يرى البعض أن المستقبل أصبح في متناولنا، فالأشياء التي نملكها تقودنا إلى تحولاتها ومصائرها. لم يعد هناك اختراعات كبرى جديدة كما حصل في القرن العشرين. والبعض الآخر يرى أن العالم مقبل على ثورات ستجعل من الأشياء التي نملكها مجرد أدوات بدائية.
بالنسبة لي المستقبل مليء بالأشياء المدهشة والمثيرة والرائعة. يكفي أن ننظر إلى الماضي لنعرف تطور الحياة الإنسانية على كافة الأصعدة.
قبل أكثر من عشرين سنة كان أحد أصدقائي يردد: «مساكين الأولين، كيف كانوا يعيشون بدون جرايد بدون تلفزيون بدون سيارات....»، ويستمر في تعداد عشرات من المخترعات وأساليب الحياة التي كان يفتقر لها الأولون. ولكن في غضون عشرين سنة فقط تغيرت الحياة الإنسانية، فبدلا من قناة واحدة يمكن أن تشاهد مئات المحطات وبدلا من جريدة واحدة أصبح الإنسان قادرا أن يقرأ كل الجرائد في العالم. كان السفر إلى الخارج حكرا على الأغنياء أصبح الآن في متناول الجميع . وتطور الطب رغم انه محدود لكنه مذهل إذا قارناه بالماضي. أما التقدم الذي حل بالاتصال فقد فاق كل الأحلام. كنا نعتبر امتلاك تلفون سيارة نوعاً من الترف لا يقوى عليه سوى الأغنياء أو السفهاء. أصبح الجوال في يد العمال والأطفال بالإضافة إلى السفهاء أيضا. كان الكمبيوتر سرا من الأسرار العظيمة نتحدث عنه بكل إجلال أصبح الآن من الكماليات في كثير من المنازل.
عام 93م دخلت محلا لبيع أدوات الجاسوسية المتنوعة في نيويورك. شفت العجائب دربيل يكشف الرؤية في الظلام. كاميرا دقيقة تصور في الظلام مسجل لا يتعدى حجمه أكثر من رأس قلم صغير يلتقط ما يدور على بعد عشرات الأمتار. أصبت بالذهول وتخيلت أن هذه المخترعات إذا تم تعميمها ستجعل العالم مكشوفاً. تختفي معها الخصوصية الفردية. فالكاميرا مثلا يمكن أن يزرعها عامل صيانة المكيفات أو الخدامة في غرف النوم «وتفرج!!» والمسجل يمكن أن يلتقط ما يدور بين النساء في داخل البيت من الشارع «أسرار الدول العظمى». لم تعد هذه المخترعات الآن خاصة بالجاسوسية. أصبحت الآن مشاع بين الناس وبتراب الفلوس. ولكن الشركات لم تركز عليها لأنها لا تحقق أرباحاً كافية. فمن هو المحتاج أن يسمع ثرثرة حريم خلق الله في الدول الأوروبية وأمريكا. من هو الذي في حاجة إلى أن يصور الناس في غرف نومها. فعدد المهووسين في العالم لا يغطي تكاليف الإنتاج. فبقيت من حسن حظنا محدودة الانتشار. ولكن الشركات الكبرى لا تتريث كثيرا عند الأخلاق الحميدة مع الأسف. وإذا لم تجد حاجة لمخترعاتها أعادت تشكيل ثقافة الناس الاستهلاكية لتصبح هذه المخترعات حاجة. ولكن يبدو أن لديها أولويات عندما تنتهي منها ستلتفت إلى هذه الاتجاهات.. وأتوقع كما يتوقع كثير غيري أن يصبح الجوال هوية المرء. ليس مجرد أداة اتصال أو تصوير أو لاقط صوت. في السنوات القليلة المقبلة ستنحصر شخصية المرء فيه. سيكون هو الجواز وحساب البنك والملف الصحي وبطاقة الأحوال. بالإضافة إلى الاستخدامات الأساسية والترفيهية الأخرى. حيث سيصبح هو الكاميرا والمسجل والقلم. وليس جوال الكاميرا الذي أفزعنا إلا إرهاصاً «بدائياً» للجوال الحقيقي الذي سوف نراه بعد سنوات قليلة جدا.
وحا حلها يا ابن سلوم.
فاكس : 4702164 |