Wednesday 3rd July,200210870العددالاربعاء 22 ,ربيع الثاني 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

العولمة والتحولات الإستراتيجية العولمة والتحولات الإستراتيجية
لبنى وجدي الطحلاوي

بعد زوال السياسات التي عاشها العالم في غضون الحرب الباردة بين المعسكرين الامبريالي والاشتراكي ظهرت سياسات التكتلات الاقتصادية كنوع من الاندماج الإستراتيجي لهيمنة سياسة القطب الواحد على العالم والتي تتمثل بالولايات المتحدة الأمريكية التي تمارس أكبر خدعها الإمبريالية «العولمة»، لتجريد العالم من خصوصياته والتدخل في الشؤون الداخلية للدول واختراق جميع الحصون والقلاع القومية والوطنية واختراق سيادتها واقتصادياتها لتتمكن من الهيمنة على العالم، محاولة إقناع العالم بأنه لا بديل عن العولمة وأنها لغة العصر فهذا يعني الإقرار بأننا نشاهد نهاية للجغرافيا فلا مكان منعزل ولا وطن مستقل، ولا ثقافة محصنة، لقد باتت العولمة تحطم سيادات الدول وقوانينها وحدودها وأسواقها وجهازها الإعلامي من خلال اختراقها ليس للحدود فقط بل للفضائيات الكونية مثل «الإنترنت والفضائيات»، وشركات عابرة ليس للمجالات فقط بل عبر القارات، وهناك تيارات مناوئة للعولمة بشدة ترى أنها دكتاتورية للسوق ستؤدي إلى 20% من سكان الأرض سينعمون بالعمل والرفاهية والترف والغنى بينما 80% من سكان الأرض سيعيشون البؤس والفاقة والمعاناة والقذارة، فهل ستكنس العولمة أولئك الذين يتخلفون عن ركبها فترمي بهم في مزبلة التاريخ؟
لقد ظهرت عدة تيارات مختلفة على الساحة العالمية منهم من يحول كبح جماح العولمة والوقوف ضدها بقوة مبرزاً غاياتها ووسائلها الخطرة والشريرة ومنهم من يعزز خطوتها ويبارك أفكارها إلى حد التطرف فربما كتاب «صدام الحضارات»، لصمويل هانتغتون، أبرز مثال على ذلك فهو يجد أن المجتمعات غير الغربية عليها أن تتخلى عن ثقافتها الخاصة وتتبنى جوهر عناصر الثقافة الغربية إذا أرادت أن تتحدث «لغة العصر»، فإن أصرت المجتمعات تلك على الحفاظ على هويتها وثقافتها فلابد لها من التصادم والانهيار في مواجهة العولمة والواقع لجهلها بلغة العصر.
وأغفل هانتغتون جميع الحقائق والوقائع المدونة على مر التاريخ بأن الثقافات والحضارات تظل حية تتغير وتتحول عبر القرون والعصور وتتطور وتتأقلم مع ما يتطور ويجد في العالم.... لكنها أبداً لا تموت، فما يمتلكه العالم الآن من تطور تكنولوجي ووضع حضاري لم يكن له أن يكون لولا مخزون الثقافات المتعددة والحضارات المختلفة السابقة للأمة العربية والإسلامية أولاً والعالم ثانياً.
كما طرح مفهوم «فخ العولمة»، من قبل الكثير من أصحاب التيارات المناوئة للعولمة لاعتبارهم العولمة صورة جديدة من أشكال الاستعمار غير المتعارف عليها في السابق، يذكر الصحفي الأمريكي توماس فريدمان في مقاله الذي تحدث فيه عن رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد ووزير مالية أمريكا روبرت روبن في الاجتماع السنوي لمجلس محافظي المصرف الدولي وصندوق النقد الدولي في «هونغ كونغ»، أنه هاجم مهاتير محمد العولمة وشرورها وأشهر المضاربين في أسواق العملات العالمية والأسهم أمثال جوج سورس، وانتقد القوى العظمى لإجبارها بعض البلدان الآسيوية على فتح أسواقها للمتاجرين في العملات والأسهم من أجل تدميرها اقتصاديا والقضاء على قدراتها للمنافسة في الأسواق العالمية... إلى آخره من أمور خطيرة، كما أجاب عن ذلك وزير المالية الأمريكي روبرت روبن بأن العولمة ليست خيارا وإنما حقيقة واقعة ولا يوجد اليوم سوق سوى سوق العولمة.
ويرى خبراء الاقتصاد الدولي المعتدلون في العالم أن هذا المفهوم للعولمة يختلف شكلا ومضمونا عن قوانين وأسس الاقتصاد الدولي فالأنظمة الاقتصادية المتعارف عليها في العالم تركز على علاقات اقتصادية بين دول ذات سيادة وقد تكون هذه العلاقات منفتحة كثيراً أو قليلا في مجال التجارة والاستثمارات المباشرة وغير المباشرة ولكن يبقى للدول دور كبير في إداراتها والتحكم في اقتصادها ومن ثم الحفاظ على سيادتها فبذلك تشكل الدولة العنصر الأساسي في مفهوم الاقتصاد الدولي، بينما في مفهوم العولمة تشكل التكتلات «الشركات الرأسمالية»، العنصر الأساسي في مفهوم الاقتصاد الدولي، فهذه الشركات الضخمة تتجاوز قيمة المبيعات السنوية لإحداها الناتج المحلي الإجمالي لعدد من الدول المتوسطة الحجم ونظرا لحجم استثماراتها المباشرة وغير المباشرة في كثير من دول العالم فإنها قادرة على الحد من سيادة هذه الدول فإذا رغبت دولة ما في القيام بأي سياسة فيمكن أن تؤثر سلبا في أرباح أحد فروع تلك الشركات الكبرى قامت الشركة الأم بإغلاق الفرع ونقله إلى بلد آخر بمثابة عقاب لها واحتجاج صارخ عليها لإلغاء نفوذ وسيادة هذه الدولة، كما تقوم الشركات المالية الكبرى العابرة للقارات كالمصارف وشركات التأمين وشركات الاستثمارات الكبرى وغيرها.. بدور الشرطي الذي يؤمن التزام الدول المضيفة لهذه الاستثمارات بمعايير أداء معينة فإذا لم تلتزم الدولة المضيفة بهذه المعايير ذهبت عنها الاستثمارات غير المباشرة مما يؤدي إلى انخفاض أسعار عملات وأسعار أسهم وسندات الدولة المضيفة لهذه الاستثمارات ومن ثم انخفاض احتياطي مصرفها المركزي من العملات الأجنبية وحدوث إفلاسات مالية مما يضطر هذه البلاد إلى أخذ القروض من صندوق النقد الدولي، والشواهد كثيرة على ذلك، مثل ما حدث في أزمة المكسيك عام 1995م وما حدث مع ماليزيا وإندونيسيا وتايلاند وكوريا الجنوبية عام 1997م، مما أدى إلى تزايد مديوناتها لصندوق النقد الدولي ومن ثم تخليها عن جزء كبير من سيادتها.
كما يواجه العالم العربي والإسلامي معضلات خطيرة إثر انهيار التوازن الدولي وظهور سياسة القطب الواحد وتبلور النظام العالمي الجديد «العولمة»، والمتغيرات التي تطرأ فجأة على الساحة وبشكل متلاحق وسريع مما يحول دون التمكن حتى من متابعتها، والمشكلات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، منذ أن وضع الكيان الإسرائيلي في قلب الأمة العربية، وتداعيات ذلك على المنظمة منذ أكثر من نصف قرن من الزمن، إلى جانب غياب رؤية إستراتيجية موحدة سياسية وإعلامية واقتصادية.. إلى آخره من الأمور الجوهرية والحيوية والمهمة والغائبة عن الساحة العربية، وفي غياب ديناميكية أسرع لآليات العمل العربي وفي غياب تفعيل الكثير من الأدوار والقرارات المهمة فيما يخص قضايا أتنا من جهة وما يخص العولمة من جهة أخرى.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved