Saturday 8th June,200210845العددالسبت 27 ,ربيع الاول 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

في كل عدد حرف في كل عدد حرف
د. محمد شوقي مكي
(ص) صدام الحضارات:

أفرزت الأوضاع العالمية المعاصرة لنا على السطح مفردات لم يكن يهتم بها المثقف العربي حتى وقت قريب. ومن هذه المفردات «صدام الحضارات» أو «صراع الحضارات». وهناك من يلطف المفردة ويحورها إلى حوار الحضارات. وقد اهتمت الجامعة العربية بهذه المفردة والمفاهيم والمواقف التي تقف وراءها، ووصلت قمة هذا الاهتمام إلى عقد مؤتمر: «حوار الحضارات (تواصل لا صراع)» في مقر الجامعة العربية بالقاهرة في شهر نوفمبر من عام 2001م. وقد استقطب هذا المؤتمر المفكرين والمثقفين العرب في عدة حلقات ومناقشات هدفها إثبات موقف موحد يلمع صورة العرب والمسلمين في الإعلام الغربي مع التأكيد على مناهضة هذا المؤتمر وقمة قياديي الفكر والسياسة المجتمعين فيه لفكرة الإرهاب والدعوة إلى الحوار الهادئ مع الغرب والمفكرين والسياسيين فيه. وساهم في هذا الاهتمام الحديث تكالب القنوات الفضائية على عقد الحوارات الساخنة والهادئة حول فكرة صدام أو حوار الحضارات ودعوة المحاورين لوسائل الإعلام المتعددة بضرورة تنظيم حملات إعلامية موجهة للغرب لتوضيح صورة الإنسان العربي المسلم ومواقفه التي يحض عليها الإسلام، والتي تمنعه إلا من الوقوف ضد الإرهاب. والسؤال المطروح هنا: لماذا هذا التكالب وفي هذا الوقت بالذات للعزف على وتر حساس قد يؤجج الحقد والكراهية، وخاصة في الحوارات الساخنة، ضد العرب والمسلمين أكثر مما يحقق هدف تحسين صورتهم لدى الغرب؟ قال تعالى: {ولّن تّرًضّى" عّنكّ اليّهٍودٍ ولا النَّصّارّى" حّتَّى" تّتَّبٌعّ مٌلَّتّهٍمً قٍلً إنَّ هٍدّى اللَّهٌ هٍوّ الهٍدّى" ولّئٌنٌ اتَّبّعًتّ أّهًوّاءّهٍم بّعًدّ الذٌي جّاءّكّ مٌنّ العٌلًمٌ مّا لّكّ مٌنّ اللَّهٌ مٌن ولٌيَُ ولا نّصٌيرُ} (سورة البقرة، آية120) إذن فالغرب (من يهود ونصارى) لن يرضى عن المسلمين مهما فعلوا من تقرب وتزلف للغرب لأنهم يسيرون وفق مخطط أيديولوجي قد يكون ظاهره غير ما يبطن. هذا المخطط يستغل كل الفرص في مجريات الأحداث العالمية لتحقيق أغراض الغرب المعلنة وغير المعلنة، وهذه الأيديولوجية ليست حضارية وإنما يقودها حقد دفين تسيره انحرافات تزعم أنها دينية وهي حقاً ماسونية عنصرية. وإلا هل يقر عاقل ان تُجْمَع وتُجَيش أقوى وأكبر جيوش العالم وتستخدِم أعتى الأسلحة الفتاكة وبعضها محرم دوليا، ضد دولة أقل من نامية تفتقر لكل عناصر الحياة الحديثة إلا من موقف آمنت به وارتضته لنفسها، وكل ذلك بحجة مقاومة الإرهاب الذي كان يمكن مقاومته بأساليب أخرى أكثر إنسانية وأقل إجراماً ؟. ان صورة العربي المسلم لن تتغير إلا بأفعاله وسلوكياته المنضبطة التي تخضع لأسس الشريعة الإسلامية التي لا تتدخل في شؤون الآخرين لا بالإرهاب ولا بالضغط السياسي، وهذا هو الأمر الوحيد الذي يميز أمة الإسلام عن غيرها من الأمم. وتطبيق هذه الأسس المتعددة والتي منها العدل والتعاون والمحبة وتجنب المحرمات المنصوص عليها في القرآن والسنة المطهرة لا يحتاج إلى اجتهادات تبيح بعضها أو ما يتعارض معها حسب الزمان والمكان. إن تطبيق بعض المجتمعات لهذه الأسس كثيراً ما جذبت أفواج المغيّرين لدياناتهم إلى الإسلام وهذا حتماً ما يقلق الحاقدين والمخططين في الخفاء لمحاولة ضرب وإيقاف هذا التدفق لاعتناق الإسلام في أفريقيا وآسيا بل وفي عقر ديار الغرب في أوروبا وأمريكا. وهذا يعني ان المنظمات والجماعات والأفراد في ديار العرب والمسلمين لابد وأن تعمل على تقوية جبهتها الداخلية أولاً بالتمسك بما جاء من عند الله بتطبيق شريعة الإسلام التي بها وصل العرب إلى المجد في الماضي وبها أيضاً يمكن ان يصلوا مستقبلاً إلى المجد والتقدير من شعوب العالم، ولا بديل لذلك. ولهذا فإنني لا أعتقد ان هناك جدوى من صرف الوقت وجمع الأموال وصرفها على حوار الغرب، وإنما العمل على إصلاح أنفسنا، وتعزيز ذلك بالتسلح بالعلم والتقنية الحديثة واستخدام إمكانياتنا في بث قيمنا ومثلنا وعقيدتنا ومعرفتنا للعالم باللغات الحية التي يتحدث بها العالم. وبذلك سيجبر القريب والغريب على احترامنا وفهم قضايانا.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved