|
|
الأمثال التي نتداولها ويضربها الناس في وقتنا الحاضر كلها أمثال قديمة منذ عهود الأولين، ولم أسمع رغم اطلاعي واهتمامي ب«مَثَل» من تأليف جديد أو من عهد غير بعيد.. والسؤال: لماذا؟ هل كانت الأجيال السابقة أغزر ثقافة وأكثر اهتماماً بقيم الحياة ومقوماتها من الأجيال اللاحقة؟!! في القديم تجد بضع كلمات متراصة تكوّن جملة مفيدة.. فإذا كانت هذه الجملة ذات دلالة اجتماعية معينة، أو تجسّد موقفاً لحالة خاصة، فإنها تذهب «مثلاً» يتداوله الناس، فيرسخ في الأذهان وينتشر في البلدان انتشار الشائعة بين النسوان. وأنطلق من السؤال أعلاه إلى سؤال آخر: لماذا لا يحاول أدباؤنا ومفكرونا تأليف أمثال على غرار ما نحفظه، وشبيهة بما نتداوله ونضربه فيما بيننا من الأمثال القديمة؟ ربما ينبري أحدكم مستغرباً هذا الطلب بقوله: وهل كانت الأمثال تؤلف من أدباء أو علماء؟! إن الأمثال القديمة التي نحفظها ونتداولها ونضربها فيما بيننا إلى الآن وإلى يوم يبعثون لم يؤلفها أدباء ولا مثقفون، بل صنعها جاهلون أميون، كانوا بالسليقة يتعاملون وعلى البساطة يعيشون. ولم تكن الكلمات حين تخرج من فم أحدهم تسمى «مثلاً»، بل تكون كلمات عادية، فإذا أحس الناس بقوة تأثيرها، وقدرتها على تجسيد الموقف، حفظوها، ومن ثم تذهب «مثلاً» يضربونه عند كل موقف مشابه. بمعنى أوضح أن تلك الكلمات تأتي على لسان صاحبها بطريقة عفوية، ولم يكن يقصد بها أن يذهبها «مثلاً»، لأنه لو فعل ذلك أو كان قصده لما استجاب إليه أحد، ولنسي الناس تلك الكلمات بعد سويعات. ان كل «مثل» لابد له من أن يحكي قصة أو نادرة، وهذا ما نفتقده في وقتناالحاضر. فأين زماننا من حكايات زمان مثل «وافق شنٌّ طبقة» و«عاد بخفي حنين» و«الصيف ضيعت اللبن». حياتنا اختلفت ومجتمعاتنا تغيّرت، وإذا بحثنا فإننا لانعثر بين أسمائنا على «شن» واحد.. ولا «طبقة» واحدة.. ولا نجد في محلات بيع الأحذية بائعاً اسمه «حنين»، حتى كلمة «خف» اختفت من قاموسنا وإن وجدتها فهي غريبة لا يعرفها إلا بعض تلاميذ المدارس في آخر درس المطالعة حين يحفظون معاني الكلمات أو في المسح على الخفين في درس الفقه، أما اللبن فالله وحده أعلم بحاله، خاصة حين تدخل في صناعته مشتقات «النيتروفيوران» المسببة للعقم والسرطان.. إن اللبن لم يضع في الصيف فقط، بل ضاع في كل فصول السنة ومعه كل مشتقاته ومنتجاته وعلى رأسها المهلبية والآيسكريم، وللتأكد اسألوا مصانع الألبان. وأعود إلى اختراع الأمثال أو استنباطها فالأولون حتى العوام منهم ورثوا لنا الكثير من الأمثال العامية أو الشعبية والتي لا تستطيع أجيالنا الحاضرة المتحضّرة أن تصنع واحداً منها. هل تذكرون «ما انشقت بس تخر» و«يا بدو هاكم تمركم» و«قال صفوا صفين قلنا حنا اثنين» و«وش هالطويرات بداركم» وهذا المثل له حكاية طريفة خلاصتها ان أحدهم سافر ولم يمكث في سفره سوى أيام قليلة ولما عاد سأل أمه ما هذه الطيور التي في حوش الدار وهو يقصد الدجاج. أما المثل الشهير: «عنز الشعيب ما تحب إلا التيس الغريب» فهو قاسم مشترك بين الشعوب العربية.أطلقته راعية غنم ذات يوم في أحد «الشعبان» |
![]()
[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة] |