Monday 10th June,200210847العددالأثنين 29 ,ربيع الاول 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

نهارات أخرى نهارات أخرى
إمبراطورية غزلكو (1 ـ 2)
فاطمة العتيبي

لم يتوقع امرؤ القيس حين تغزل بمحبوبته (فاطمة) أن تجتاح أحفاده حمى ملتهبة هي (الغزل).
ولم يتوقع وهو الشاعر الجاهلي الذي طفحت قصيدته بالممنوع أن يتجاوز أحفاده الكلام النظري في الغزل إلى حيث التطبيق المتبجج في كل شيء وأي شيء.
لقد توسعت (الشركة الغزلية) التي أسسها شاعرنا وتحول الإرث اللفظي الذي تركه إلى إرث باهظ تنوء بحمله الظهور والبطون والأكتاف.
وتفرعت من الشركة (الأم) شركات جديدة متحررة.. مفتوحة لا تعترف إلا بالدولار والأرصدة التي تتفحم وتدوس على ما سواها وتتركه معفراً بالرمل والطين يبكي ببؤس الماضي والحاضر والمستقبل.
** قادتني (مباريات كأس العالم) إلى أن أجلس طويلاً أمام التلفاز وأن اقرأ الصحف بشكل أكثر وأن أتابع مواقع إنترنت بشكل أكبر.. وفوجئت بأن الحياة استحالت إلى علاقة ساخنة بين امرأة ورجل..
كل شيء يقود إلى هذا.. وكل شيء ينبىء عن ذلك.. وكل شيء وأي شيء ينبني وينهدم ويمسي ويصبح على تلك العلاقة..
وكل ما عداها ليس موجوداً..
لا ثمة علاقات بين البشر غير هذه العلاقة وليس هناك تماس بين البشر أو تواصل أو تقارب أو تجاوب إلا عبر هذه البوابة أو من أجلها..
فالشبان يلتقون ليصطادوا فتيات..
والفتيات يتصادقن ليسقطن شاباً في حبائلهن..
والمرأة تجمِّل بشرتها لتلتقي برجل..
والرجل يضع عطراً ليلتقي بامرأة..
وهذه تطهو لتصل إلى قلبه..
وتلك تضع عدسات لكي ترى المار حولها بعمق..
و... و...
وشركات صوتية تبيع الغزل وتسهِّل مهمة الراغبين به والراغبات..
قصائد ساخنة بالحب والوله يتهاداها شبان وشابات لا يعرفون بعضهم بعضا إلا من خلال لقاء عابر في سوق أو اتصال هاتفي جاء صدفة أو مخطط له.. وليس ثمة علاقة (شرعية) بينهما..
** محلات تفتح صفحات طوالاً لتبادل أبيات الحب الجميلة بين فلان وفلانة..
فلانة تهدي فلاناً قصيدة الشاعر الفلاني.. وفلان يهدي فلانة مقطعاً من قصيدة الشاعرة الفلانية..
كل شيء.. فاضح.. وكل شيء واضح ومكشوف (وعلى عينك يا تاجر).
وعلى عينك يا امرأ القيس!!
هذه المجاهرة التي اجتاحت كل شيء.. فاستحالت إلى أشبه ما تكون بفضيحة مدوِّية..
متناقضة..
متفاوتة..
إننا فعلا نعايش في الإعلام والمجلات والجوالات غزلاً فاضحاً..
أصبحنا نخجل منه.. ولا ندري كيف نبرره للأطفال والمراهقين.
لماذا كل هذا..
وإلى ماذا يقودنا هذا الكابوس (الغزلي) الغريب وما الحل في إمبراطورية تجارية تحاول أن تنهش في لحم أخلاقنا وتطرحنا عراة في طين وتراب لا نلوي على شيء إلا أن نبحث عنها من جديد..
كيف تعلن إفلاسها هذه الإمبراطورية ونحن ممولوها ونحن مستهلكوها..
أسئلة حارقة.. من يملك لها إجابة؟؟

«يتبع»
فاكس: 4650827

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved