لا يضيف جديدا ان يحضر نائب الرئيس الأمريكي الاجتماع الأمني المغلق الذي هو حلقة ضيقة من الوزراء المختصين.. فالتحالف الاستراتيجي بين أمريكا واسرائيل ليس دعوى يبحث الناس لها عن دليل، بل حقيقة قائمة لا يرقى إليها الشك، وليس مهما ايهما في قبضة الآخر، وأيهما ذيل الكلب أو رأسه. المهم، كيف يتعامل العرب والمسلمون مع هذا الواقع؟ إن أمريكا ملتزمة بأمن اسرائيل وتفوقها الاستراتيجي على حساب الجانب العربي والإسلامي، بينما مصالح أمريكا الاقتصادية كلها في الوطن الاسلامي، واسرائيل عبء على الاقتصاد الأمريكي، وابّان ضرب افغانستان بدت أمريكا وكأنها تعدل من لهجتها، وتتحدث عن دولة فلسطينية، وكأن الهدف منع الصراع العربي الإسرائيلي من أن يؤثر سلبا في مجرى الحرب على الارهاب كما تسميها، وعلى ذلك مارست الحكومة الإسرائيلية تصعيدا خطيرا، واغتيالات بالجملة، ومزيدا من الاحتلال، وضغطا حتى على المؤسسات الرسمية للسلطة، ولم تحرك مشاهد القتل والدمار، ولا دموع الثكالى، ولا جثث الصغار أي ساكن في نفسية رجال الادارة الأمريكية فالطرف الفلسطيني هو الظالم الذي يطلب اليه ضبط النفس، والتوقف عن ممارسة العنف والارهاب وحتى بعض المثقفين من أمثال «هنتينجتون» يعدَّون ما يجري حربا يشنها المسلمون ضد اليهود، كما في مقاله «عصر حروب المسلمين» المنشور في نيوزويك، في عددها السنوي الخاص ويبدو ان ضربة محتملة على العراق تحمل أمريكا على تهدئة مؤقتة للقضية على غرار ما جرى في الحرب على أفغانستان، واسرائيل تعي أهمية هذه التهدئة من أجل القضاء على قوة عربية مجاورة، واحداث المزيد من التفكك والانهيار في الأمة المسلمة، وتعريضها لخطر التمزق والحروب الداخلية ان اسرائيل والغرب يتعاملون مع العرب والمسلمين تعاملا يقوم على الازدراء والتحقير، وهم يعتقدون أن ما يقوله المسلمون - قادة وشعوبا - لا يمكن ان يؤخذ مأخذ الجد، وأنه لا شيء يقنع العرب والمسلمين مثلما يقنعهم استخدام القوة والحسم، وقد يكون من الاستثناءات القليلة التي حققت نجاحاً مبهجا في واقعنا الأليم: الانتفاضة الفلسطينية المباركة التي جعلت الآلة الاسرائيلية المتفوقة تترنح أمام مطارق الأبطال الذين باعوها رخيصة في سبيل الله، ولذلك ظلت الانتفاضة رقما عصياً على العدو، وورقة رابحة في أيدي المخلصين، وجرب اليهود سياسة لي الذراع والامعان في العسف، فما نجحوا، ولا أفلحوا ومن حق الأمة والشعب الفلسطيني خاصة - علينا جميعا ان نشيد بهذه الانتفاضة ونقف وراءها جميعا صفا واحدا، ويدا واحدة، وان نعدها دليلاً على ان هذا الشعب أمين على أرضه، وجدير بها، ومن أبرز معالم النجاح الفلسطيني في ادارة المعركة على أرض الاسراء والمعراج ما يلي:
1- لقد نجح الفلسطينيون في تحديد ميدان المعركة، وهو الأرض المحتلة، فصراعهم هو مع من سلبوا أرضهم، وهدموا منازلهم، وقتلوا أطفالهم، وشردوا رجالهم، وبهذا حفظوا قوتهم من التشتت والتفتت، ولم ينقلوا المعركة جديا إلى ميادين أخرى.
2- نجحوا في ادارة المعركة وتوليها بأنفسهم، فالشعب الفلسطيني وحده يقاتل في أرضه، والشعوب المسلمة من ورائه بالدعم والمساندة والتأييد، وهذا أحفظ للقضية، وأبعد عن اختلاف الرؤية من دخول عناصر من شعوب أخرى للحرب والمواجهة العسكرية المباشرة مع العدو المحتل.
3- نجحوا في حفظ وحدتهم وضبط اختلافاتهم، التي هي جزء من المشهد الاسلامي في كل مكان، لكن الإخوة في فلسطين نجحوا في تحجيمها والتعامل معها، بحيث لا تفضي الى صدامات تستنزف طاقاتهم وتريح عدوهم. ولايشك من عرف اليهود وحيلهم وألاعبيهم انهم بذلوا ما يشبه المستحيل في دق اسفين الخلاف بين الفصائل الفلسطينية، ولكنهم فشلوا لحد الآن، وهذا - في تقديري - ربما كان من أهم أسباب النجاح، وربما كان هذا ما يفسر الضغط الهائل الذي تمارسه اسرائيل على السلطة الفلسطينية، اذ قد يعتقدون ان هذا الضغط يفضي الى انشطار في الصف الفلسطيني يجعل سهامهم موجهة الى نحورهم.
4- نجاح آخر لا يقل أهمية عما سبق، هو شمولية العمل الفلسطيني وعدم انحصاره في العمل العسكري، فالشعب يحتاج الى الاغاثة، والى التعليم، والى العمل، والى التربية، وهذه الشمولية ضرورية لنبقى قريبين من نبض هذا الشعب، متحسسين لآلامه، مشاركين في معاناته.
5- وثم نجاح خامس، وهو القدرة على المواءمة بين السياسي والعسكري، فهما مترابطان لا ينفكان، والعملية العسكرية لكي تكون مثمرة تحتاج الى قراءة صحيحة للأجواء المحيطة، والتخيير بينها وبين العملية السياسية يحتاج الى ذكاء ووعي، لقد أحسن الفلسطينيون التوقيت، وأثبتوا في هذا الظرف العصيب من تاريخ الأمة أنهم أمناء على القضية، وانهم أحق بها وأهلها وان من الصبر معهم ان تظل شعوب المسلمين عصية على التطبيع مع العدو الغاصب، وفية لشهداء فلسطين ومجاهديها رجالا ونساء، وسيكون لنا مع موضوع التطبيع حديث خاص، ان عاما واحدا يكلف العدو أكثر من ملياري دولار، أي: ما يعادل 5 ،2% من الناتج القومي. وحسب تقرير «البنك المركزي الصهيوني» فإن المعدل الانتاجي العام انخفض بنسبة 6% منذ بداية الانتفاضة، في حين ان المعدل الصناعي بنسبة 11% وتأثرت بشكل جاد المصانع وأدوات النقل وأجهزة الاتصال، وكثير من مبيعات السلع، والمواد الاعلانية، وقطاع السياحة، والتجارة، والزراعة وغيرها، وهناك خسائر الأرواح التي تقدر بالمئات، فضلا عما تحدثه الانتفاضة من آثار نفسية سيئة تحمل الكثير من اليهود على الهجرة المعاكسة. فدعونا في زمن التشرذم والانشقاقية نوجه تحية صادقة لهذا الاصطفاف الموحد في مواجهة الطغيان اليهودي والطغيان الامريكي، ولهذا النجاح الاسلامي الذي جاء في وقت تعاظمت فيه الاخفاقات، وتفاقم اليأس وعز النصير.
الى المدى أنت أهدى
وبالسراديب أعرفْ
وبالخيارات أدْرى
وللغرابات أكشفْ
وبالمهمَّات أمضى
وللملمَّات أحصفْ
فلا وراءك ملْهى
ولا امامك مصرفْ
ولا من البعد تأسىَ
ولا على القرب تأسفْ
لأن همَّك أعلى
لأن قصدَك أشرفْ
لأن صدرك أمْلى
لأن جيبك أنظفْ
قد يكسرُونك لكن
تقوم أقوى وأرهفْ!
قد يقتلونك تأتي
من آخر القتل أعصفْ
لأن جذْرك انْمى
لأن مجراك اريَفْ
لأن موتك احْيا
من عُمْر مليون متْرفْ
فليقذفوك جميعا
فأنت وحدك اقذف
فيتلفون ويزكو
فيك الذي ليس يتلَفْ
لأنك الكل فرداً
كيفية لا تكيَّف
شكرا لك ايها الشعب الجدير، واذا لم تقف معك شعوب الاسلام في كل مكان فلا خير في العيش اذاً..
|