* موسكو - خدمة الجزيرة الصحفية:
في هذه الحلقة الثانية والأخيرة نواصل مسلسل اللوبي الصهيوني في الإعلام الروسي ورصد مجموعة من الحقائق والسياسات الروسية الخارجية:
علاقة بوتين باللوبي الصهيوني
ولكن ماذا عن وضع الرئيس الروسي وعلاقته بما يحدث؟! ماذا يحدث بالضبط في روسيا، وما علاقة كل ذلك بعملية ترتيب الأوراق التى يديرها اللوبي الصهيوني؟! لقد أصبح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في وضع لا يحسد عليه ، فبمجرد أن غادر روسيا في يوليو 2000 متوجها لزيارة بعض الدول الأوروبية ودول الاتحاد السوفيتي السابق حتى انطلقت فضيحة جوسينسكي، ورغم أن بوتين أعلن أن النيابة العامة هيئة مستقلة إلا أنه من الضروري أن يوضح موقفه من هذه القضية نظراً لاعتبارات كثيرة منها تدخل الرئيس الأمريكي بيل كلينتون آنذاك وطواغيت المال اليهود في العالم كله، والأهم من كل ذلك تدخل من لا تروق لهم الخطوات التي يتخذها الرئيس الجديد من أجل إصلاح الفساد المستشري في البلاد، بيد أنه من الواضح أن هناك أكثر من طرف كان يدير شؤون روسيا إلى جانب رئيس الدولة المركزية، ومن الصعب أن يعرف أحد بتوصيات أولئك الذين أدخلوا بوتين إلى الحلبة السياسية، ولكن كان من الممكن التكهن بأن بوتين قد بدأ يتجاوز الدور الذى أرادوامنه أن يلعبه.
فهل استطاع بوتين أن يصلح أخطاء الذين أتوا به من أجل دور محدد دون المساس بهم، أم سيكون مصيره مثل مصير بريماكوف الذي رفض الانصياع لتهديدات وإغراءات اللوبي الصهيوني، وفضل الحياة السياسية النيابية على اللعب مع «الكبار»؟ فقبل إقالة بريماكوف من منصبه التقاه بريزوفسكي وطلب منه أن يعينه مستشاراً له وكان رد بريماكوف: «لست في حاجة إلى مستشارين من أمثالك»، ولكن بريزوفسكي آنذاك كان لايزال صديقاً للأسرة وما حدث لبريماكوف معروف! بيد أن بوتين هو رئيس الدولة وليس رئيسا للوزراء ، وهنا تكمن المفارقة،.
الإفراج عن جوسينسكي
تم الإفراج عن جوسينسكي بعد ثلاثة أيام فقط من القبض عليه، و قام الغرب وأمريكا خلالها بحملة إعلامية هائلة ضد روسيا، وحاولت العديد من وسائل الإعلام إفساد رحلة بوتين إلى الخارج، جاء الإفراج مشروطاً بعدم مغادرة البلاد، والسبب سبب الإفراج هو أن جوسينسكي حاصل على ميدالية «الصداقة بين الشعوب» عام 1996ممن بوريس يلتسين أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية، ومكافأة له على موقفه «الإيجابي» من عملية إغلاق الصحف ووسائل الإعلام عام 1993م والتى قام بها يلتسين لتنظيف الساحة السياسية الروسية من معارضيه، كان أول تهديد صرح به الملياردير اليهودي من خلال آلته الإعلامية الضخمة:«في مؤسستي الإعلامية يوجد 21 ألف فرصة عمل»! .. «السلطة في روسيا تريدأن تحول اليهود الروس إلى لجنة معادية للصهيونية»! ..
السلطة في روسيا تريد العودة إلى الوراء بتدمير كل الإنجازات التى تمت خلال السنوات العشر الماضية»! غير أن جوسينسكي لم يذكر تلك الإنجازات، بل وأضاف: «إنني أعترف بخطئي عندما وقفت إلى جانب السلطة السابقة (سلطة بوريس يلتسين)، فهذه السلطة هي التي أتت بالسلطة الحالية وأعطتنا ضمانات بعدم المساس بنا»! ...
«على الدولة أن تحل مشاكلها بعيدا عني، فأنا لست سبب أزماتها الاقتصادية، لقد بدأت عملية الخصخصة وبيع ممتلكات الدولة السوفيتية، ولكنها لم تكن عملية خصخصة، وإنما كانت عملية توزيع حصص أخذ كل منها بالقدر الذى تستطيع معدته أن تهضمه، أي إنني كغيري من الذين أخذوا نصيبهم، أي إنني بدأت منذ عشر سنوات كغيري من الصفر، ولكنني دؤوب وذكي وعبقري، فماذا أفعل وما ذنبي في ذلك، ولماذا تأخذني الدولة كبش فداء لجميع طواغيت المال في روسيا»!.. وعندما وجهوا إليه استفساراً عن جنسيته الإسرائيلية، رد في تراجيدية بالغة: «علينا نحن اليهود المساكين أن نحصل على جنسيات البلاد التى نعيش فيها ، ولكن من الضروري الحصول على جنسية هذا البلد الصغير الجميل مثل قلوبنا وأشار إلى قلبه بحركة مسرحية، فهو مخرج مسرحي سابق ذو مستوى فني متواضع جداً والموجود دوماً في قلوبنا»!،.. من خلال هذا الرصد السريع لخريطة الإعلام الروسي يصعب القول بأن سيطرة الرأسمال الصهيوني كانت من باب المصادفة، ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال دور الإعلام الروسي الذي كان وفق تصريحات الأوساط السياسية والحكومية يتعارض في كثير من الأحيان مع المصالح الروسية، خلال الحرب الشيشانية الأولى كثف الإعلام الروسي من حملته المعادية للقوات الروسية مستنداً في مواقفه إلى: الدفاع عن حق الشعب الشيشاني في الاستقلال، وعنف العمليات العسكرية الروسية التي أودت بحياة أكثر من 60 ألف شيشاني، وضرورة التخلص من كافة الأقاليم التى تعيق بناء الاقتصاد الحر ورفاهية الشعب الروسي في إطار علاقات السوق الرأسمالي، إلا أن هذه الحملة ترافقت أيضا مع إظهار المواطن الشيشانى كنموذج المجرم الإرهابي، واعتبر المحللون السياسيون أن هذا التوجه لوسائل الإعلام الروسية وإن كان يبدو ذا أهداف نبيلة إلا أنه مدفوع الثمن من قبل مجموعة من كبار القادة العسكريين الذين رسموا وفجروا اللعبة الشيشانية مع القائد الشيشانى المعروف «جوهر داودايف»، والتي استهدف منها هؤلاء العسكريون أن تصبح منطقة الشيشان إقليماً متمرداً عن النفوذ الروسي حتى يتمكنوا من تسويق مخزون السلاح الهائل الذي نهب من مخازن الجيش السوفيتي لحسابهم بعيداً عن أية رقابة وسلطة يمكن أن تحاسبهم، وقد اعتبر روسلان حزب اللاتوف رئيس مجلس السوفيت الأعلى لجمهورية روسيا في الفترة 1989-1993 في تصريحاته للصحافة العربية أن كل من شارك في هذه اللعبة هو مجرد مغامر يسعى لجمع المال حتى لو كان ذلك على حساب مصالح شعبه وبلاده، مؤكداً على أن مخزون الأسلحة والمعدات العسكرية السوفيتية في الشيشان آنذاك كان كافيا لتسليح جيش يقدر تعداده بحوالي 100 ألف جندي، وأن هذا المخزون قد أصبح مجهول المصيرمنذ عام 1991، من جهة أخرى يعتقد المحللون أن سيادة النزعة الموالية للغرب والولايات المتحدة في أوساط المثقفين الروس آنذاك قد سهل للغرب التسلل لتكريس سياسة منح الاستقلال لمن يرغب من شعوب روسيا و الاتحاد السوفيتي بصرف النظرعن أية عوامل أو مصالح أخرى، الأمر الذى ينسجم مع مصالح المخطط الأمريكي آنذاك والهادف إلى تقسيم روسيا إلى دويلات صغيرة تنعدم لديها القدرة على القيام بأي دور على الساحة الدولية وتفقد الأدوات والإمكانيات للحفاظ على قوتها ومكانتها كقوة عظمى، وأخيرا يعتبر المحللون الروس أن الحملات الإعلامية استهدفت تحطيم الثقة والتواصل بين الجبهة الداخلية والجيش الروسي عبر تصويره بأنه جيش ضعيف وعدواني... الخ لكي تصبح المؤسسة العسكرية الروسية مثارا للسخرية ومن ثم رفض المجتمع الروسي وهو ما سهل مهمة المؤسسات العسكرية الغربية في القضاء عليها، ناهيك عن أن تنمية المشاعر المعادية للحرب في المجتمع الروسي كانت تستهدف الحصول على دعم مختلف قطاعات هذا المجتمع لانتخاب بوريس يلتسين لرئاسة روسيا الاتحادية والذي حوله الإعلام الروسي إلى بطل السلام الذي سيوقف هذه الحرب الدامية!.
الجانب الآخر الذي حرص الإعلام الروسي على التركيز عليه هو ضرورة حرص موسكو على تحسين علاقاتها مع الغرب والانصياع لرغباته ونبذ علاقاتها مع دول العالم الثالث التي كانت دائما عبئاً على الشعب الروسي، خاصة وأن هذه العلاقات تغضب الولايات المتحدة التي كانت تنتقد دوما أي تقارب روسي مع الدول العربية أو مع إيران أو الصين أو كوريا الشمالية! إن التركيز على هذا التوجه، جعل من روسيا دولة مصدرة للمواد الخام، وأدى إلى تدهور منتجاتها الصناعية التى فقدت معظم أسواقها بحكم ابتعادها عن دول العالم الثالث المكروهة من قبل الولايات المتحدة، أما الدول التى ترضى عنها الولايات المتحدة فهى بالقطع لن تتعامل مع روسيا لأنها تتعامل أساسا مع واشنطن!.
وبدأ الاقتصاد الروسي يفقد عوامل قوته وينهار نظرا لسياسات الإصلاحيين الروس الذين أسقطوا (عن عمد أو من باب المصادفة؟!) من حساباتهم أن اختيار روسيا لطريق التطور الرأسمالى ورغبتها في الانضمام إلى النظام الرأسمالى العالمي لا يلغي ضرورة خوضها صراعات حادة لحماية أسواقها التي ستشكل مصادر الدخل لاقتصادها، وسرعان ما لجأت الحكومة الروسية إلى صندوق النقد الدولي لسد العجزالمتكرر في ميزانياتها ومن ثم أصبحت أسيرة لشروطه وسياساته ، لم تواجه هذه السياسات التى كان واضحا أنها تقود روسيا إلى كارثة أية انتقادات من وسائل الإعلام الروسية في الوقت الذي كان فيه الرأى العام الروسي يتحول إلى مواقع المعارضة للرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين والحكومات التي كان يضطر باستمرار إلى فرضها على البرلمان تحت وطأة التهديد والوعيد بحله ، بل إن الإعلام الروسي كشف عن انحيازه الكامل وغير الموضوعي إلى جانب يلتسين المرشح من قبل كافة المراكز المالية والدوائر الصهيونية خلال انتخابات الرئاسة الروسية في عام 1996 والتي تم فيها تزوير النتائج لتحويل هزيمة يلتسين أمام منافسه الشيوعى جينادى زيوجانوف إلى انتصار ، واعتبرت وسائل الإعلام الروسية آنذاك أن انتصار يلتسين المزور هو انتصار للديمقراطية وحرية الرأي، وعندما قام يلتسين بفرض سيرجي كريينكو على البرلمان كرئيس للحكومة ( الذي استهدف منه تمرير نتائج بداية الانهيارالاقتصادي الذى تسببت فيه سياسة مجموعة الإصلاحيين الموالية له ) ، دعا الإعلام الروسي لمساندة كريينكو باعتباره يمثل مرحلة حكم الشباب والتي لم تستمر لأكثر من أربعة أشهر لتنتهي بأزمة أغسطس الدامي !
وخلال الأعوام الأخيرة من فترة حكم يلتسين تحولت أغلبية قطاعات المجتمع الروسي إلى مواقع المعارضة الرافضة لحكم يلتسين بسبب سياساته، ومع ذلك استمر الإعلام في دعم حكم يلتسين المتداعي والترويج إلى مقولة «إن مصير روسيا قد أصبح في يد العائلة التى أصبحت بدورها الحاكم الفعلى للبلاد بمباركة يلتسين»، وهذه العائلة تألفت من «تتيانا دياتشينكو» ابنة يلتسين ومستشارته السياسية، وبوريسبيريزوفسكى، ورامان أبراموفيتش الذي اعتبره المراقبون يشغل وظيفة محاسب العائلة. لم يكن تولي فلاديمير بوتين مقاليد السلطة في روسيا ليؤدي إلى تغييرات جذرية في إطار البرنامج الإصلاحي الروسي الساعي إلى الالتحاق بركب النظام الرأسمالي العالمي إلا في بندين: الأول، هو تحسين حصة روسيا في السوق العالمي لإنعاش اقتصادها ودعم الرأسماليين الروس ولكن دون الاضرار بعلاقاتها مع الغرب، وهوما بلوره بوتين في شعار استعادة هيبة الدولة الروسية، والثانى، إعادة توزيع الحصص والأنصبة بين المؤسسة العسكرية والبيروقراطية والرأسماليين الروس، وهذان الامران فجرا خلافا حادا بين الكرملين المدعوم من المؤسسة العسكرية والبيروقراطية من جهة، ومجموعة الإصلاحيين التى كانت تسيطر على الحكم في عهد يلتسين ثم أصبحت فجأة خارج هرم السلطة وباتت مطالبة بتقديم تنازلات ضد مصالحها ومصالح حلفائها الغربيين! ومرة أخرى يتحرك الإعلام تحت شعار حماية حرية التعبير في معركة للدفاع عن مجموعة الإصلاحيين الذين تبين انهم كلهم من اليهود ، ويحمل أغلبهم الجنسية الإسرائيلية ، ولكن هذه المرة كانت المعركة ضد الكرملين الذي قرر أن يعيد ترتيب الأوضاع في روسيا لحسابه فوجد نفسه في مواجهة كان يعتقد أنها ستكون ضد الإصلاحيين من أنصار يلتسين ليتبين أنهم كلهم من كبار الرأسماليين اليهود وحلقات صلبة في سلسلة اللوبي الصهيوني العالمي، في هذا السياق ، وفي ظل حكم بوتين الذي قرر أن يوطد علاقاته مع الدول العربية انطلاقا من مبدأ تبادل المنفعة والمصالح ، واستنادا إلى الرصيد التاريخي في العلاقات والذي منح موسكو في الفترة السابقة نفوذا في الشرق الأوسط، حرص الإعلام الروسي على تشويه صورة العرب وربطهم بالأزمة الشيشانية متجاهلا أن العديد من المقاتلين العرب قاموا بأعمال إرهابية في بلادهم وأصبحوا مطلوبين من قبل الأجهزة الأمنية لهذا السبب ، بل تصل وقاحة أجهزة الإعلام الروسية إلى مقارنة وضع روسيا في حربها ضد المعارضة الشيشانية بوضع إسرائيل في صراعها ضد حزب الله في لبنان وحركة حماس في الأراضي المحتلة ، متجاهلة في هذه المقارنة المشبوهة أن المجتمع الدولي وكافة مؤسساته تعترف بحق الشعب الفلسطيني في بناء دولته المستقلة على ترابه الوطني، وبدلا من أن تأخذ أجهزة الإعلام الروسية من الوضع في الجزائر أو في مصر وسوريا خلال فترة سابقة مثالا في مواجهة التطرف الديني اعتبرت إسرائيل خير مثال يحتذى به ، وفي إطار هذه التوجهات التي تروج لها أجهزة الإعلام الروسية نكتشف أنها لا تسيء إلى العلاقات العربية الروسية فحسب وإنما تضر بالمصالح الوطنية الروسية بل وتتعارض معها في كثير من الأحيان، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر الموقف من تعامل روسيا مع إيران.
السيناريو الجديد القديم
في مذكرات الجنرال بافل سودوبلاتوف التي صدرت عام 1994 بالإنجليزية عن دار نشر (ليتل آند كومباني) الأمريكية تحت عنوان (العمليات الخاصة : مذكرات شاهد غير مرغوب فيه خبير الجاسوسية السوفيتي) في 544 صفحة ، إضافة إلى 10 صفحات تتضمن صورا فوتوغرافية ووثائق تحمل علامة «سري جدا»، ناهيك عن 20 ساعة مسجلة على شرائط الفيديو والتي تم حفظها بمعهد «جوفير للحرب والثورة والسلام» التابع لجامعة ستانفورد، وفي نهاية عام 1996 صدر نفس الكتاب بالروسية عن دار نشر «جيا» الروسية تحت عنوان (الجاسوسية والكرملين: مذكرات شاهد غير مرغوب فيه) في 491 صفحة من القطع المتوسط، إضافة إلى 17 صفحة من الوثائق والمستندات والرسائل والملاحظات، وفي أحد فصوله ال 13 التي تحكي عن الأحداث الخفية في الفترة من 1930 إلى 1950 جاء فصل حول مغازلة ستالين لليهود ثم اضطهادهم فيما بعد في سنوات الأربعينات، وكان هذا السيناريو جزءاً من اللعبة السياسية للقيادة العليا السوفيتية مع ممثلي الأقليات اليهودية والرأسمالية الصناعية، وكان ستالين يتطلع جديا عن طريق هذا السيناريو إلى إقامة دولة (أوروبية سوفيتية)اشتراكية في شبه جزيرة القرم بدلا من عملية اجتذاب رؤوس الأموال الغربيةلإصلاح اقتصاده الذي دمرته الحرب، وبعد أكثر من نصف قرن، وبعد زوال الاتحاد السوفيتي، يبدأ نفس السيناريو من جديد، مع الأخذ بالاعتبار مجمل التغيرات التي حدثت، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والكرملين بشكل عام، لم يتخلص من النفوذ اليهودي الصهيوني في روسيا الجديدة بإبعاد كل من طاغوتي المال والإعلام جوسينسكي وبيريزوفسكي، فبدلا منهما جاء آخرون ينتمون إلى نفس التيار، والفارق الوحيد هو أن الجدد لا يعادون سلطة الكرملين، أما سيد الكرملين فهو واقع بين المطرقة والسندان، فهو من ناحية يبدي رغبته في تقليص النفوذ اليهودي-الصهيوني من أجل تهدئة الرأي العام الروسي الذي ضج من سيطرته المفرطة طوال السنوات السابقة، ومن ناحية أخرى يريد الحفاظ على اليهود الروس الموجودين حاليا في روسيا (5 ،1-2 مليون) من أجل استخدامهم لمغازلة الغرب، والولايات المتحدة بالذات، ولعل ذلك يفسر لنا الدفاع المستميت لرجال الكرملين، وعلى رأسهم بوتين شخصيا، وقلقهم الشديد على مصير اليهود الروس في إسرائيل على الرغم من أنهم يعرفون جيدا أنهم يعيشون بشكل لا بأس به، وأن 60 ألفا منهم يعملون في طليعة الجيش الإسرائيلي، في الوقت الذي لا يبدون فيه أي قلق بشأن مصير 50 ألف روسية متزوجات من فلسطينيين، ويعشن في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولم يتنازلن عن جنسيتهن الروسية بعكس الآخرين.
مزاج معاد للمسلمين
وبهدف إثبات عدم وجود معاداة للسامية في روسيا اعترف عضو جمعية كارنيجي أندريه ريابوف أن اليهود يحتلون أهم المواقع الحكومية في روسيا، وفي أيديهم مفاتيح الاقتصاد الروسي، كما رأى أيضا أن سبب تصريحات الرئيس الروسي يكمن بالدرجة الأولى في الأمزجة المعادية للمسلمين في الشارع الروسي، بينما رأى المحلل السياسي المعروف والعامل بمعهد البحوث السياسية الروسية سيرجي ماركوف (الذي كان إلى وقت قريب جدا أحد نجوم التقارير السياسية التي تبثها الفضائيات العربية من موسكو) أن خطوة بوتين توضح مدى التضامن الرسمي الروسي مع الشعب اليهودي الذي يتعرض حاليا للهجمات الإرهابية، وهو على حد تعبير ماركوف - ما يتوافق ورغبة كبار رجال الجمعيات اليهودية في روسيا وفي العالم كله، وهي المؤسسات التي تمتلك تأثيرا مطلقا في مجالات الاقتصاد والمال والسياسة والإعلام، هذا ولا تزال الدهشة تعم الأوساط الثقافية والوطنية الروسية بعد الخطوة التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستقبال الممثلين الفيدراليين للجالية اليهودية في روسيا، وتوجيه امتنان رسمي إليهم على إسهامهم في تطوير الثقافة الروسية وإثرائها، وفي الوقت الذي يرى فيه المثقفون الروس أن الأقليات الدينية والعرقية في روسيا قد ساهمت بنشاطات مختلفة في الثقافة الروسية كمواطنين نشؤوا وترعرعوا على هذه الثقافة، ومثل أي أقليات أخرى في العديد من الدول، تحاول السلطة السياسية في روسيا تمييز الأقلية اليهودية دونا عن الأقليات الأخرى، وهو الأمر الذي لا يزال يثير جدلا حادا في أوساط «الإنتلجنسيا» الروسية والدوائر القومية والوطنية.
خلال اللقاء كان اليهود الروس موضع مدح بسبب «المساهمة الكبيرة التى يؤدونها على حد قول بوتين في تطوير روسيا وخاصة في ثقافتها المتعدد القومية». وأكد بوتين أن الحكومة تولي اهتماما خاصا لمسألة العلاقات بين الطوائف المتعددة داخل المجتمع، وتعتزم في المستقبل مواجهة أي ظواهر قومية وتعصب ديني، ووفق اعترافات كبير حاخامات روسيا بيرل لازار «لا وجود لمعاداة للسامية على المستوى الحكومي وأن بعض ظواهر معاداة للسامية على مستوى العامة تقتصر على بعض الحالات المنفصلة، ولهذا السبب بالذات فإن أعداد اليهود المتدفقين إلى الخارج قلت في السنوات الأخيرة من روسيا ومن دول أخرى».
المثير أن نفس الروابط والجمعيات كانت قد اتهمت الحكومة الروسية، وبالذات الكرملين ورأس الدولة، أنهم يمارسون نهجا متعمدا في معاداة السامية، وأعرب بوتين عن شكره لقيادة الجالية اليهودية على المشاركة النشطة في عملية تكامل روسيا في المجال الاقتصادي العالمي، ولا سيما كما أشار بصورة خاصة إلى نداء لازار لرئيس الولايات المتحدة بطلب إلغاء تعديلات جاكسون فينيك التي تفرض تحديدات على قائمة البضائع الروسية المصدرة إلى الولايات المتحدة وهي أقرت في العهد السوفيتى عام 1974 تحت ذريعة اتباع إجراءات تمييزية بحق اليهود في الاتحاد السوفيتى، وانتهى اللقاء باتفاق تام على أن تكون المهمة الرئيسية للجالية اليهودية في روسيا إرساء العلاقات الوثيقة مع اليهود المهاجرين في الخارج.
اليهود أحرار في روسيا
أما الرئيس الأمريكي جورج بوش فقد أعلن لوسائل الإعلام الروسية والعالمية في الدقائق الأخيرة من زيارته لمدينة سانت بطرسبورج وعلى أبواب المعبد اليهودي فيها أن «اليهود أحرار في روسيا، وبمجرد عودتي إلى واشنطن سأتحدث مع الكونجرس بشأن إلغاء تعديلات جاكسون فينيك»، بهذا التصريح أنهى الرئيس الأمريكي زيارته لروسيا والتى جاءت في إطار مؤتمرالقمة الخامس بينه وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكان الرئيس الأمريكي قد اختتم زيارته لعاصمة روسيا الشمالية ببرنامج ثقافي ديني زار خلاله كنيسةروسية لكي يرى «كيف يصلي الروس» وفقا لتعبيره، وبعدها قام بزيارة المعبد اليهودي الوحيد في المدينة وبحث مع الحاخامات أوضاع اليهود في روسيا، ووفقا لما بثته القناة التلفزيونية الرابعة (إن.تي.في) فقد خرج بوش راضيا عن أوضاع اليهود في روسيا، وهو ما يبشِّر برفع القيود الاقتصادية، علما بأن اليهود في روسيا اليوم يمثلون إحدى أصغر الأقليات، أما الأغلبية في روسيا التى يبلغ عدد سكانها 140 مليون نسمة فهم الأرثوذوكس، ويأتي بعدهم المسلمون الذين يبلغ عددهم حوالي 25 مليون نسمة.
|