Sunday 30th June,200210867العددالأحد 19 ,ربيع الثاني 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

دراسات نقدية صوت الناقد ومبضع القلم دراسات نقدية صوت الناقد ومبضع القلم
استعراض الجمل الشاعرية لدى البدر ..
(الحلقة الثالثة)
نيف الذكرى

فالبدر الذي تشربته شرايين الكلمة.. الجاري في عروقها على أمتداد الوطن الخليجي بل العربي من خلال الكلمة المغناة.. نلاحظ ونرى بصماته الفنية من خلال «جمله الشاعرية» المنثالة بكثافة في نتاجه الشعري والأدبي.. وهذه لمحات من«جمله الشاعرية» مع بعض التوضيح لها:
- فالبدر اثباتاً لما قررناه سابقاً بناء على قراءاتنا المتعددة والمتكررة لنتاجه من أن رمز«المرأة» لديه يتجه ل«الجنة».. فهو يقول:
لو كانت كلماتي الشمس.. والبذور
لكانت لي الأرض أنثى..
أذاً ما هي«الأنثى» لديه ان لم تكن هي الأرض؟.. انها «الجنة» دار المسلم في الآخرة المقابلة لدار المسلم في الدنيا وهي«الأرض» التي نفى أن يتجه رمز«الأنثى» لديه اليها.. معللاً ذلك بقوله أنه:
ما كان لشجرة أن تزف لحرف..
فالحرف لديه لا يتجه للأرض التي ترمز لها«الشجرة» هنا بل لما تتوق اليه باعثت الحرف وهي«الروح» التي دائماً ما تنزع للأعلى بطبيعتها حيث توجد«الجنة».. فهذه الشجرة«الأرض» نظراً لبساطتها وقصر عمرها وطبيعتها التي خلقها الله عليها:
ما كان أن تزف لحرف..
أو تطرح الحروف.. فالتي تطرح الحروف لديه هي«روحه» التي لا تنتمي لأصل جسده الطيني الأرضي بل هي من أمر الله.. لذا يليق بها أن تزف إلى رحمة الله«الجنة».
وهنا لا يفوتني أن ألفت الانتباه إلى هذه«الجمل الشاعرية» التي حملت معنى غير معناها الظاهري السطحي لأنها أصلية وباقية فهي تحتمل كل القراءات وتتآلف مع مثيلاتها لتكون كلاً كاملاً لتجربة صاحبها.
- وامتداداً لذلك نراه يقول:
يداك بريئتان.. ما غلّت
وصوتي موصوم بحبه لذريته..
آن لتلك الأرض النائية..«التي هي الجنة أنها نائية عنه بهذه الدنيا»
أن تغفر لصوتي عفن الخصوبة.. وبدائية الحاجة«في هذه الدنيا»
وتغفر لطينها القلب.. والشفاة..
وتغفر له يداه.. ان استطاعت..
فهو يطلب من تلك الأرض النائية وهي رحمة الله«الجنة» أن تغفر لصوته الذي هو من نتاج روحه«عفن» الخصوبة في هذا الجسد الطيني«الأر ضي».. فهو يذم- كما يملي عليه تجليه الأبداعي الشعري كل ما هو أرضي لحقارته- ويتوق لكل ما هو روحي لسموه.. بدليل طلبه أن تغفر ل«طين» روحه وهو جسد وأدواته التي قد تقع بسبيل تحقيق رغباته الدنيئة وهي القلب والشفاة واليدان.
- وامتداداً «لجمله الشعرية» اليك قوله:
يا طاري الغدران.. والعمر رشفه
نراها إشارة واضحة لمدى الشوق ل«الجنة».. فالغدران تطرى له أي أنه لم يرها.. وغدران الأرض نعلم أنه قد رآها، اذن هو شوق حقيقي خفي لما هو في الجنة، ودليلا على صحة ذلك اسلوبه الفني في هذه«الجملة الشاعرية» حيث وضح بأن الوصول إلى هذه«الغدران» هو بعد انتهاء هذا العمر القصير«فهو رشفه» والدنيا على اسمها دنيا أي أنها دانية وقريب زوالها.. فبعد انتهاء هذه «الرشفة» يصبح ما كان يذكر ب«الطاري» عياناً حقيقياً ومشاهداً في الحياة الآخرة في«الجنة» ان شاء الله تعالى.. وهو أيضاً ما تؤيده«جملته الشعرية» الآتية:
رديني لعيونك.. أرجوك رديني
ما بي أحد.. ما بيني..
ابي عيونك بس..
تكفيني.. تكفيني.. تكفيني..
فهو يقول: رديني.. أي أن هناك عودة بعد ذهاب.. وهذا الذهاب كان عندما خرج أبونا آدم من الجنة.. وقوله: لعيونك.. اشارة واضحة الدلالة على «الجنة» فهي مقر«العيون» الجارية.. ومقر الحور«العين» المقصورات في الخيام.. وشاعرنا كما هو واضح من قوله يريد«العيون.. بس» وهذه«العيون» تكفيه.. تكفيه.. تكفيه.. كررها ثلاثاً دلالة على صدق ارادته وقوة عزمه الجاد في الطلب.
ولا عجب ولا غرابة لأخذنا لمعان بعيدة عن السطحية من«جمله الشاعرية» فهي بحق تحملها ولا شك في ذلك كما نرى من تكاملها في سبيل الوصول إلى مغزى واحد.. وقد قال الأمير/ بدر بن عبدالمحسن نفسه عن تجربته ما يؤيد اتجاهنا هذا بقوله:«أعمل دوماً على أن أهرب من المسارات المحددة مسبقاً، وأخرج من الخطط المعدة سلفاً، وأحاول الابتعاد قدر المستطاع عن النمطية في الكتابة الشعرية، والانفعالات من اسارها، بطرح مسارات جديدة، وخطوط متنوعة، قمت بأعمال الابتكار فيها وفق مخيلتي وتأملاتي وأفكاري، فأصبحت تحمل أنفاسي وأحلامي وسحنتي».. هذا ما قاله البدر عن تجربته وهو ما وجدناه حقيقة في نتاجه.. وصدق المقدم لأحدى قصائد البدر الرائعة عندما قال واصفاً كلمات البدر: «كلمات بكر، تكور الأرض وتجمع الدنيا بأكملها، كلام بداخله كلام أكثر من المفردات».. وما دورنا نحن الآن الا الاستماع للكلام الذي هو أكثر من المفردات في كلام البدر، بل في ابداعه.. فالبدر يقول:
.. وللكلام فصول.. ومناجل..
قمح.. وحمام زاجل..
وقصة وله.. ونحول..
وبا قول.. باقول..
وتجربة البدر مليئة ب«أبيات شاعرية متكاملة» تؤيد مسعانا في ما ذهبنا اليه من اصطياد المعاني البعيدة التي تؤدي اليها«الجمل الشاعرية» المعاني التي هي من العمق بحيث أنها تجعل صاحب النظرة السطحية والفهم السطحي لا يعي ما نذهب اليه بل يرى أن هذه المعاني هي من وضعنا وليست هي من جوف النص..
يقول البدر:
وللكلام أسفار..
أوتار.. ومعازف..
وللكلام أسفار.. جنحان ومعازف..
وللكلام أعمار..
مثل الزهر.. وذبول..
وانا بقول.. با قول.
وأود أن أشير هنا أخيراً بصورة اجمالية إلى ما يعزز توجهنا من اتخاذ رمز«المرأة» الانثى لديه ل«الجنة» الى ما جاء من «جمل شاعرية» كثيرة في نصه الأبداعي الرائع:

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved