلال الرحلة مصاعب فنية كثيرة، وكانت السماء غائمة فوق مدينة كوكوزا، التي اختيرت لتكون الهدف الثاني للقنبلة الذرية بعد هيروشيما.. وقد اضطرني ذلك إلى الاتجاه نحو الهدف البديل، وهو مدينة ناغازاكي، وكنت أقود بنفسي الطائرة «ب-29» التي تحمل القنبلة، وكانت ترافقنا طائرتان أخريان، من الطراز ذاته، ولم نكن قد اتخذنا أي تدابير لتأمين حماية جوية لنا..
ولم يكن «بيهان» قد شاهد سوى نقطة في الأفق ومداخن مصنع للفولاذ وخوضاً بحريا وكانت الساعة آنذاك الثانية عشرة ودقيقة واحدة ظهراً.
وكانت الطائرة تحلق على ارتفاع «عشرة آلاف متر».. وبين الصمت التام اشعل بيهان المفجر، وألقينا القنبلة التي كانت تدعى «فات بوي» أي الولد البدين.. وكانت أمامنا انثتان وخمسون ثانية للاختفاء أو الموت..
وسئل سويني:
* بماذا تفكر في اللحظة التي ألقيت فيها القنبلة!
فقال: كانت لدي فكرة واحدة إعادة رجالي سالمين إلى القاعدة.
* ولكن ماذا كان شعور سويني عندما عاد إلى القاعدة؟ هل كان فخوراً بنفسه وببلاده أم كان خجلاً من نفسه؟
كنت مسروراً لنجاحي.. وكنت اعتقد بأنني قد أسهمت كثيراً بهذه العملية المهمة في اختصار مأساة الحرب..
تذكروا حالة العالم سنة 1945م، كان الملايين من الناس يتمنون من أعماق قلوبهم انتهاء الكابوس؟ أجل، كنت فخوراً ببلادي.
* وماذا فعل سويني في الأيام التالية؟ هل كان يفكر بغارته التاريخية؟
عدت إلى قاعدة تينيان في الساعة الحادية عشرة من ليل 9 آب وكان قد غادرناها في الساعة الثالثة صباحا.
وفي طريق العودة نفذ الوقود بسبب عطل في الخزانات، واضطررت للهبوط في اوكيناوا، كما هي العادة بعد كل مهمة، قدمت تقريراً عن الرحلة، واخبرني رؤسائي بأن روسيا أعلنت الحرب على اليابان في اليوم ذاته.
* هل رأيت أحلاماً مزعجة منذ الغارة على ناغازاكي؟
انني لا أحلم أبداً.
وتحدث عن تأثير تلك الحادثة على حياته العائلة فقال: «كنت متزوجاً منذ عامين، ولم تكن «دوروثي» موجودة في تينيان طبعاً، وقد قرأت الصحف وأذهلها عدد الضحايا الضخم.. الاولاد في المدرسة عندما يجدون اسمي في كتاب التاريخ مرفقاً بلقب «طيار ناغازاكي» يسألونني كيف حدث ذلك فأروي لهم قصة الغازة..
ويهز سويني رأسه ويتحدث عن موقف الناس منه: بعد النصر فوراً الناس يتوسلون إلي ان أوقع لهم على صورتي..
* هل كانت القنبلة ثقيلة الوزن؟
كان وزن «فات بوي» خمسة أطنان، ولكن لم يكن يحق لي إعلان ذلك إلا بعد سنة 1950م إن ذلك كان سراً عسكرياً.
ويسألونني أيضاً: هل شعرت بالانفجار فأجيبهم اني رأيت بريقاً يعمي الأبصار ثم الغيمة الضخمة ترتفع.
وسئل سويني هل قتلت خلال الحرب عدوا كنت تراه؟
وأجاب: لا أعرف، كنت أحارب دائماً في الجو، ولم تتح لي الفرصة لإطلاق النار على عدو، كما هي الحال في سلاح المشاة، ولو اسقطني اليابانيون لأسروني وعذبوني ولم أكن أحمل سوى مسدس.
* هل عدت إلى ناغازاكي؟
أجل في 18 آب 1945 بعد استسلام اليابان، كنا 25 شخصاً بيننا عشرة علماء ذهبنا للتحقيق في مدى الدمار، «ولقد ذهلت لما رأيت» واخذت أتخيل الحرب المقبلة.
وبالنسبة للأوضاع آنذاك اعتقد بأن «ترومان» الرئيس الأمريكي كان مصيباً في اصدار الأمر باستخدام القنبلة الذرية.
وإذا سأله أحد، هل ينتابه شعور بالذنب؟
إنه يقول: «في لحظة النصر كان الجميع في أمريكا سعداء لأن الحرب انتهت».
وبعد مدة أخذ البعض يوجهون التهم لي..
وقد سألتهم بدوري هل اشتركوا في القتال؟ فكانوا يجيبونني بالنفي.. انهم لا يستطيعون فهم الواقع.
وأخيراً.. السؤال الهام:
هل سويني مستعد للقيام مجدداً بمهمة مماثلة؟
وقال دون تردد: بصفتي رجلاً عسكرياً عليّ ان أطيع الأوامر.. إن الجندي لا يختار مهمته.. ولم اختر بنفسي مهمة ناغازاكي.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved