Wednesday 3rd July,200210870العددالاربعاء 22 ,ربيع الثاني 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

اعرف نفسك أولاً قبل أن تحاور الآخر اعرف نفسك أولاً قبل أن تحاور الآخر
عبدالله بن ثاني

يؤكد الأنثربولوجيون (خبراء الإنسان) ان الثقافة طريقة للإدراك والإيمان والتقويم والسلوك، وأن ثقافة الشخص تحدد طريقته في التفكير والشعور، ولذلك تعجب أشد العجب أن يقف المتنورون أمام جهود الاستيعاب التي تساعد على خلق بيئة ترتكز على الأنماط الثقافية المتعددة وتحترم الحوار الحرّ في ظل مزج فكري يتجاوز الاختلافات العرقية والعصبيات المذهبية مع الاحتفاظ بالهوية الخاصة ومحاولة الوصول إلى نقاط الالتقاء دون تشنج ومصادرة الآخر.
إن اختزال القضايا وقراءتها بعين عمياء قراءة خاطئة بعد صبغها صبغة شرعية تؤدي إلى الإقصاء الفكري في ظل كيان هشّ غير محصن ويسقطها عند أول تجربة لأنه سلطوي لا يؤمن باختلاف وجهات النظر، بل إنه يسعى بكل قواه إلى السحق والصلب والاستئصال والتكفير لمجرد المحاولة، وكأن الواقع إيكاروس الذي حاول الفرار من السجن بتثبيت جناحين على كتفيه، وللأسف لم يدرك أنهما مزيفان؛ لأن الريش ثبت عليهما بواسطة الشمع، لمّا حاول الطيران إلى الأعالي أذابت الشمس الشمع فسقط كما سقط الواقع في البحر، ليصنع الساديون من عظامه صولجانا ومن أنقاضه عرشاً يتربعون عليه من خلال تزوير الشهادات واستبدال الحقائق التي هي أصبحت أيضا بحاجة إلى تعريف كالمقاومة والنضال والإرهاب والصراع، كل ذلك في عزل للعاطفة عن العقل، لنعيش في حاضنة مهمتها الأولى تفريخ الإحباط واحتراف التضليل، وتريد أن تنجز مشروعها القومي ولو بأبشع صورة عن طريق عمليات الإبادة الفكرية في الجانب الآخر، وتحوّلت الأمة بفعل الهيمنة إلى طائر (دمونتيني) الذي له رأسان، يحاول كل منهما الطيران ببقية الجسم في الاتجاه الذي يراه، و لم يكتف بذلك بل شحن مؤيديه بميكافيلية تبرر غاياتها الوسائل في فصول تلك المسرحية الأخطبوطية وأبطال هم سبب الفشل والخيبة، والقضية الكبرى أنها تعرض كل يوم بتفاصيل جديدة، وربما هي المسرحية الوحيدة التي يتولى نقدها الأدبي أبطالها الذي لا يجيدون إلا فن الرقص ليمثلوا بأسلوبهم الفج حاجزاً حصيناً يعرقل أيّ نمو مَدَنيّ في الذاكرة الفكرية حتى تقدسّوا على شكل رموز في المناسبات الوطنية والشعائرالدينية ليصدروا للعالم أنَّ ثقافة هذا المجتمع وهذه الأمة لا تتعدّى أن تكون على هذه الطريقة المتخلفة، بإيعاز وتأييد من ذلك المثقّف الفاشل الذي لم يستطع تحويل وعيه الطارىء إلى خطاب ثقافي يدعو إلى التحليل والتأمل في مَسْعى مثالي ينهض بالأمة عن طريق النص الأصيل والفكرة المشرقة والموقف النبيل والوطنية المُثْلى التي تساعد على نسج كيان وحدوي لا يمكن اختراقه من قبل فيروسات التجديد الخارج عن تعاليمنا وثوابتنا، حين تدفع بالواقع إلى الهيجان والاضطراب وهي لا تشعر أنها ترتكب العقوق والآثام في حق الوطن الأمّ عندما تستخدم آلية لا تؤيدها العقيدة ومصلحة الأمة الباحثة عن الأمن والاستقرار، بل إنها قبل ذلك قد تَغَذَّتَ على مائدة الفكر الوافد بشكلية الحركات المتطرفة والعلمانية في لحظات غيبوبة دمَّرَتْ كل القيم والتصورات الإسلامية والثوابت الشرعية ،عندما حوَّلت الدين الإسلامي إلى فلسفة وطلاسم ورموز أصعب من نظرية إينشتاين النووية والتي لو عرض عليها الأئمة والصحابة والسلف الصالح لما وَسِعَتْهم من صعوبتها وبُعْدها عن عالم الواقع.
لقد صدق من حدَّد وظيفة المثقف بأنها ليست شيئا آخر سوى وظيفة إنتاج المجتمع نفسه من حيث هو آلية تختص بجمع وتوحيد الأجزاء والعناصر التي يتألف منها وبث روح المجموعة فيها وتحويلها بالتالي إلى كائن حيّ قادر على الحركة والتنظيم والتحسين والإصلاح.
ومَنْ يرصد الحركة العلمية والثقافية يقف على قرصنة الفكر وسرطنة الثقافة مما يشكل خطراً حقيقياً يهدد المنجزات الوطنية والمشروعات الحضارية لأمّةٍ لم يمر عليها في تاريخها العظيم مثل هذا التدجين والدفع إلى الانقراض على الرغم من كل ما يعج به هذا الكون من الضواري والمخالب ابتداءً من غطرسة كفار قريش وانتهاء بغطرسة يهود إسرائيل.
والكارثة التي تدفع الأمة للهاوية تتمثل في سلطة التفسير المتطرف وتعميم النموذج الشخصي بإعطائه شرعية دينية من خلال عسف النصوص التي لا يمكن أن تساعد على تنوير العقول في ذلك الكتاب وتلك القراءة، وبالتالي يصعب تأثيرها في أفراد بيتٍ يتحاورون بالصمت المتبادل منذ قرون.
وإذا ما كان هناك حوار فإنه صورة من صور المونولوج الشعبي الراقص في ظل صممٍ مفتعل يعم أرجاء ذلك البيت الإسلامي الذي تراكمت القاذورات على عتباته مما سبّب أوراماً سرطانية في حواس أفراده الذين لم يقبلوا علاج الأشعة الكيماوية خشية سقوط شعرهم الناعم المدهون بزيت الجرجير والنارنج ولم تؤمن خلاياهم المتسرطنة بإجراء عمليات الإزالة بمشرط يختلف عن ذلك المشرط الذي سنّهُ الخوارج والمرتزقة والثوار والعسكر على جماجم خلفاء هذه الأمة وعلمائها ومفكريها منذ القرن الأول الهجري وحتى يومنا هذا، ولابدّ من تعقيمه وطهارته من أدران عصور التخلف والفلسفة والانحطاط والتبعية حتى يتجاوز كل نقاط العبور التي زُرِعَتْ في تاريخ هذه الأمة التي أُريد لها أن تكون على هذه الشاكلة وبهذه الطريقة المختلفة؛ لأنها تشهد طوفاناً فكرياً يشمل أبعد كوخ في هذه اليابسة بعدما تَكَبَّدتْ سماؤها بسحب العولمة التي لا تؤمن بالسيادة والحدود والخصوصية لأي جزء من هذا الكوكب الذي يشعر بالغثيان والدوار جراء مواقف لا تفسير لها ولو تجاوزت في التماس العذر الآلاف، وقد تجمهر سكانه حول مشهدٍ لا يختلف عن مسرحيات اللامعقول في حضرة السرطان السياسي، ويفوق ألف مرة مسرحيات صموئيل بيكت ودونسكو وأداموف رواد مسرح اللامقعول، وللأسف ينمو ذلك الجمهور نمواً فوضوياً يتورّم بمزاجه في خلايا منتصف الدماغ، ولم يدرك يوماً أنّ الطعم المقدم له في تلك المشاهد مسلوخ من لحمه وعظامه. إن من يجهل نفسه وتفاصيل حياته يتعذر عليه عقد صفقات ثقافية مع الآخر الذي حدّد طريقته في الحياة بدقة متناهية، فأي تعايش وحوارٍ لأمة لم تلتمس الأعذار لبعضها أوصلت دينها إلى مائة إسلام، كل فيها يدّعي وصلاً بليلى فكفّرت ولاتها وخرجت على ثوابتها وقتلت خلفاءها واتهمت علماءها بالمداهنة وأفرزت بسبب هيمنتها جماعات وفرقاً مختلفة تسعى إلى سحق الأشقاء، وفتّ عظامهم وبثها في يوم عاصف يؤكد أن التفاهم مع الذات والآخر صعب بسبب ما تشوّه من الفكر الإسلامي على يد أولئك المخترقين الذين تقمصوا دوراً أكبر من حجمهم وباختصار (من يجهل نفسه لن يتقن معرفة الآخر ،كما قال سقراط :اعرف نفسك أولاً) لأنّ الأمة قد سلمت مفاتيحها لذلك الآخر المكتشف دهاليزها والخبير في أسرارها حتى حل قضاياها المحورية وشارك في صياغتها عن طريق دعم الماسونية والاشتراكية والعلمانية والأحزاب المتطرفة، وكان عينها التي تقرأ بها الحديث والتفسير والشعر والتاريخ والجغرافيا واللغة ودواوين الشعراء، ولم يكتف بذلك بل إنه أصبح وصيّاً شرعياً أسقط الأمة إلى درجة سفلى تؤيد الرسوم البيانية عن منسوب الديمقراطية المُصَنَّعة في أوطاننا، والتي تصدرها أروقة البيوت الملونة، وحسب مصلحتها ،قد يكون ديمقراطي الأمس دكتاتور اليوم والعكس، وفق قراءات موسمية تمنح شهادات حسن السيرة والسلوك للأنظمة بالمزاج الكولونيالي الاستفزازي ،دون نظر لإرادة شعوب المنطقة وشرعيتها في مرحلة بلغت ذروة التوحش والتنكيل المطوّر بنزعة الشر السادية تجاه الجنس البشري في جمهوريات عربية تسقط عند مقارنتها بجمهورية ديزني التي يحكمها مزاج الأطفال، مما عرّى كل الجهات التي هجّرت الإنسان من ذاكرة الإبداع إلى غدة الدمع في عالم من اللصوصية والهولوكست والنازية المتجردة من المحتوى الحضاري والعبقرية لأمةٍ تؤمن منذ فجرها الأول بطرد الغزاة والجلادين والطارئين والجنرالات ولو بأغصان الزيتون والتين والحجارة والتبرع والقصيدة والرجم وبالكتب الصفراء المملوءة بالانتصار والأحداث من أجل تسجيل موقف مشرف يليق بهذه الأمة.
والله من وراء القصد

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved