Tuesday 25th June,200210862العددالثلاثاء 14 ,ربيع الثاني 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

منعطفات منعطفات
احتكار!
د.فهد سعود اليحيا

حسب معلوماتي المتواضعة فإن الإسلام حرّم الاحتكار. بل إن الفطرة تقول بأن الاحتكار شديد الضرر، والإسلام يأبى الضرر وحسب معلوماتي الدنيوية البسيطة فإن الدول الراسخة في الرأسمالية واقتصاديات السوق المفتوحة تحرّم الاحتكار وأعرف ان قانوناً في أمريكا سيدة العالم الحر سابقاً، وسيدة كل العالم التابع، حاليّاً تجرم الاحتكار ومنذ ثلاثة أشهر تقريباً أصدرت السلطات اللبنانية قانوناً يمنع الوكالات الحصرية والوكيل الوحيد وهي من صور الاحتكار.
ومنذ سنوات انتدبت للعمل في أحد المواقع التي تكتظ بالبشر وأغلب قاطنيه من الأفراد وعوائلهم. وفي ذلك الموقع سوقان كبيران يتبعان تاجراً واحداً، ولذا فسعادة التاجر يحتكر البيع هناك ولكنه بسماحته الرحبة استثنى الفول والتميس والمطبق. وعليه للقارئ الكريم ان يتخيل الأسعار الباهظة التي تباع بها السلع ولأن الدخول إلى الموقع والخروج منه ليس سهلا. كما ان البلدة القريبة تبعد مايزيد على الأربعين كيلومتراً ولذلك ترى السوقين الداخليين مليئين بالمتسوقين رغم أنوفهم.
وتساءلت عن السبب في هذا الاحتكار فجاءتني الإجابة صاعقة أقبح من السؤال وهي ان الشخص المسؤول عن ذلك الموقع عندما أراد تأجير السوقين لتاجرين مختلفين فإن أقصى رسم إيجار وصله لم يتجاوز 400 ألف ريال في السنة للسوقين ولكنه عندما أجرهما لشخص واحد فقد حصل على 800 ألف ريال.
بماذا ستستفيد جهة حكومية بـ400 ألف ريال إضافية وبماذا ستستفيد خزينة وزارة المالية بهذا المبلغ حتى ولو سلمنا بأن المبلغ مجزٍ ومجدٍ، هل هناك ثمة مقارنة بين المكسب ومعاناة البسطاء أمام المغالاة الفاحشة في سوقيّ التاجر المحتكر.
والآن، مسابقة كأس العالم في كرة القدم، والتي لا تقام إلا كل أربع سنوات وهي الرياضة التي يقال عنها الأكثر شعبية في العالم، والجرائد التي تفرد جل صفحاتها الرياضية لكرة القدم، ومحطات التلفزيون التي تجبرنا على حب كرة القدم باتباع مقولة «جوبلز».
والأخضر الذي تتكرر النداءات لتشجيعه ومؤازرته وكان التخلف عن ذلك خيانة وطنية. مع هذا كله تحتكر بث مباريات المسابقة شركة فضائيات واحدة وتضع الأسعار التي تريدها فقد دفعت هي المبلغ الفلاني وتريد تغطية التكاليف زائد الأرباح أيضا وتريد سوقا لقنواتها الكسيحة. ولذا باءت بال...ات يصبها عليها الناس، ولو اشتروا منها البطاقات التي تسمح لهم بمتابعة المباريات.
حسب شروط السوق المفتوحة على البحري، وفي ظل قوانين تجرم الاحتكار لم تقدم الشركة على فعل جلل ولم تأتِ عجباً. ولابد ان شركات عديدة تفحّ احتكاراً، ويقطر لعابها شوقاً إلى الأرباح الطائلة قفلت خاسرة وضاعت عليها الفرصة وقلوبها تلهج بالدعاء ان لا تكسب الشركة الفائزة بالعقد. أما إذا جنت الشركة المحتكرة أرباحاً طائلة فستلطم هذه الشركات وتضرب رأسها بال... القديمة ندماً انها لم تكن كريمة في عروضها.
ولنضع النقاط على الحروف ولنأتِ إلى كلمة سواء: هذه الشركة المحتكرة لعرض البطولة تلفزيونياً في الدول العربية -وكل شركة أخرى منافسة - ليست جمعية خيرية هدفها تقديم الخدمات لجمهور الكرة مجاناً والاكتفاء بالشكر والدعوات. هي شركة تشغل مصادرها المالية لتحقيق مكاسب وأرباح شأنها شأن أي منشأة تجارية.
والشركة التي تتعفف عن الاحتكار، لم توجد بعد ولن توجد أبداً، بل دأب الشركات كلها الحصول على أقصى أرباح مقابل أقل تكاليف وحد أدنى من الخدمة (راجعوا مقالات الدكتور عبدالله الفوزان عن البنوك وافترائها بصغار الزبائن). ولم تتراجع شركة في التاريخ من أمريكا إلى اليابان عن فريها إلا بقوة القانون. وقد استنبط المتنبي قاعدة عالمية صاغها بقوله:
والظلم من شيم النفوس فإن تجد
ذا عفةٍ فلعلةٍ لا يظلمُ
وهذه العلة قد تكون الضمير ومكارم الأخلاق في حالات نادرة ولكنها السلطة وقوة القانون على الدوام. ولو ترك الناس على شيمهم لفني البشر.
ستنتهي مسابقة كأس العالم لكرة القدم خلال أسابيع وسينسى الناس موضوعها. ولكن تبقى المسألة: هل نترك باب الاحتكار مفتوحاً على مصراعيه؟
الغريب ان الجدل يدور والأسئلة تترى عن حل التعامل مع البنوك الربوية وحرمته، وسارعت تلك البنوك إلى فتح أقسام بها تتعامل حسب الشريعة. ولكني لم أسمع عشر ذلك الجدل ولا عشر معشار تلك الحملة عن الاحتكار.
ولاشك بأن قادوا الحملة لبيان حرمية التعاملات البنكية التي تدخل ضمن دائرة الربا المحرّم إنما انطلقوا من قلوب مترعة بالإيمان، تتورع عن مجالات الريب إلى ما لا يريب.
فهل يتكرمون وهم ذوو علم وفقه ودراية بإدارة حملة ضد الاحتكار وتبيان ماهو حلال وما هو حرام فيما يظنه العامة أمثالي احتكاراً.

فاكس: 4782781

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved