نسمع دائماً من رؤساء الوفود الرياضية، ومن مدربي الفرق المشاركة في المونديال، ان الفوز في المباريات ليس الهدف الاول لهم، بل ان اعطاء الصورة المشرقة عن البلد الذي جاء منه هذا الفريق او ذاك، هو الغاية التي تمثل اولويات المشاركة.
ولا يطول امد هذه الادعاءات كثيراً، فبمجرد خسارة اي فريق لمباراة واقصائه عن التصفيات، ينسى الجميع ما قالوه، وتبدأ «المناوشات» الصحفية وتمتلئ الشوارع بأعمال الشغب، ويتطور الامر الى مواجهات كثيراً ما كانت دامية ولست في حاجة الى التذكير بالجمهور الانكليزي او الالماني او التركي بهذا الخصوص.
وحدها اليابان اثبتت ان كرة القدم عامة، والمونديال خاصة، لقاء انساني، وسلوك حضاري. فقد خرجت - وهي البلد المستضيف لكأس العالم - ولم تتحطم واجهات المحلات في طوكيو واوساكا وغيرهما، ولم تنتشر اعمال السلب او النهب في شوارعها، ولم تضطر الشرطة اليابانية الى فتح مخازن قنابل الغاز المسيلة للدموع. لم يحدث أي شيء من ذلك أبداً. فقد ودع اليابانيون المونديال بدموع غزيرة، لكنها لم تكن بتأثير القنابل، ولا بسبب سوء الأداء الياباني في الملاعب.
فاليابانيون يعلمون تماماً حدود امكانياتهم، وطموحاتهم، ولا يطلبون المستحيل.
هذه هي القاعدة التي تعامل معها كل اليابانيين مع فريقهم المشارك في نهائيات كأس العالم.
لم يكن ذلك وحده هو السبب في السلوك الياباني الحضاري، ولم يكن ذلك وحده الذي وقف وراء اعتبار اليابان بلداً فريداً في سلوكه الانساني. لاحظنا جميعاً ظاهرة تكاد تكون الاولى في تاريخ كرة القدم العالمية، حيث خصصت اليابان مئة الف مشجع ياباني ليؤازروا الفرق الوافدة التي لا تملك جمهوراً عريضاً أو كافياً للوقوف وراءها. من اجل ذلك كانت مدرجات الملاعب دائماً مملوءة بالجماهير. صحيح انها جماهير يابانية، لكن المتابع الجيد كان يرى وبوضوح ان اعداداً هائلة من اليابانيين تلوح بأعلام الفرق الاخرى، حتى وإن كانت المباراة ضد الفريق الياباني.
من أعجب اللقطات التلفزيونية وأغربها، وأقواها معنى تلك التي رأيناها في مباراة تركيا واليابان، التي انتهت بإقصاء الفريق الياباني من المونديال ومع ذلك، وبعد اطلاق الحكم صافرة النهاية، كان عدد كبير من اليابانيين واليابانيات يرفعون، الأعلام التركية، ويحييون اللاعبين الأتراك، حتى ودموعهم تسيل على عرض وجوههم أسفاً على خسارة فريقهم.
اليابانيون خرجوا من النهائيات، لكنهم وضعوا ابجديات وبدايات جديدة لكرة القدم العالمية، أرجو ان تقرأها المانيا جيداً، قبل انطلاق صافرة الحكم معلناً بداية مباراة افتتاح المونديال في العام 2006م، كما وآمل ان يُدرج السلوك الياباني منذ الآن في مادة تعليم وتثقيف التربية الرياضية المستقبلية، كي لا تضطر الشرطة الالمانية، او غيرها في بلدان العالم ان تلجأ الى مخازن القنابل المسيلة للدموع لقمع الشغب والمشاغبين.. وتاليتها؟!!!.
|