على مدى الأسابيع القليلة الماضية حاول قادة العالم تجنب الحرب بين الهند وباكستان حول ولاية كشمير المتنازع عليها بين الدولتين، وفي ظل حشد مليون جندي على جانبي الحدود وتبادل القصف المدفعي بين الجانبين بصورة يومية والبيانات الملتهبة في نيودلهي وإسلام آباد كانت واشنطن وغيرها من العواصم الرئيسية في العالم تشعر بقلق له أسبابه الوجيهة تماما، فحتى المواجهات المحلية يمكن أن تتطور إلى مواجهة شاملة عبر الحدود وقد تقود إلى السيناريو الأسوأ وهو نشوب أول حرب نووية منذ عام 1945 عندما اسقطت الولايات المتحدة الأمريكية قنابلها النووية على مدينتي ناجازاكي وهيروشيما في اليابان.
وخلال الأسابيع القادمة بدأت الآمال تنتعش بشأن إمكانية تهدئة التوتر بين الهند وباكستان، فباكستان يجب أن تضع المزيد من القيود على تسلل المقاتلين إلى الجانب الهندي من ولاية كشمير عبر خطوط السيطرة، ويجب على الهند سحب قواتها من على الحدود والدخول في محادثات مع باكستان لتسوية مشكلة كشمير بصورة كاملة كما أنه وفي ظل الأزمة الحالية يجب على إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش التدخل بقوة في هذه الأزمة بدلا من ترك هذه الأمور.
فالهند وباكستان تحتاجان إلى الدخول في مفاوضات جادة التجربة تقول ان الدولتين يمكنهما بدء مثل هذه العملية السلمية ولكنهما لا يستطيعان الاستمرار فيها دون وجود طرف ثالث في الوقت الحالي تتمتع الولايات المتحدة الأمريكية بعلاقات جيدة مع الدولتين، ولا يجب أن تخجل الولايات المتحدة من استخدام الضغوط الدبلوماسية لتشجيع الهند وباكستان على الدخول في مفاوضات سلمية.
كما أن الصين وأوروبا وروسيا يمكنها المساعدة في هذه الأزمة ولكن الجميع ينتظر المبادرة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، ومن الناحية الإجرائية فإن الطريقة التي اتفق عليها الهنود والباكستانيون خلال قمة لاهور عام 1999 يمكن أن تمثل طريقة عملية لاستئناف المفاوضات ففي ذلك الوقت اتفقت الدولتان على الدخول في سلسلة من المفاوضات المتوازية لمناقشة مختلف المشكلات بين الجانبين بما في ذلك مشكلة كشمير، وكان ذلك يلبي رغبة باكستان في بحث قضية كشمير في نفس الوقت يلبي رغبة الهند في عدم التركيز الكامل على هذه القضية، ورغم انتهاء عملية لاهور السلمية في الربيع التالي عندما انطلق المقاتلون الكشميريون عبر خطوط السيطرة إلى الشطر الهندي من كشمير ووقعت معركة كبيرة بينهم وبين القوات الهندية في جبال كارجيل، ورغم ذلك فإن عملية لاهور يمكن ان تمثل منهجا مناسبا حاليا.
في البداية يجب ان تناقش الهند وباكستان الموضوع النووي من خلال بحث كيفية تخفيض التهديدات النووية، فليس هناك ما هو أهم من بدء حوار حول الملف النووي بين الدولتين، كما يجب على الطرفين بحث سبل التعاون الاقتصادي بينهما بما في ذلك إلغاء إسلام اباد للقيود المفروضة على أغلب المبادلات التجارية مع الهند وكذلك انهاء الهند معارضتها لمد خط أنابيب نقل الغاز الطبيعي لها سواء من إيران أو آسيا الوسطى عبر باكستان، ويجب على البلدين وقف المناوشات المستمرة طوال 15 عاما والتي رغم عدم جدواها العسكرية فإنها تؤدي إلى خسائر بشرية باستمرار، وكذلك فإن المحادثات بشأن كشمير يجب أن تركز على كيفية تحقيق الهدوء والتطبيع على جانبي الحدود في الولاية.
علاوة على ذلك يجب على الهند التحرك نحو الحوار السياسي مع المعارضة الكشميرية في الجزء الخاضع لسيطرتها من خلال تقديم قدر أكبر من الحكم الذاتي أو ضمانات حقيقية بأن انتخابات برلمان الولاية القادمة ستكون حرة تماما، كما يجب على الهند معالجة الشكاوى العديدة المتعلقة بحقوق الإنسان ضد القوات الهندية في الولاية، وهناك تجربة دبلوماسية يمكن ان تكون مفيدة عند التعامل مع الأزمة الراهنة.
ففي عام 1962 اشتدت المواجهة بين الهند وباكستان فجاء افريل هيرمان مستشار الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت جون كيندي إلى المنطقة ثم أبلغ كينيدي أن المشكلة الأساسية هي أن أي حل مقبول من الهند ترفضه باكستان وأي حل تقبله باكستان ترفضه الهند، وبعد ست جولات من المفاوضات بين الهند وباكستان في أعقاب زيارة هيرمان لم يتم التوصل إلى أي شيء، ولكنها كشفت عن قدرة الأطراف الخارجية على تقديم المساعدة في العملية التفاوضية.
كما أن الظروف الحالية تحتاج إلى الدبلوماسية الهادئة وليس دبلوماسية المؤتمرات الصحفية وكاميرات التلفزيون، فقبل كل شيء تريد الولايات المتحدة منع حدوث أزمة جديدة في المستقبل بسبب كشمير ولكنها لا يمكن أن تمنع الاشتباك مادامت القوات محتشدة في مواجهة بعضها البعض على الحدود وما دامت المشكلة قائمة.
ولكن واشنطن تحتاج إلى إطلاق الحوار بين البلدين حول جميع القضايا التي تجعل من شبه القارة الهندية واحدة من أخطر المناطق في الكرة الأرضية.
مدير البرنامج الآسيوي في مركز ويلسون الدولي - أستاذ علوم سياسية «كريستيان ساينس مونيتور» - خدمة الجزيرة الصحفية
|