Saturday 13th July,200210880العددالسبت 3 ,جمادى الاولى 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

منعطفات منعطفات
عملية شفط الأموال الكبرى!
فهد سعود اليحيا

فجأة ينبثق من الراديو صوت جهوري «فتقفز من مقعدك مبسملاً ومحوقلاً» يدعوك ضمن المستمعين إلى إصاخة السمع إلى الإعلان التالي «تحبس أنفاسك متوجساً خيفة» ثم يشرع بالإشارة إلى مرسوم ملكي برقم وتاريخ بشأن الحملة الوطنية لمكافحة التدخين «فتساورك الظنون، إن كنت مدخناً» ثم يدعو المستمعين إلى المشاركة في مسابقة جوائزها خمسة ملايين ريال أو تزيد قليلاً، وكل ما عليك عزيزي المستمع الضحية أن تمد يدك إلى الهاتف وتدير رقماً يبدأ ب«700» وتجيب على الأسئلة لتفوز بنصيبك من تلك الملايين! «فتلعن الساعة التي اجبرتك على سماع هذا الإعلان! وإن كنت ذا أدبٍ جم فستكتفي بقول: صحيح إن اللي اختشوا ماتوا، فإعلان كهذا يخلو من التهذيب، وإذاعة تبث هذا الإعلان لا تحترم مستمعيها».
أقسم بالله لم أر صفاقة مثل هذه، وأنا مسؤول عما أقول وأتمنى أن تجرجرني المؤسسة المسؤولة عن الحملة الى المحاكم لأقلب الدنيا على رأسها. بيد أنها لن تفعل لأنها خاسرة بلا شك. ولم أر قوماً أكثر بؤساً منا نحن ضحايا هذه الخزعبلات الإعلانية المالية، بلا قانون يحمينا، ولا جهة ترعى حقوقنا.
هي حملة وطنية لمكافحة التدخين هدفها أن تحذر من أضرار التدخين، وتحد من عدد المدخنين، وليس هدفها أن تشفط الأموال من جيوب البسطاء، وهي حملة وطنية أي لها بعد رسمي، والحكومة أكرم من أن تحصل على أموال الناس بهذه الطريقة، ولو شاءت لفرضت رسوماً أو ضرائب.
ولكن الحقيقة - وهذا ما أتوقعه قياساً على حملات مشابهة- أن توكل الدولة الحملة إلى جهة في القطاع الخاص «مؤسسة أو شركة» بمقابل أو بدونه، ومع دعم مالي لها أو بدونه.
ومن ثم تقوم تلك الجهة بالتنفيذ، وتحقق أرباحاً طائلة عن طريق الإعلانات المشاركة في الحملة سواءً في المطبوعات أو اللافتات وغيرها، وفي النهاية هي، كما يقولون في الحجاز، «حج وبيع سبح». وحملات كهذه تحظى -بالهنا والشفا- بإعلانات كثيرة بمبالغ هائلة، سواء من القطاع الخاص أو الجهات الحكومية.
إلى هنا والأمر لا غبار عليه، وهنيئاً مريئاً لتلك الجهة مكسبها. لأنها لو لم ترد المكاسب والأرباح، لما زايدت أو ناقصت، للحصول على حقوق الحملة، ولأغلقت أبوابها واستثمر أصحابها أموالهم في العقار أو سوق الخضار، ولكن «الحملة» لم يكفها ذلك وقد فُتحت لها نافذة أكبر عملية تدليس مشروعة في التاريخ وهي مسابقات تليفون رقم «700» ولكن هل هناك مبرر -غير الطمع وغيبة الرقيب- لأن تزج بحملة رسمية أقيمت بمرسوم ملكي في هذه المسابقات الابتزازية؟.
وهذا يقودنا إلى الحديث عن مدى بؤسنا وشقائنا بعمليات رقم 700 لشفط الأموال، تحت مسمى مسابقات مختلفة، تسوقها فتيات ينضحن دلالاً «وثقل دم»، ومطربين معروفين من شرق الهم الى غرب الغم.
أولاً هناك شبهة قمار في هذه المسابقات، ولكن المنظمين لها يظنون أنهم يحتالون على ذلك بأسئلة سخيفة تافهة. ويذكرونني بأولئك الذين حرم عليهم الله الصيد يوم السبت، فألقوا شباكهم مساء الجمعة، وسحبوها مليئة بالأسماك صباح الأحد، وأترك هذا الجانب لطلبة العلم ورجاله ليفتوا فيه.
ثانياً هناك تدليس أبلج، فلا يوضح أي إعلان أن تكلفة الدقيقة الواحدة في حدود ستة ريالات على الأقل، وعندما يتصل أحدهم سيسمع هذراً لعدة دقائق ثم الأسئلة.. الخ. وبعضهم -ذراً للرماد في العيون- يعلن أن تكلفة الدقيقة حسب تسعيرة جزر «زعيط ومعيط» في المحيط الحلزوني.
وهنا لا أُعفي الاتصالات السعودية - وهي أيضاً ما تزال رسمية- من كونها شريكاً في عمليات رقم 700 لشفط الأموال، ولا أعفيها من وزر مسؤولية تحملها بالكامل أنها جعلت خدمة رقم 700 متاحةً تلقائية لكل هاتف بينما الصفر الداخلي والدولي دونهما قيود وأسوار.
وأعجب من اناس فوجئوا بمبالغ طائلة في فواتير هواتفهم كيف رضوا بدفعها، بل وكيف لم يقاضوا الاتصالات في ديوان المظالم.
والله يعزّ علينا بؤسنا وامتهاننا وضعف شأننا، حتى بتنا مرتعاً لمن يريد أن ينهب ويحتال ويستطيع أي نصاب ذكي أن يطلع بمشروع ويهبر الملايين قبل صدور قوانين لتنظيمه أو تجريمه، وابشر بطول سلامة. ويستطيع شخص بمئة ألف ريال أن يطلع بمشروع إنساني اسمه مسابقة «أين اختفت قطعة السكر في الماء؟». وما على المتسابق الكريم إلا الاتصال برقم 700 ليشارك موعوداً بالآلاف والملايين.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved