Sunday 14th July,200210881العددالأحد 4 ,جمادى الاولى 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

ثم ماذا ثم ماذا
الفلسفة في مطب البورنوغرافيك!
بدر بن سعود

لا تتفلسف.. هذه الكلمة السهلة لها مبناها الخاص في ثقافة الصحراء كما سماها عبدالله نور، فأنت عندما لا تهضم أي موضوع أو تستسيغه تبادر صاحبه بها حتى لا يستمر في تجلياته، أو ربما للتعبير أحيانا بأنك تستخف ما يقول ولا تعيره اهتماما يذكر، وهذا الأصل الشعبي تجاوزا أوجد نسخة مؤسسية مكانها التعليم العالي السعودي حيث لا وجود للفلسفة كمنهج يدرس، وهي حالة فريدة عالمياً تضاف إلى سجل الخصوصية المحلية، رغم أننا نستخدم الكلمة بإفراط شديد دون إدراك لمعناها الحقيقي، فنقول فلسفة الإدارةوفلسفة التعليم وفلسفة الأدب وفلسفة الرياضة وهكذا، بل ونرسل البعثات للحصول على درجات علمية عالية في فلسفة العلوم؟
ولعل الفلسفة بوصفها علم قياسي يطلب اليقين ولا يقف عند حد، تتعرض بشكل أو آخر لما وراء الطبيعة محاولة تفسيره، وهنا يكون الصدام ما بينها وبين اللاهوت أو الدين الذي يعتبر الدخول في الغيبات سببا كافياً للخروج عن الملة، وتلك مأساة عاشها الفلاسفة المسلمون أمثال التوحيدي، أبي الحسن العامري، الماوردي، أبي نصر الفارابي، ابن خلدون، مسكوية، وفيلسوف قرطبة ابن رشد وغيرهم.. إلا أن الفلسفة كذلك توفر قدرة نقدية فاعلة للأمور الحياتية الأخرى باستثناء الروحانيات، ما يمهد الطريق نحو جدليات الفهم والتحليل والإقناع لتصبح سالكة وميسرة، ولنأخذ بالإيجابي ونستبعد السلبي بما يحاكي أسلوب بول يكورا وجون رولس تماما مثلما يحدث لأشياء كثيرة نحاول التأقلم معها من حولنا، كمحاولة الاستجابة مثلا لمعطيات العولمة الغربية التي تعتبر الظاهرة الأقوى لسيطرة الفلسفة الاستهلاكية ومنطق الماديات الإلحادي على مقدرات الشعوب الاقتصادية والسياسية والروحية، فقد أدت اتجاهات التفسير الحرفي لخطاب المؤسسة الدينية وقفل باب الاجتهاد والمناقشة فيها، بمرور الوقت، لتكريس بعد آخر أسس لعادات درامية غير مرغوبة، أهمها الإنشائية والتلقين، وشكاوى صياغة أسئلة خارج المنهج الدراسي؟، ما قاد في الظرف الراهن إلى قيام رأي تصحيحي متوسط القوة وليس قرار فهناك فارق كبير بين الاثنين، يحاول هذا الرأي الوصول إلى سلوك تعليمي متطور يواكب المستجدات، ويهيئ أسباب الابتكار والإبداع ليساير المجتمعات المفتوحة والمتفوقة في إنتاج المعرفة والعلم بكافة فروعه، بينما لا زلنا نمارس كمجتمع سعودي دور المستفيد لا دور المشارك، فلما لا نحاول الاستعانة انتقائياً بالإرث الفلسفي لأفلاطون، أرسطو، بطليموس، اقليديس، الاسكندر، جلينوس، فورفوريوسر، نيتشة، ميشل فوكو وآخرون، أسوة بما فعله المسلمون السابقون.. حتى نطور أداءنا العقلي وطرق التفكير والاستنتاج لدينا، خارج دائرة المخاوف الوسواسية وادعاءات التغريب وتهديد الهوية، والنماذج العربية والخليجية المحيطة تعطي دالة صادقة تبين مساحة الفوارق وحجم المشكلة، وإن كانت دون المتوقع باعتراف رموزها التعليمية والثقافية، ونذكر أيضا حالات التلعثم والاهتزاز والركاكة وفقدان وحدة الموضوع لدى محاورينا الفضائيين أمام نظرائهم العرب، أثناء اللقاءات المباشرة، وكيف أنهم لا يملكون دحض الحجة بمثلها مقارنة بالمواجهين لهم، لنقدم دليلاً إضافياً يدعم النتيجة الأولى، فمعظم هؤلاء تلقى تعليما رفيعا خارج الحدود، ولكنه تعليم يقارب النقش على الماء وليس الحجر، إذ بقيت الأساسات المبكرة لهم مراوحة عند نماذجها القديمة، ولا فائدة من تغيير الأحذية ما دامت الأقدام لم تتغير.. لذا نجد المجتمع السعودي حالياً يؤمن بالأوضاع الكلاسيكية الرافضة لمداخل التجريب، مفضلا عليها الأحوال المستقرة كورقة ميتة لا تحرك فعلاً منتجاً، ما يجعل المطالبة بالفلسفة كمادة للدراسة مساوياً لفسح مواقع البورنوغرافيك المخلة بالآداب عبر الإنترنت؟!، فهل تجوز المساواة أو يعتبر الفعل مستقيماً في مثل هذه الحالة؟.. الواقع يقول شيئاً آخر تؤيده الطفرات العلمية والثقافية المتتالية لدول العالم الأول خلال القرن الماضي مرورا بقرننا الحالي، سنجد أن الجزء الأهم في ملامح الوجه الحديث للعالم كالاستنساخ والسفر للكواكب والمجرات البعيدة وخريطة الجينيوم البشري وتقنيات الإعلام الفضائي إلى غير ذلك، وفرته الحسابات الفلسفية في رحلة بحثها عن الحقيقة التي لم تتعثر بمطبات الأدلجة وسوء الظن، ولو كانت الكفاءات الغربية الفذة على عقيدة إسلامية راسخة فرضاً، لواصلت مسيرها إلى إعمار الأرض وترسيخ الإيمان بالله سبحانه وتعالى والاعتراف بوحدانيته، وقد حدث هذا بالفعل لبعض العلماء الغربيين بطريق المصادفة المحضة ودون تأسيس عقائدي سابق؟ .. والسؤال: لما لا يتم تدريس الفلسفة كمادة أساسية بالجامعات السعودية ومدارس التعليم العام في سابقة عربية للأخيرة، كي نخرج الأجيال القادرة فعلاً على الحوار والتحليل والابتكار وبناء الوطن؟!

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved