Friday 28th June,200210865العددالجمعة 17 ,ربيع الثاني 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

مكانة الوقف في دعم مسيرة الجمعيات مكانة الوقف في دعم مسيرة الجمعيات
د. عبد الرحمن المطرودي

اللّه سبحانه وتعالى يحب لعباده الخير، ويدعوهم إليه، ويجعل ثواب فعل الخير أضعافاً، والفعل السيئ بمثله، وبين فعل الخير وضده تنافس بل صراع عظيم عند من يعرف حقيقة ذلك، فالحسنات يذهبن السيئات، والحسنات تبقى للإنسان وتزداد، بينما السيئات جعل الله للخلاص منها سبلا كثيرة، منها: التوبة، والصدقة، وغيرهما من الأبواب التي يمكن أن تكون وسائل للتخلص مما قد يقع فيه الإنسان من الأخطاء، بل إن الخير قد يستمر حتى بعد ممات الإنسان «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له».
وكذا قوله تعالى: {مّن ذّا پَّذٌي يٍقًرٌضٍ پلَّهّ قّرًضْا حّسّنْا فّيٍضّاعٌفّهٍ لّهٍ وّلّهٍ أّجًرِ كّرٌيمِ} والحديد: (11) ، وقوله تعالى: {إن تٍقًرٌضٍوا پلَّهّ قّرًضْا حّسّنْا يٍضّاعٌفًهٍ لّكٍمً } التغابن:( 17) ، وقوله تعالى: {قٍلً إنَّ رّبٌَي يّبًسٍطٍ پرٌَزًقّ لٌمّن يّشّاءٍ مٌنً عٌبّادٌهٌ وّيّقًدٌرٍ لّهٍ وّمّا أّنفّقًتٍم مٌَن شّيًءُ فّهٍوّ يٍخًلٌفٍهٍ وّهٍوّ خّيًرٍ پرَّازٌقٌينّ} سبأ: (39).
وحيث إنه لا يسوغ شرعاً المقارنة بين الأرباح المقررة بوجب عقود المتاجرة وما شابهها، في الحياة الدنيا، وبين ما أعده اللّه سبحانه وتعالى للمتاجرين معه سبحانه، وإلا لتبين الفارق بين الحالين ومن أظهر الفروق في ذلك أن نسبة العائد في عقود المتاجرة زهيدة لا تكاد تذكر وفيها من المخاطر ما اللّه به عليم، بينما الحال ليس كذلك في المتاجرة مع اللّه سبحانه، فالعائد الضعف، بل بأضعاف كثيرة مع الخلو من المخاطرة.
وكذلك فإن الربح مع اللّه سبحانه وتعالى مضمون بينما في عقود المتاجرة ليس كذلك، هذا إذا كان الإنفاق لمرة واحدة، فكيف إذا كان غير منقطع كما هو الحال في الوقف؟
ولكن نظراً إلى أن زمننا الحاضر زمن التدقيق المحاسبي، فإني سألجأ إلى توضيح ذلك محاسبياً، مع التنبيه إلى عدم التكافؤ بين ثواب الدنيا وثواب الآخرة، وكذا ثواب اللّه سبحانه وتعالى لعباده سواء ما حصل منه في الحياة الدنيا والآخرة، أو ما ادخره اللّه لعباده في الآخرة.
فعلى سبيل المثال: لو أن رجلاً استثمر مالاً قدره مائة ألف ريال في عقد متاجرة، فإن ربح هذا العقد سيكون ما بين 4 و 6% من أصل القيمة، أي أن المبلغ المستثمر سيكون بعد تمام العملية التعاقدية مائة ألف وستة آلاف ريال، كأعلى نسبة، أما لو استثمر ذلك مع اللّه سبحانه وتعالى لمرة واحدة، فإن الله سبحانه وتعالى قد ضمن له ما نسبته سبعمائة ضعف، بل تزيد على ذلك «واللّه يضاعف لمن يشاء»، هذا إذا كان لمرة واحدة، فكيف إذا كان على وجه الدوام كما هو الحال في الوقف؟، بل وعلى صدقة متعدية كما هو الحال في تحفيظ القرآن الكريم، وهنا أظن أن أهل الاختصاص في علوم الرياضيات وحساب النسب سيقولون إن حساب ذلك بالنسبة لهم مستحيل، ولكن اللّه سبحانه وتعالى أعده لعباده ومَنْ مِنَ الناس لا يحب أن يزداد ماله أضعافاً مضاعفة؟ ومن من الناس لا يرغب أن تكون متاجرته خالية المخاطر؟
إن الإنسان الطبيعي سيسأل نفسه عدداً من الأسئلة منها:
هل يمكن أن تكون تجارتي خالية من المخاطر ومضمونة الأرباح؟
هل يمكن أن تكون أرباحي مضاعفة فضلا عن أن تكون تراكمية؟
هل يمكن أن أكون من خير الناس؟.
فإن كان الجواب بنعم وهو الطبيعي أن يكون كذلك، فسوف يسأل نفسه: وكيف السبيل إلى ذلك؟
وإن الاهتداء إلى الجواب يسير لمن يسره اللّه له، فاقرأ قول الحق في الآيات السابقة وغيرها كثير لتستبين الجواب الشافي.
ووجوه الإنفاق في سبيل اللّه كثيرة ومتعددة، ومن أشملها وأعمها نفعاً الإنفاق في سبيل تعليم القرآن وتحفيظه، نظراً إلى أنه من الصدقات المتعدية وقد هيأ اللّه سبحانه في زمننا الحاضر إخوة جعلوا همهم، بل ديدنهم العمل على تحفيظ كتاب اللّه، وتيسير ذلك للكبار والصغار للبنين والبنات، نسأل اللّه أن يوفقهم، فنشأت جمعيات تحفيظ القرآن الكريم المنتشرة في كل هجرة وقرية ومدينة من دولتنا حرسها اللّه ووفق ولاة أمرها ، وهذه الجمعيات نالت من لدن ولاة الأمر كل دعم ومؤازرة، سواء ما كان في إصدار الأنظمة والتشريعات، أو ما كان في مجال الدعم المادي والمعنوي.
وأظن أني لست بحاجة إلى التذكير بما صدر أخيرا عن المقام السامي الكريم بشأن الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم، ومع هذا فقد أبقوا الأبواب مشرعة ومفتوحة لمن أراد أن يسهم في المرابحة مع اللّه سبحانه وتعالى.
وقد دلف هذا الميدان خلق كثير ممن أنعم اللّه عليهم، ودلهم على الخير، فحظيت جمعيات تحفيظ القرآن بدعم وافر من المحسنين، فشبت وقوي عودها، وتلألأت أزهارها ، وفاح طيبها، حتى عم كل مكان، فحصل المنفقون على مضاعفة الأجر من اللّه سبحانه وتعالى.
ولكن من سنن هذا الكون أن دوام الحال من المحال، فكم من الناس كان يستطيع الإنفاق، وأصبح الآن غير ذلك؟ لهذا فإن المؤمن الكيس الفطن يسعى إلى دوام مرابحته مع اللّه سبحانه وتعالى، وجريان الثواب، ومن أبواب هذا الوقف على جمعيات تحفيظ القرآن الكريم.
وقد شرعت الوزارة في إعداد الترتيبات النهائية لافتتاح أول صندوق وقفي، وهو «الصندوق الوقفي للقرآن الكريم»، فبادر أخي إلى الإسهام في هذا الصندوق إن رغبت في ذلك ، وإن رغبت استقلال وقفك فإن هذه الوزارة يسعدها التعاون معك، ومساعدتك بكل ما تريد.
أسأل اللّه أن يدلنا وإياكم على الخير، وأن يجعلنا من أهله، وصلى اللّه على نبينا محمد.

(*) وكيل الوزارة لشؤون الأوقاف

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved