حلقات صورها ويكتبها:حمّاد بن حامد السالمي
* نأخذكم اليوم، في رحلة قصيرة إلى بلاد العيلة، إلى جنوبي الطائف، والقمم التي تكاد تكون هي أعلى قمم السراة الوسطى بين الطائف وتهامة فإنك إذا اعتليت قمة من هذه القمم؛ أمكنك مشاهدة الطائف وبعض من أجزاء مكة وجدة والشعيبة والليث وجزءاً من طريق الجنوب.
* تمت هذه الرحلة؛ يوم الخميس الموافق للحادي والعشرين من شهر محرم 1423ه. ففي الصباح الباكر؛ تحركت من الطائف في سيارة جيب، وكان معي الأخ جابر الجعيد من محافظة الطائف، والأخ عويمر بن عقيل العيلي من أبناء قبيلة العيلة.
سلكنا طريق الشفا، ومن مفرق متنزه الحدبان، انحرفنا مشملين، لنستلم بلاد بني عمر من بني سفيان من أسفلها. ولأن الفصل كان ربيعاً؛ فقد كانت الشمس دافئة والأرض شبه مبللة بالندى، والاخضرار يزحف على سفوح الجبال وبطون الأودية هنا.
ومنذ البداية؛ استلمنا طريقاً جديداً مزفلتاً شقته بلدية الطائف مؤخراً ؛ وهو من الأفكار التي انطلقت من لجنة الطرق السياحية، في التنشيط السياحي منذ سنوات. ثم نفذ أخيراًً بطول يصل إلى حوالي 22 كيلاً. وقبل الدخول في بلاد العيلة؛ كان علينا اجتياز خمسة أودية كبيرة في بلاد بني عمر، أخذنا وادي آل عائشة، ثم وادي الأسراب، ثم مسور، ثم الشدان ثم وادي رَمّان. والطريق المزفلت ينتهي في مسيل وادي الشدان تاركاً قرابة سبعة أكيال هي عبارة عن طريق جبلي وعر، توازي في مشقتها بقية الطريق المزفلت.. هذا إن كان له مشقة تذكر.
زهور على الطريق
* منذ دخولنا في بلاد بني عمر، ونحن ننعم بمشاهد جذابة ومناظر سارة مبهجة، فالأرض نفضت عنها ثوب الشتاء البارد واستقبلت الربيع بشتى أنواع الزهور الحمراء والبيضاء والبنفسجية. ألوان بديعة شاهدناها في شجرة الضرم والطباق والصوم وحتى أشجار الفاكهة تصافحنا من وراء أسوارها بالزهور.. اللوز والمشمش والخوخ والرمان.. وغيرها.
مخاطر كبيرة
* كان لابد أن أسجل هنا، مالاحظته من مخاطر تتهدد سالكي هذا الطريق، فعلى الرغم من الخدمة الجليلة التي يقدمها لعشرات القرى ومئات المزارعين، إلا أنه يتهدد حياتهم ويتربص بهم، فهو متعرج بشكل مخيف، وفيه انحرافات مفاجئة إلى جانب انحدارات وارتفاعات حادة للغاية. وفي وادي الشدان على سبيل المثال؛ انحرفت سيارة بركابها إلى الأحراش، ولولا لطف الله واعتراض شجرة ضخمة للسيارة؛ لأصبح ركابها في عالم الأموات. وفي هذا الشأن، قال لي الأخ عويمر: بان اهالي العيلة يفضلون اخذ طريق الجنوب فطريق ثمالة على هذا رغم طوله قليلاً ووجود 14 كيلاً منه غير مزفلتة خوفاً من الحوادث.
وكنا نتكلم ونشير الى غابات كثيفة في واد مسور حتى وصلنا الى شجرة اعتاد الناس ان يعلقوا عليها صيدهم من الضباع التي تستوطن غابات الشدان، وتهدد ماشيتهم وسبق ان اخذت صوراً لهذا الصيد وهو يتدلى على الطريق العام.
في بلاد العيلة
* بين وادي الشدان ووادي رمان. هناك مفرق ترابي يقودك إلى وادي الضيق بين ثمالة وبني سفيان والعيلة وهو يربط بلاد بني عمر ببلاد ثمالة، وإذا ما تمت زفلتته وإكماله إلى بلاد العيلة، فسوف يصبح لدينا طريق سياحي دائري يأخذ من الطائف إلى الشفا فبلاد بني عمر فالعيلة ثم ثمالة فالطائف . وهو في نظري من أهم الإنجازات التي ننتظرها في القريب العاجل.
* وادي رَمَّان؛ هو آخر بلاد بني عمر جنوباً، ثم ندخل في قر العيلة. وبلاد العيلة بلاد واسعة ليست هي فقط القر أو الفرعة أو الشفا. لكن منها سراة ومنها تهامة، فهي تمتد بين بلاد بني سفيان وبلاد ربيع شمالاً جنوبا على طول 40 كيلاً تقريباً.
وبين ثمالة شرقا وفهم غربا على طول 200 كيلومتر تقريباً.
العِيَلَة.. وسَلُّوم..
* العيلة قبيلة من بني سعد معروفة. ولعل في اسمها ما له صلة بالموقف الذي مر بها منذ أكثر من ستة قرون. فالعِيَلة من العِيَل: وهو نفاد الصبر. والقصة توحي بذلك، وهي أن هذه القبيلة كانت تقيم في طرف بلاد بني سعد من أعالي وادي قيا. لكن مظلمة تعرضت لها بأن أهين شيخها سلوم حيث رفع أحدهم ثوب ابنته من الخلف وهي تستقي فأراد الانتقام، وجمع رؤوس بالحارث هناك في وليمة وراح يقتلهم واحداً بعد الآخر. في حين كان قد هجر أفراد قبيلته إلى مكان بعيد هو هذا الموقع الذي فيه اليوم. ولما أتى على آخرهم فلم يتبق إلا واحد بعد 99 قتيلاً فطنوا للأمر فهرب ولاحقوه وقتلوه، لكن قبيلته نجت واستوطنت هذه القمم العصية على أعدائهم. وهي قصة يروونها ويتوارثونها وموجودة في كتب التاريخ والأنساب.
بلاد السنادي والحنادي..!
* عندما وقفت على أودية وشعاب وجبال في قر العيلة، وهي كثيرة وعجيبة التكوين، تعجبت من وصف مبعوث سلوم، الذي أرسله ليبحث لهم عن أرض آمنة، بعد أن قرروا الرحيل من ديارهم الأصلية، فعاد المبعوث ليقول: (لقيت دياراً، جبالها سنادي، وطيورها حنادي، واللي في الجبل ما يسمع اللي في الوادي، فيها الذيب، وفيها الضريب)! ثم قال سلوم: (هذه ديارنا وسمعنا الله. الذيب نعبي له الكليب، والضريب نعبي له الخشيب)!.
وهذا اختيار موفق إذ لا يوجد أعظم من جبالها. جُوْدَى وشُعَار على سبيل المثال. وطيورها جوارح وذئابها كثيرة، ومسالكها عسيرة. وهم فضلوا صعوبة الجغرافيا وعزموا على مقاومة الذيب بالكلاب المدربة، ومغالبة الضريب الذي هو البرد، بالخشب من غابات هذه الديار العجيبة.
جبال وأودية
* كنت أتنقل من جبل إلى آخر، وفي ذهني قصة سلوم والاحتماء بالجغرافيا صوناً للكرامة وحفظاً للشهامة، وهي من صفاتهم وسماتهم الكبير منهم والصغير.
ومن العلامات الجغرافية المميزة في قر العيلة وهو قر منبسط أخضر، فيه المياه العذبة والمزارع المنتجة جبل جُوْدى الشامخ، يقف في مواجهته من الشمال، جبل شُعَار وهما يشرفان من المشرق على الليث، ومن الجنوب على يلملم . والواديان من أودية تهامة. والجبلان بين السراة وتهامة.
وفي جُوْدى كما أخبرونا مناحل طبيعية للنحل في شقوق الصخور لا يستطيع أحد الوصول اليها فلا تعرف إلا بالعسل إذا ذاب وسال على الصخور الملساء..!
ومن هذه الجبال التي رأيتها:
1 قوام: يشرف على حِمَى رقية وفي قمته حصن شباح.
2 الجذيل: يشرف على وادي عورش من الشمال الشرقي.
3 سلمان: يشرف على وادي عورش. ومن الغرب على بلاد بني عمر.
4 المستنارة: هو من غربي القر، يشرف على وادي راكه من غربيه.
5 صوفان: يواجه جبل المستنارة ويطل على بلاد بني عمر وشفا بني سفيان.
* ومن أوديتهم الزراعية:
1 العقدة: في القر: سيله إلى وادي عورش.
2 عبيس: في القر سيله إلى عورش. وبعضه الى يلملم.
3 اللَّبَّة: في القر. سيله إلى عورش.
4 أبو ظبي : في القر. سيله إلى عورش.
5 ذي حماط: في القر سيله إلى عورش.
6 المنامة: في القر. سيله إلى عروش
7 عورش : في تهامة. من أكبر الأودية.
ماؤه من شفا العيلة وبني سفيان ويصب في الليث.
قرى العيلة
* تنقسم قرى العيلة إلى قرى سراة وأخرى تهامة. فمن قراهم في السراة (القر): عبيس والعقدة والمنامة واللبة وابوظبي وذي حماط.
وهي على أسماء الأودية التي تقع فيها.
ومن قراهم التهامية: رقية العليا والسفلى والأسايب بادية. وهناك منازل متفرقة ومتناثرة على امتداد وادي عورش تعد 60 منزلاً تقريباً.
حِصن شَبَّاح
عندما أردنا رؤية حِمىَ رقية. وهو ِحمىَ لهم جهة تهامة. وجدنا أنفسنا في جبل قوام، ووجهاً لوجه أمام حصن شباح. حصن عجيب في قمة بين قر العيلة وحِمىَ رقية، يصعب الوصول إليه، وله باب واحد صغير، ومنافذ صغيرة للسبور، فهو يكشف منطقة واسعة جهة الشفيان وتهامة في الصدور التهامية مما يلي الليث شرقاً وعورش شمالاً. يقول فيه رادحهم واسمه عوض الله الجريبي العيلي المتوفى منذ 40 عاماً رحمه الله .
سلام ياحصناً على حد الصداري
مجود السيسان ملوي البروج
* ثم يقول في حداية:
يا ليت يا حصن شباح
وذاك مبني في اسفل مراوة
في حدنا اللي غدا بين فهم وسفيان
ربعاً تحب المداح
* ومراوة: شعاب بين حصن شباح ويلملم في ديارهم.
نباتات وأشجار
* وقبل الاجتماع بعدد من اعيان وابناء العيلة هنا، قررت الوقوف على المسطحات الخضراء لمعرفة النباتات والأشجار التي تكسو سفوح الجبال وبطون الأودية، وسجلت من النباتات العطرية المبهرة (الضرم الطباق الشذاب البعيثران الجبلي الضيمران الشرم الحقة).
ومن الأشجار وهي كثيرة: (العرعر العفار العتم الشث الطلح السدر الطاق الظهياء السمرة السلم الأثب الضرو الصوم السواسي القلحة.. زهرها أصفر(تسمم الجمال إذا أكلتها).
* كما سجلت حشائش كثيرة غير عطرية، منها: (الأسلمان العقران البروق المسماة الصبب العضرس السويد).
وحوش وجوارح
* وفي طريق العودة من جهة سفوح القوام، وقفنا لأسجل ما اشتهرت به بلاد العيلة من طيور وحيوانات. وهي:
1 من الطيور: (الصقور الوكرية القهد الحجل الأعاقيب الوران القماري الثفاري العصافير النسور.. وغيرها.
2 ومن الحيوانات: (الذئاب الضباع الإخريط الذي يسمونه الثفه القرود النيصة القنافذ الثعالب.
مع أبناء العيلة
* بعد جولة استمرت معظم النهار، اجتمعت في دار العم عقيل بن لافي العيلي؛ بعدد من أبناء العيلة وهم: (عويمر بن عقيل وخلف مزيد وعبدالشكور بن عايش وعليوي بن عالي ولافي عبدالله وعبدالله بن محمد وعابد بن عبدالله. وجرى بيننا حديث حول بلادهم وقراهم وآمالهم واحتياجاتهم) .
وفي البدء قالوا: بأن قبيلتهم تعد حوالي خمسة آلاف نفس في الشفا وفي تهامة. وشيخهم هو معوض بن عيضة العيلي أما فخوذ العيلة فهم:
1 - آل عطية: كبيرهم الشيخ معوض.
2 الأحلاف: وكبيرهم عبدالرحيم بن معوض العيلي
3 الحمان: وكبيرهم عبدالهادي بن محمد العيلي.
4 الصبحة: وكبيرهم حزام بن سفر العيلي.
5 - المعاليم: وكبيرهم قاسي بن رزق الله العيلي.
مرافق عامة
* وفي كامل بلاد العيلة، فإنه لا يوجد سوى مركز صحي واحد في قرية العقدة وخدماته يشوبها بعض النقص لعدم اكتمال تجهيزاته ويقابله مدرستي بنين واحدة ابتدائية والأخرى متوسطة في قرية عبيس فيهما 82 طالباً. ومدرسة بنات ابتدائية واحدة في قرية عبيس ايضاً فيها 35 طالبة.
من مطالبهم المهمة
*عبر أبناء العيلة هنا عن جملة من المطالب التي يرون انها توفر الاستقرار في قراهم وتحد من الهجرة إلى المدن. ومن ذلك:
1 - ايصال الطريق المزفلت من بلاد ثمالة إلى قراهم وطول الوصلة الترابية المتبقية 16 كيلاً مع تزفيت التوصيلات بين بقية القرى.
2 - انشاء مدرسة متوسطة للبنات وثانوية للبنين.
3 اجراء دراسة عاجلة بشأن سكان عورش من العيلة فهم لايعرفون التعليم ولا أي خدمة صحية أو غيرها، فهناك حوالي 60 منزلاً شعبياً بائساً تتناثر تتناسر في وادي عورش وفي رقية. أهلها فقراء للغاية وأطفالهم لايذهبون إلى المدارس لأنها غير موجودة.
وكمثال على ذلك: فإن سعيد بن حامد العيلي من سكان عورش لديه (13) طفلاً أكبرهم عمره 16 عاماً غير متعلمين..! وحميد بن حامد. أخوه في عورش لديه (8) اطفال لايذهبون الى المدارس. وغليون بن عثمان العيلي في عورش لديه (7) أطفال مثلهم كذلك وقس على ذلك.
4 الطلب ملح لإيصال الهاتف والاسقاط منه مبدئياً . وتركيب برج جوال.
5 إيصال التيار الكهربائي.
6 - يوجد أسر كثيرة محتاجة لدعم الضمان الاجتماعي ومساعدات الجمعيات الخيرية.
لماذا الهجرة..؟
* هذه ظاهرة في كثير من القرى، وهي اوضح في بلاد العيلة. والإجابة أوضح بكثير في هذه المسألة.
* ففي بلاد العيلة أسست المدرسة عام 1393هـ وتخرج فيها مئات من الطلاب ولكنهم مع نصف السكان تقريباً تركوا قراهم وهجروها إلى الطائف بسبب وعورة الطريق، وعدم وجود لا هاتف ولا كهرباء ولا خدمات صحية كافية، وبسبب حاجة أبنائهم وبناتهم للتعليم فوق المرحلة الابتدائية، ثم طلب الرزق. فالسكان يعملون في الوظائف بصورة رئيسية.ومنهم فلاحون ورعاة ونحالون وهم الأكثر. وبلادهم تنتج أفضل أنواع العسل عالي الجودة والحبوب والرمان والخوخ والمشمش والبخارى والعنب والخضار والتين الشوكي.
رافد سياحي
* أخيراً فإن بلاد العيلة الشفوان والقر بوجه خاص هي افضل رافد سياحي ينضم إلى شفا بني سفيان والهدا. فجمال الطبيعة هنا لايقارن، والتعامل من قبل السكان جيد للغاية والمرتفعات توفر اطلالات غاية في الجمال على يلملم والليث والحمى وعورش وغيرها. ولعل الجهات المعنية بالأمر تسارع في إيصال الطريق والكهرباء والهاتف، حتى نقول بأننا نستكشف بقعة سياحية إضافية مهمة.
|