المظاهر غالبا خادعة، فالواقع أنه لم يتحقق أي شيء في اللقاء الذي جرى بين إيهود باراك وياسر عرفات وبيل كلينتون في كامب ديفيد، ومع ذلك فقد تغير كل شيء. فللمرة الأولى تجري مباحثات جادة تتصل بقضايا القدس واللاجئين، فلم تعد القدس شيئا محظور الاقتراب منه ولكنها أصبحت موضوعا قابلا للمساومة.
كما لم يعد حق عودة اللاجئين مجرد شعار ولكن أصبح مشكلة تحتاج إلى حل عملي.
كان اجتماع كامب ديفيد خطوة أخرى على طريق السلام الشاق والمليء بالأشواك والذي بدأ في أوسلو.
كما أن الاتفاق بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، الذي تم التوقيع عليه في حديقة البيت الأبيض في يوم 13 سبتمبر 1993 وصدق عليه بالمصافحة المترددة بالأيدي بين إسحاق رابين وعرفات، يمثل تحولا دراميا في الاستراتيجية الصهيونية في صراع الشرق الأوسط، فالقادة الصهاينة، قبل وبعد 1948، كانوا يسعون إلى تجاهل العرب المحليين والتوصل إلى تفاهم مع حكام الدول العربية المجاورة، كما أن أوسلو تمثل أيضا منعطفا تاريخيا لأنها أول اتفاقية رسمية توقع بين طرفي الصراع: إسرائيل ومنظمة التحريرالفلسطينية.
وكان المهندس الرئيسي لهذه الثورة في السياسة الخارجية الإسرائيلية هو نائب وزير الخارجية يوسي بيلين، وقد عمل بيلين كصحفي ومحاضر للعلوم السياسية قبل أن يخوض غمار السياسة في منتصف الثمانينات، وسرعان ما أصبح من الركائز الأساسية لحزب العمل كمقاتل معتدل ومدافع عن حقوق الأقلية العربية في إسرائيل والتوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين، مما دفع بعض رفاقه إلى التذمر من «هوسه بالفلسطينيين».
وكان حزب العمل ميالا بعد حرب 1967 إلى ما يسمى بالخيار الأردني، حيث رأى في الأردن، وليس في الفلسطينيين، شريكا لإسرائيل في التسوية السلمية، وقد أنكر بيلين الخيار الأردني وأصر على التصدي للسبب الجذري للنزاع، ولمدة عقدين من الزمن ظل مؤمنا بأن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني يمكن تسويته من خلال الاعتراف المتبادل بين الجانبين كما كان يعتقد أيضا أن التفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية هو شرط ضروري للتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين.
وفي هذا الكتاب الذي بعنوان «لمس السلام» يقدم بيلين سردا مشوقا لذكرياته عن المحادثات السرية التي انتهت بالتوصل إلى اتفاقيات أوسلو، فقد قام اثنان من الأكاديميين الإسرائيليين، يائير هيرشفليد ورون بونداك، بإجراء محادثات تفصيلية في العاصمة النرويجية مع ممثلي منظمة التحرير الفلسطينية، ولكن الوزير الشاب هو من تحمل تبعة فتح حوار مع الفلسطينيين دون تصريح من رؤسائه، فلم يبلغ رابين وزير الخارجية، عن القناة الخلفية إلى أن توصل المفاوضون إلى إعلان المبادئ لحكومة الحكم الذاتي الفلسطيني.
وإذا كانت اتفاقيات أوسلو تمثل نقطة تحول، فإن المناقشات اللاحقة في ستوكهولم قد وصلت إلى قلب النزاع: القدس وحقوق اللاجئين الفلسطينيين ومستقبل المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وحدود الدولة الفلسطينية، وعلى الرغم من الفشل الأخير في كامب ديفيد، يبقى هناك بصيص من الأمل في الوصول إلى نهاية الطريق الذي بدأ في أوسلو.
المؤلف: Yossi Beilin الناشر: Weidenfeld & Nicolson |