Saturday 22nd June,200210859العددالسبت 11 ,ربيع الثاني 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

منعطفات منعطفات
جزى الله المخالفة.. خيراً!
د. فهد سعود اليحيا

أنا لا أستمتع بالسواقة أبداً في طرقاتنا وشوارعنا. وأظل متوجسا خيفة من هذه السيارة أو تلك. ليس هذا فحسب، بل أقضي الوقت بمراقبة رعونة السائقين من حولي وأحصي من المخالفات ما يملأ خزينة وزارة المالية ويصلح من عجزها.
ولأني أزعم دائما بأن هاجس انضباط السير وحوادث المرور أحد ثلاثة هواجس تسكنني فقد استقر في روعي ووجداني أني سائق مثالي بدرجة 99 ،99%.
وذات يوم كنت أسوق غرباً في طريق الأمير عبدالله باتجاه طريق الملك عبدالعزيز وقبل تقاطع الطريق ازدادت كثافة السير (بحسب تعبيرات المرور الإذاعية) وتبينت أن سيارتي مرور واقفتين على جانبي الطريق وأن عدداً من الأفراد هنا وهناك يطلبون من بعض السيارات الوقوف جانباً ويسمحون للأخرى بالمرور.اطمأنت نفسي بأن لا حادثا هناك وان الموضوع هو كمين تفتيش عشوائي على الرخص والإقامات، فعيَّنْتُ خيرا. وعندما وقفت بجوار رجل المرور بكل هدوء وثقة، وابتسامة عريضة تغطي نصف وجهي، فوجئت بأنه لم يسمح لي بالمرور، بل طلب مني أن أوقف سيارتي جانبا. وكأي مواطن صالح يحترم السلطة ويخاف منها أذعنت، ثم توجهت إليه بالسؤال عن السبب.قال لي إن السرعة هي السبب! يا للهول! أنا أتجاوز السرعة القانونية! لا يمكن. نعم، قد أفعل ذلك في طرق السفر السريعة، ولكن داخل المدن لا يمكن. لا بد ان خطأً ما قد حدث. يا للعار، ويافضيحتي في مضارب بني مرور في كل أنحاء الدنيا.رجل المرور وجهني بكل تهذيب للتحدث إلى الرقيب المسؤول الذي سأل بتهذيب عن سيارتي ثم قال: لا لبس في الأمر، «أنت مسرع» نفيتُ ذلك تماما. فأرشدني بهدوء متجنبا أي وجع رأس إلى ان أتوجه في الغد إلى لجنة التظلمات في إدارة المرور، أما الآن فعليَّ أن آخذ صورة مخالفة السرعة، وان أمضي في طريقي راشداً. في اليوم التالي لم أفعل شيئا، فقد عقدت العزم على ان أدفع المخالفة. لقد اكتشفت أني لشدة ثقتي بانضباطي المروري أقود سيارتي دون ان أنظر إلى عداد السرعة. بعد أن تجاوزت ذلك الكمين شرعت أنظر إلى العداد بين وقت وآخر واكتشفت أني أسرع بالفعل. يا للكسوف.
بعدها أصبحتُ التزم بالحد الأقصى للسرعة وهو 70% وأنا أقول جزى الله المخالفة خيراً بيد ان هذا لم يعجب السائقين الآخرين وأخذت أصوات المنبهات تتصاعد من حولي، والسيارات تتراقص أمامي قادمة من اليمين واليسار، وسائقوها تبدو عليهم علامات القرف والامتعاض، وبعضهم يتفوه بكلمات لا أسمعها، وآخرون يعملون حركات غير مؤدبة بأصابعهم ويزداد غضبهم علي عندما أقترب من التقاطع أو تكون الإشارة برتقالية أو تحمرُّ فأقف وكان هذا يزعجهم أيما ازعاج لأن الإشارة «توها محمرة»!توصلتُ مع ضميري إلى حل وسط وهو ان أزيد سرعتي عن المطلوب بعشرين كيلو معتقدا ان المرور يتسامح مع هذه الزيادة وقياساً على الخطوط السعودية التي تتسامح أحياناً مع هذا القدر من الحمولة الزائدة.ومرة أخرى أجد ان هذا لا يرضي الآخرين فيعمد من خلفي إلى تجاوزي من اليمين أو اليسار لأكون آخر السيارات.
لا بأس! نحن قوم مسرعون دائماً، مستعجلون على كل شيء، متصربعون على الفاضية والمليانة.. ومن أمن العقاب وجد لنفسه ألف عذر وأساء الأدب. أما أنا فحسبي أن التزم بسرعة تزيد عن الحد الأقصى بعشرٍ.. وفي قول بعشرين.. وأحياناً نادرة بثلاثين، والله المستعان.لكن بعيداً عن السواقة: كم منا تحمله الثقة بنفسه ان يظن أنه مواطن صالح؟ أو أنه متفانٍ بواجب العمل؟ أو أنه يمارس الحس الوطني بأبعاده؟ أو يظن أنه سيد أهل التربية الصالحة في بيته؟ أو أنه رجل خير وفضل؟ أو... أو...!يا ليت هناك كمائن عشوائية تفيق الصاحي/ النائم على ابتعاده عمّا يقول، وعلى حقيقة أنه ليس كما يظن نفسه.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved