Friday 14th June,200210851العددالجمعة 3 ,ربيع الآخر 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

الحرمان والغفران الحرمان والغفران
أميمة عبدالعزيز زاهد

قالت وأنفاسها تئن: شخص واحد لم أستمتع بحنانه ولم أتذوق عطفه ولم أره سوى مرات لا تسمح لي بتذكر ملامحه.. هذا الإنسان بكل أسف هو أبي فهو لم يسأل عني يوما من الأيام ولم يهتم برؤيتي بل هو من كان يرفض أن يراني أو حتى يسمع صوتي عندما كنت ألح على أمي وأنا طفلة صغيرة ولم يراع حاجتي إلى حنانه والشعور بالأمان تحت جناحيه وحرمني من أجمل لفظ تردده شفتاي .. أليس من حقي بعد أن أصبحت شابة أن تنفجر انفعالاتي تجاه من جرح مشاعري فالأيام لم تتمكن من أن تنسيني النقص الذي عشت به وما زال يغلّفني كلما كنت أرى الاهتمام في عيون كل الآباء من حولي واللهفة في عيون أطفالهم وأقول لنفسي أين أبي ليعلّمني ويجنّبني أي سوء ويحميني من غدر الأيام.. كان يجب أن يكون هو سندي وعزوتي وفخري واعتزازي .. ولم أتمكن من أن أسامح له إهماله ورفضه لكياني ولاحتضاني طوال الأعوام الماضية.. لم أغفل له افتعاله المشاكل رغم أنه بعيد عني.. لم أغفر له حرماني من أن أحيا حياة طبيعية وهو يعيش في نفس محيطي ويتنفس من نفس هوائي.
لقد مرت بي السنوات وأنا يتيمة بالرغم من وجوده على قيد الحياة ووصلت إلى مرحلة لم أجد في نفسي الرغبة في تذكره أو حتى معرفة أخباره وتناسيت أن لي أباً.
لماذا الآن بعد ما وهنت صحته وضعفت قوته يريد أن يراني وكأنها دعوة مجددة للأحزان والأشجان واستفزاز لذكريات لا أرغب في تذكرها فبعد ما تخلى عني وهو في عنفوانه وعز قوّته يحتاجني.. لماذا الآن وهو في ضعفه وبعد ما حرمني من حنانه في طفولتي ومراهقتي يحتاج لحناني في شبابي .. تُرى هل نسي أنه تجاهلني عندما كنت في أمس الحاجة للمسة من يديه وهمسة من شفتيه وضمة من ذراعيه.
إن نفسي ما زالت تمضغ المرارة فهو لم يمنحني عطفه فكيف أمنحه بري .. لم أشعر بأبوته فكيف أشعره ببنوتي.. هل عليّ أن أعامله بالمثل أو أمتثل لأمر ربي وألبي دعوته فأنا لا أرجو بزيارتي له سوى رضا خالقي وأن أعفي نفسي من صفة العقوق حتى لو كان العقوق لأب لم أر منه أي حق من حقوقي وفي النهاية عزمت وتوكلت على الله وذهبت إليه وأنا أقدم خطوة وأتراجع خطوات وأتخيل كيف يا ترى ملامحه وكيف يا ترى سيكون شعوري نحوه ووقفت فوق رأسه صامتة ساكنة ترتعد كل ذرة في كياني وبادرني قائلا: لا أريدك أن تقومي بدور المحقّقة معي ولا أن تحاكميني عن الماضي ولا أن تصدري عليّ الأحكام القاسية التي استحقها لأنك لن تقبلي تبريراتي.. إني أريدك فقط أن تقبلي اعتذاري وتصفحي عني ولا تحرميني ذلك في آخر أيام حياتي.
لحظتها ترقرق دمعي وارتجفت جوارحي وحنّت أحاسيسي وازدادت دقات قلبي وشعرت بمدى ضعفي أمامه وهمست لنفسي.. صحيح أن أبي قد ظلمني لسنوات طويلة بغير أسباب قهرية وسأصفح عما فعل في لحظات ضعفه تقرباً إلى مرضاة الله ومن ثم لشدة احتياجي له.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved