أتابع باهتمام كبير سلسلة المقالات التي ينشرها الشيخ سلمان العودة في جريدة «الجزيرة» بصورة أسبوعية لسببين:
1 لأن هناك الكثير من القصص والحكايات التي كان يتناقلها المجتمع عن سيرة حياته وطروحاته الفكرية فكانت متابعتي من باب الفضول والعلم بالشيء.
2 السبب الآخر طريقة الطرح العميقة الجذابة «شديدة الالتصاق بالواقع» التي يقدمها، فالشيخ العودة يرفض الانخراط في الجوقة التي باتت تكرر كلاماً معروفاً وبائتاً، لتهتم بالعموميات دون الخصوصيات، مع التحليق في مثاليات منقطعة عن واقعها، فيستبدلها الشيخ العودة ببحث دقيق وتبحر في الصيغ التراثية ليخرج منها نوعا جديدا من الرؤية والاجتهاد المدعم بالشواهد من القرآن والسنة والتراث الشعري.
وقد كتب في مقال له الأسبوع قبل الماضي حول العمليات الاستشهادية وقضية الارهاب على المستوى العالمي، بعض الشروط التي يجب توفرها لإعلاء كلمة الجهاد، وقد فرَّق بين أنواع الكفار ذلك التفريق الدقيق الذي يجب ان نهتم به ونتوخاه فقال «إن الكفار أنواع منهم المحاربون، ومنهم المسالمون، ومنهم المستأمنون، ومنهم الذميون، ومنهم المعاهدون وليس الكفر مبيحاً لقتلهم بإطلاق، بل ورد في الحديث الصحيح عن عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاماً» رواه ابن ماجة.
هذا الطرف المغفل والمسكوت عنه في كثير من الأحيان هو بالضبط ما نحن بحاجة إليه في ظل عالم يتشابك وتتقاطع مصالحه ويتبدل ليتحول إلى صيغ متقاربة ومتشابهة لا بد من أفرادها ان يخلقوا من خلالها صيغا للتعايش السلمي المتقبل للآخر لحدوده وآفاقه وما يشكل هويته الإنسانية المختلفة عنا بالتأكيد.
وإن كان الشهيد الفلسطيني هو الشهيد المشعل النبراس والضوء الذي يدافع عن أرضه وعرضه وفي نفس الوقت يضيء لهذه الأمة ومضة في ليلها الدامس فإننا يجب ان نفطن أيضاً إلى ان طبيعة العصر تتطلب استراتيجيات أوسع وأكثر انفتاحاً ووعياً في التعامل مع الآخر، نقدمها من خلال وعينا بذاتنا وهويتنا العقائدية، ولكن مع الاهتمام بالعصر وطبيعته المعقدة وصلاتنا اللا متناهية واياه سواء على المستوى العلمي أو التقني أو الاقتصادي.
فأرجاء العالم تتقلص.. ولا بد أن نجد لنا موقعاً يليق بنا فيه، لا سيما وأن أحداث سبتمبر النزقة الصادرة عن عقليات موتورة ومحدودة الرؤية وتفتقد الأناة وعمق الرؤية، قهقرتنا عشرات السنين إلى الخلف، وأطرتنا في أطر سياسية وإعلامية اعتقد اننا «وعموم المسلمين» بحاجة إلى سنين طويلة لنتخلص منها، لنقذف بها إلى مزبلة التاريخ، ولنخرج إلى العالم الوجه الحقيقي للإسلام وجهه المشع العظيم وأذرعه الكبيرة التي تحتوي جميع الشعوب والقبائل والألوان والأجناس.
أما سوى ذلك من الطروحات التي تلهب دماء بعض الشباب محدودي التجربة والخبرة فمآلها هو أسوأ مآل، ويجب ان يؤخد على يد مؤججها، ذلك الذي يهدر دماء المسلمين في حروب خرقاء مع أعداء وهميين، وحروب لا قِبل للمسلمين بخوضها، والتورط بتبعاتها المدمرة التي تغرق السفينة وجميع ركابها.
|