Monday 3rd June,200210840العددالأثنين 22 ,ربيع الاول 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

أسبغ الله عليك شآبيب الرحمة يا أبا عبدالله أسبغ الله عليك شآبيب الرحمة يا أبا عبدالله

في هذه الأيام افتقدنا رجلاً كريماً، وشيخاً جليلاً، ذلكم هو الشيخ: محمد بن عبدالرحمن العساكر، الذي انتقل إلى الدار الآخرة في يوم الخميس: الثامن عشر من شهر ربيع الأول لعام 1423 من الهجرة النبوية.
(155) پَّذٌينّ إذّا أّّصّابّتًهٍم مٍَصٌيبّةِ قّالٍوا إنَّا لٌلَّهٌ وّإنَّا إلّيًهٌ رّاجٌعٍونّ (156) أٍوًلّئٌكّ عّلّيًهٌمً صّلّوّاتِ مٌَن رَّبٌَهٌمً وّرّحًمّةِ ,ّأٍوًلّئٌكّ هٍمٍ پًمٍهًتّدٍونّ}.
قال القرطبي - رحمه الله تعالى - في تفسير قوله تعالى: {,ّبّشٌَرٌ پصَّابٌرٌينّ} أي بالثواب على الصبر، والثواب غير مقدر، لكن لايكون ذلك إلا بالصبر عند الصدمة الأولى، ثم قال: والمصيبة: كل مايؤذي المؤمن ويصيبه، والمصيبة: واحدة المصائب، والمصيبة: النكبة ينكبها الإنسان وإن صغرت، ومن أعظم المصائب المصيبة في الدين، ذكر أبو عمر ابن عبدالبر عن الفريابي حديث عطاء بن أبي رباح قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصابه بي، فإنها من أعظم المصائب» أخرجه السمرقندي أبو محمد في مسنده، قال أبو عمر: وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأن المصيبة به أعظم من كل مصيبة يصاب بها المسلم بعده إلى يوم القيامة، انقطع الوحي وماتت النبوة.
ولقد أحسن أبو العتاهية حيث يقول:


اصبر لكل مصيبة وتجلد
واعلم بأن المرء غير مخلد
أوما ترى ان المصائب جمة
وترى المنية للعباد بمرصد
من لم يصب ممن ترى بمصيبة
هذا سبيل لست فيه بأوحد
فإذا ذكرت محمداً ومصابه
فاذكر مصابك بالنبي محمد

وقوله تعالى: {قّالٍوا إنَّا لٌلَّهٌ وّإنَّا إلّيًهٌ رّاجٌعٍونّ } قال القرطبي: جعل الله تعالى هذه الكلمات ملجأ لذوي المصائب، وعصمة للممتحنين؛ لما جمعت من المعاني المباركة.
روى مسلم عن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مامن مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله عز وجل {إنَّا لٌلَّهٌ ةّإنَّا إلّيًهٌ رّاجٌعٍونّ} اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها، إلا أخلف الله له خيراً منها» فهذا تنبيه على قوله تعالى: {ةّبّشٌَرٌ پصَّابٌرٌينّ} إما بالخلف كما أخلف الله لأم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه تزوجها بعد موت زوجها أبي سلمة، وإما بالثواب الجزيل، كما في حديث أبي موسى: (ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد) وقد يكون الخلف بهما جميعاً.
وقد كانت وفاة الفقيد -رحمه الله - على اثر حادث مروري في مدينة أبها، ثم نقل جثمانه إلى مدينة الرياض، حيث صلي عليه صلاة الجنازة - بعد صلاة الجمعة - في جامع الأمير عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن (جامع عتيقة)، ودفن في مقبرة العود، وحضر الصلاة عليه ودفنه جمع كبير من العلماء والدعاة وطلاب العلم، وعدد من الأعيان، وجمع من محبيه وأقاربه، وارتسمت على وجوههم علامات الحزن، وسالت الدموع على خدودهم، وسألوا الله للفقيد المغفرة والرحمة، ولجميع موتى المسلمين.
وقد شهد قصره الكائن في حي الهدا شرق الديوان الملكي بمدينة الرياض أعداداً كبيرة من المعزين بوفاة الفقيد حيث توافد على قصره عدد من أصحاب السمو الملكي الأمراء والفضيلة العلماء وجمع كبير من أقاربه ومحبيه ومعارفه لتقديم العزاء لاخوانه وأبنائه، والكل لايعرف من المعزّى لتأثرهم بفقده، ولما عرف عن الفقيد من المروءة والشهامة والنجدة وبذل الخير وصنع المعروف، حيث إن المذكور يعتبر من رجال الأعمال المعروفين، ومن أعيان مدينة الرياض، وله أيادٍ بيضاء في إطعام الجائعين وكسوة العارين وإيواء المحتاجين، حيث انه بذل ماله لدعم المسلمين سرّاً في كل مكان، حيث كان من كبار الداعمين للمجاهدين في سبيل الله في كل مكان بالمال، وله الكثير والكثير من أعمال الخير التي كان يخفيها عن الناس؛ طلباً للثواب والأجر عند الله عز وجل، وكان له تبرعات سخية في إعداد الدعاة ونشر الدعوة الإسلامية في الداخل والخارج ودعم الإسلام والمسلمين، وكان مجلسه معموراً بالدعاة وطلاب العلم، وكان رحمه الله منذ عدة سنوات يصوم شهر رمضان المبارك في الحرم المكي الشريف، ويجتمع لديه وفي مجلسه عدد من الدعاة وطلاب العلم من الداخل والخارج، ويجرون المناقشات العلمية في مجال الدعوة والإغاثة، ويفطرون عنده، ويقضي حاجاتهم العامة والخاصة.
وكان يبذل جهده وماله ووقته في التوجيه والإرشاد فيما ينفع الإسلام والمسلمين، وكان يدعم عدداً من الجمعيات الخيرية في الداخل، والمراكز الإسلامية في الخارج، وهو عضو في عدد من هذه الجمعيات الخيرية، ومنها مجمع الأمير سلمان الخيري للإسكان الذي بنى عدداً من وحدات الإسكان الخيري للمستحقين.
وكان -أي الفقيد - يبذل ماله في الدعوة إلى الله بطبع الكتب والرسائل الدعوية، ونشرها على نفقته الخاصة، ورجل هذا حاله يذكرنا بقول الإمام أحمد: بيننا وبينكم الجنائز. نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحداً واستمر على ذلك حتى وافاه الأجل المحتوم وانتقل إلى جوار ربه.
والفقيد -رحمه الله - كان باراً بوالديه، وقد نشأ وتربى تربية إسلامية في بيته ومجتمعه، وكان معروفاً بالمحافظة على صلة الأرحام وزيارتهم، وإدخال السرور عليهم، وانعكست هذه التربية الصالحة على سلوكه حيث كان رجلاً صالحاً، محباً للخير وأهله، عطوفاً على الفقراء، مساعداً للمحتاجين، وكان مخلصاً لدينه وأمته، وكان يقوم بواجبه نحو أسرته، فيذهب معهم إذا أرادوا سياحة داخلية محافظة عليهم وبراً بهم وشفقة عليهم، وقد ترك ذرية صالحة - نحسبهم كذلك - يدعون له، يتصدقون عنه، ويقومون عنه بالأعمال المشروعة.
وقد ترك من الأولاد عدداً من الذكور والإناث فالذكور: عبدالله، وعبدالحكيم، والشيخ عبدالرحمن، والشيخ فهد، وأحمد، وعبدالإله، ويزيد، وعبدالعزيز، نأمل فيهم خيراً، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: «صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له».
وللفقيد مرائي مبشرات بالخير وهذا سرّ محبيه، وله أعمال جليلة من أعمال الخير والبر التي بذلها فنسأل الله ان يمن عليه بقبولها ومضاعفة ثوابها.
ونحن لم نذكر سيرة هذا الرجل نقصد بذلك مدحاً ورياء وشهرة، إنما ذكرنا ذلك من باب الفرح بفضل الله والاستبشار بذلك، ولكي يقتدي به الآخرون، ولاسيما أهل الثراء والغنى الذين شاهدوه حياً وعرفوا أعماله، ثم انتقل من بين أيديهم إلى الدار الآخرة، نسأل الله ان يتقبله في عليين، ويرفع درجته في الصالحين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سعد بن عبدالعزيز آل فريان
المحكمة المستعجلة بالرياض
وعضو الدعوة والإرشاد

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved