Friday 19th July,200210886العددالجمعة 9 ,جمادى الاولى 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

الطَّيْفُ الطَّائف حول قُطْر الطَّائف الطَّيْفُ الطَّائف حول قُطْر الطَّائف
يوم في وادي فَِليحة.. بين الرُّبَى الخُضْر.. والوهاد المليحة
دروس وعبر عند أحمد بن قُبال.. وحكم وأمثال من عوض الله بن مسافر..!

  حلقات صورها ويكتبها: حمّاد بن حامد السالمي
رحلة جديدة في «حدود الوطن» .. تأخذنا اليوم إلى ديار جديدة من ديار الوطن .. وجهتنا اليوم هي مركز «أبو راكة» .. أو ديار الشلاوي .. القبيلة الحارثية المعروفة من قبائل جنوبي الطائف.
تمت هذه الرحلة في هذه السلسلة من «حدود الوطن»، بدعوة من أهالي «أبو راكة» .. وفي مقدمتهم رئيس المركز عبد الله محمد الدعيلج والشيخ محسن بن حسين الشلوي، والشيخ علي بن محسن الشلوي.
فبعد أن أخذت «الجزيرة» تنشر حلقات استطلاعية عن قرى الطائف وديارها، راح عدد من الأهالي المهتمين بمناطقهم، يطلبون منا زيارة قراهم والكتابة عنها، وهذا أمر بالنسبة لنا فيه تشريف وتكليف، وليس بوسعنا إلا القيام بما هو واجب حيال من شرفونا بثقتهم في صحيفتنا وفيما تكتب وتنشر من استطلاعات وغيرها.
هذه حلقة معادة من تطوافنا في الطائف المأنوس.. تداخلت فيها الخطى في مرة سابقة فاختلطت المواقع والأماكن والسماء ولذا رأينا أن من واجبنا الأدبي أن نعيد نشرها بعد التصحيح والمراجعة وقد كان ترتيبها السابق الحلقة الثانية من سداسية الطيف الطائف.
قرى الزود.. طرق وعرة وخدمات غائبة وإذاعة لا تُسمع وتلفزيون لا يُرى.. ثم لا هاتف ولا كهرباء؟!
* هذه جولة جديدة، أو هي رحلة أخرى من تطواف «الطائف حول قطر الطائف»!.. تأخذنا إلى واد من أجمل الأودية، وأغناها بالمحاصيل الزراعية والمراعي والآثار والأعسال أيضاً.
* إنه وادي فَِليْحَة، أحد أكبر وأهم أودية بلاد الزود في ديار بني سعد، من جنوبي الطائف، على حوالي «70» كيلا منها.
الفَلاح والفِلاحة في فَِليْحَة
* بدأت رحلتنا إلى هذا الوادي، صبيحة يوم الخميس التاسع عشر من شهر صفر لهذا العام 1423هـ، تلبية لدعوة كريمة تلقيناها في فرع مؤسسة الجزيرة الصحافية بالطائف، من الأستاذ موسى بن غازي الزايدي، من رجال التربية والتعليم، ومن أبناء هذا الوادي ومن قرية الحماسين تحديداً.
* تحركنا مع شروق الشمس، عدد من عناصر الفرع وأنا ومرافقي الدائم في هذه الجولات من محافظة الطائف جابر الجعيد. في الطريق وقبيل خروجنا من العمران، كنت أفكر في وادي فَِليْحَة.. من أين له بهذا الاسم؟!.. هل هو من الفَلاح أم من الفلاحة؟ ولو اخذ اسمه من أي منهما لاستحق ذلك، فهو واد شهير بزراعة الحبوب والفواكه، ومنها العنب والرمان والتين والخوخ، ولكني عندما قلبت اللفظ مع الفيروز آبادي، وجدت ان اقربها إلى القبول، القول بأن «فَِليْحَة»، تعني سنطة المرخ، إذ انشقت، والمرخ، شجر من العضاة من الفصيلة العشارية، سريع الوري، يقتدح به، تعرفه العرب، وفي أمثالهم: «في كل شجر نار، واستمجد المرخ والعفار».
على طريق الموت!!
* خرجنا من العمران مسرعين، ونحن نتقي جهارة أشعة الشمس بأيدينا، وسرنا من الطائف حتى مفرق ثمالة وبني سالم بعد وادي لية، في أجمل طريق، ثم استلمنا بعد ذلك طرف طريق الموت، أو اخذنا كما قال واحد من زملائنا برأس الثعبان الأسود! الذي يمتد متلويا متربصاً بالأبرياء من وادي لِيَّة حتى تربة زهران وشمرخ.. انه الكابوس الذي يجثم على صدور مئات الآلاف من سكان حوالي 1500 قرية جنوبي الطائف والتحدي الكبير الذي يثبت يوما بعد يوم، عجز المسؤولين في وزارة المواصلات او تهاونهم..!، لا ندري..! الذي ندريه فقط ان «645» نفسا كانوا ضحايا هذا الطريق، في عامي 1421 و1422ه وان «37000» نفس هم ضحاياه أيضاً منذ العام 1412ه وحتى العام1421ه
أما ما قبل العام 1412هـ، فلا ندري شيئاً لعدم وجود إحصاءات!
بين سَمْنَان والمهضم
* تركنا وادي لية وكنا نسير وسط زحام من السيارات على الطريق وشاهدنا من يسارنا بحرة الرغاء التي حط بها الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة الطائف، ومن شرقيها وادي شرس، ثم عن ايماننا سمنان للسوطة ومن بعده شرقا الملعب الذي ينسب إلى أبي زيد الهلالي، ثم ندخل في السر، ونأخذ بعده يمينا في اتجاه الجنوب حتى ندخل في ديار بني سعد الذين استرضع فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم فأخواله في الرضاعة من هوازن. ندخل بداية في قرية الروقة الثبتة بداية وادي المعدن، ثم غرابة وبقران فالخوقاء وكلها قرى للثبتة تنتظم وادي المعدن الشهير بالزراعة في القديم، وقد بدا عليه الاخضرار وظهور مزارع بعد الأمطار الأخيرة.
* قبل الدخول في قرية الخوقاء نرتقي جبلاً شاهقاً يسمونه الاغوار، لكثرة ما فيه من كهوف، فهو يفصل بين ديار الثبتة وديار ربيع، وبعدالخوقاء نستوي في المهضم، وسمي بذلك لأنه عبارة عن أرض مطمئنة تكاد تكون مستوية بين عدة مرتفعات حولها، وفيه قرية ومزارع لربيع.
من الخِليف إلى الحماسين
* بعد ان تركنا المهضم خلفنا وكنا قد قطعنا «48» كيلا من الطريق المزفت، انحرفنا شرقاً عبر طريق جبلي ترابي وعر، ثم ما لبثنا ان اشرفنا على وادي فليحة من أعلاه، فهذه مرتفعات الحدباء والصهوة وعرفج وشعب الغار، مسايل تفضي إلى الوادي الذي ظهر أمامنا وكأنه حلة مزركشة بألوان الطبيعة الخضراء والحمراء والصفراء والبنفسجية. أشجار ونباتات تكسو الجبال والشعاب حتى كادت ان تخفي عن انظارنا الصخور الصلدة الملساء التي تغلب على جبال هذه الجهات.
* في أعلى وادي فليحة شاهدنا قرى سكنية تتوزع حول ركبان زراعية، فهذه قرية الخليف وهذه العِقَيِّب، وهما للثبتة، وهنا وادي وقرية للثبتة، أيضاً اسمها اللَّبَّة، واللبة ما استند من الأرض، ويقول بعضهم هنا: هو نوع من الحلي كان يلبس من قبل النساء، فهو يتدلى على صدورهن، قال الفيروز آبادي: اللبة: موضع القلادة من الصدر.
* وأثناء مسيرنا هابطين الوادي، نشاهد قرية الذيبة، مؤنث الذئب، وهي للثبتة، ثم نمر بطرف قرية يسمونها الربيقية، يسكنها الفقهاء من الزود، واسمها تصغير من ربيقة، والربق: حبل مربط الدواب، وقد يكون من «أم الربيق»، وهي الأفعى.
* وبعدها بقليل، ها هي قرية العين، من عين الإنسان أو عين الماء وهي للعصم من الزود، ثم ندخل بعد ذلك في قرية هي الأكبر، والأوسع زراعة وسكنا، انها قرية الحماسين، وهي على اسم اهلها فخذ من الزود، بني زايد أو آل زايد من بني سعد من عتيبة.
تحية شعرية
* وصلنا الحماسين بعد معاناة شديدة مع الطريق الذي يهبط بنا ويصعد، ويعبر بطون الأودية فوجدنا الأستاذ موسى بن غازي الزايدي ووالده وعمه ومجموعة من الاخوة الفضلاء من أهل الوادي في استقبالنا، وقبل تناول طعام الافطار كشف مضيفنا الكريم عن موهبة شعرية، توازي موهبته الجغرافية، والتربوية فقد حيانا ورحب بجريدتنا بهذه الأبيات:
هلا يا مرحبا باهل الصحافة عِدّ مبدا النور
هلا يا مرحبا باستاذنا «حمّاد» واعوانه
لفيتونا وشرفتوا وغرد صادح العصفور
على غصن العنب والتين والرمان بالحانه
بشاش الوجه والصفطان في بيت الكرم معمور
على مبناه قوم تفتخر بالضيف من شانه
وهذي سنة الاسلام كم مرت عليها عصور
تجدد في ثياب العز وإبراهيم عنوانه
ولا يا صفحة التاريخ سجل فوقها بسطور
ودون «للجزيرة» فضلها الموجود برهانه
وصلوا بالنبي عد الصحف واللي بها منشور
نبي بالرسالة بلغ الاسلام واركانه
وقفة مع الآثار
* عندما قضينا افطارنا، امتطينا ظهور «سياراتنا» التي تستطيع مقارعة الطرق الوعرة ومغالبتها، ثم الانتصار عليها، بدأنا جولتنا الصباحية التي خصصناها للآثار، بقرية الخضراء، انها قرية كانت تعتلي قمة جبلية من شرقي الحماسين وتشرف على كافة الأودية، بدت من أطلالها التي شاهدناها باقية، وكأنما تقف نداً لقرية أخرى تقابلها من جهة الغرب وبينهما الوادي، انها العُلَنصاء التي سوف نقف عندها بعد قليل، وقفنا على نصب لمقبرة قديمة بطرف المزارع مما يلي قرية الخضراء بينها وبين قرية الحماسين، انها مقبرة قديمة لا شك انها كانت لسكان الخضراء، وهي من مئات السنين، فقد شاهدنا شاهداً حجرياً منقوشاً على أحد القبور، وبدا انه بخط كوفي غير منقوط لم نستطع قراءته، واكتفينا بتصويره، وعندما هممنا بمغادرة المكان، لم استطع مقاومة الرغبة في اخذ صورة لقرية العلنصاء وحصنيها الجذابين من هذا المكان البعيد، ولفت نظري، حصن حجري جميل بطرف قرية الحماسين مع ان القرية لا يبدو انها من عمر قرية الخضراء أو قرية العلنصاء.
* عبرنا الوادي إلى حيث قرية العُلَنْصاء. مزارع كثيرة ودور حديثة، لكن حصنا الشويبر ظلا متقابلين فوق مرتفعين يحرسان القرية القديمة والقرية الحديثة معاً ويشكلان مع ما حولهما منظراً بديعاً جذاباً، وأمام هذا المنظر كان العم عطا الله بن دهيران الزايدي يخف لملاقاتنا تاركاً أغنامه من الضأن والمعز خلفه، فيحيينا ويرحب بنا ويقف مستنداً على عصاه، وعندما سألناه عن سبب تعلقه بالقرية والمكان، افصح لنا عن حبه لأرضه وماضيه الذي لا يقوى على نسيانه.
«سلام يا الحصنين»
* بعد ان صورت القرية القديمة، وهي تسكن في وقار بين الحصنين الجميلين، رحت أردد مع شاعرهم الذي خلدها وخلد حصنيها قبل مائة عام:
سلام يا داراً لها حصنين
يا قرية بين القرايا شمعة
صمنا شهر.. والعيد بالاثنين
والحجة اللي مقبلة بالجمعة
* وعندما انحدرنا إلى الوادي في اتجاه قرية الشعبة سجلت بعض الملاحظات، وهي ان بعضهم يطلق على قرية العلنصاء قرية الحصنين، نسبة إلى حصنيها الشهيرين، اللذين هما حصنا الشويبر ولا أدري ما الشويبر، فلعله اسم علم دال على رجل بناهما، مثلما هو الحال في حصن الثمالي.
بين عوض الله.. والثمالي
* واصلنا مسيرنا من قرية الشعبة إلى قرية غِدِيقة، وهي قرية كبيرة مشهورة على هذا الوادي ومنها الشاعر المعروف عوض الله بن مسيفر الزايدي، الذي كان له أشعار ومحاورات، وقصص كثيرة، أورد صاحب الأزهار النادية بعض أشعاره، وكثير من شعره يحفظه ويردده الناس خاصة شعر الحكمة منه.
انتقلنا بعد ذلك مع ميل الوادي منحدرين، حتى وقفنا على رجمة بطرف سيل السيل، فيها صخور صقيلة وعلى بعضها رسوم لحيوانات منها الظبي، وكتابات يبدو انها من مئات السنين، وكنا قبل الوصول إليها توقفنا لمشاهدة حصن الثمالي وهو حصن حجري يعلو قمة جبلية بطرف الوادي من جهة الشمال، بدا متهدما فلم يبق منه سوى نصفه، وينسبونه إلى شخص من قبيلة ثمالة قيل انه هو الذي بناه قبل أكثر من «300» عام.
* وفي هذا الحصن الذي كان عتيداً يقول الشاعر عوض الله بن مسيفر الزايدي:
يا حصن وين اهلك اللي شيدوك وحاربوا فيك
واليوم مالت بك الأيام يا حصن الثمالي
واليوم جدرك خراب وراحت الدنيا بواديك
لكن ما قرت الهجرة لابوزيد الهلالي
* والأبيات تصور الحال الذي آل إليه حصن الثمالي.
دروس في الخرجة
* عدنا أدراجنا، ثم انحرفنا شرقاً لندخل في قرية الخرجة، قرية وادعة في واد منبسط اخضر، وهناك عدة دور تتوسطها دار العم أحمد بن قبال الزايدي «82» عاماً، أمام الدار مناحل تعج بحركة نحلية واضحة، وعندما ولجنا الباب، وجدنا العم أحمد مع عدد من أبنائه وأحفاده..
في الاستقبال، جلسنا نتحدث في قضايا كثيرة لا يتسع المجال لذكرها. لكن ما هو مهم أن ابن 82عاماً في قريته الجميلة، لديه من الدروس ما يكفي لتفسير الكثير من الظواهر فهو يتشبث بالحياة في القرية لأنها تمثل طفولته وصباه، ويحفظ منها أجمل ذكرياته وخاصة ليلة زفافه، حيث تزوج مرتين وأنجب عشرة من البنين وأربعاً من البنات.
وهو يرى أن أيام زمان صعبة جداً، لكنها حلوة جداً، وأيامنا هذه، سهلة جداً، لكنها ليست حلوة بما يكفي...! وهو يحب الحياة قريباً من أقرانه الذين بقوا على قيد الحياة، لأنهم أكثر مصداقية من هذا الجيل.
اسألوا المسئولين..؟!
* لكني عطفت الحديث معه إلى منحى آخر. قلت: أنت تكاد تكون وحدك في القرية.. لماذا يهجر الناس قراهم إلى المدن، ضحك وقال: اسألوا المسئولين.. الناس لا يلامون.. لا يوجد خدمات تغريهم بالبقاء. لا طريق، لا كهرباء، لا هاتف، لا مدارس.. لا شيء.. لماذا يبقون؟.
* ثم قلت له: وماذا تفعل إذا هجرك أبناؤك مع المهاجرين..؟
قال: أردد قول الشاعر راجح الفقيه الزايدي، الذي رحل بعض أبناء عمومته إلى جدة، وظل وحده في غربة فقال:
يا صالح اصبر كما صبر المحال اللي على البير
واللا كما صبر ثلب جوروا حمله وجارا
يا ربي إنك تجيب اللي مراوس للبوابير
وأنا قليل الجهد واخطاي عن جدة قصارا
ودموع عيني كما وبل المزون اللي مصابير
اللي ليا دن رعده فيقت منه الديارا
* وقبل أن نودع العم أحمد؛ قلت له: نستأذنك يا شايب..! قال: اسمع: أحد شعراء الثبتة؛ تغشاه الشيب، فأنشد يقول؛ وهو يخاطب جبلاً اسمه مسعود:
يا شيب.. وشبك تبلاني عليه منت محدود
لا تبتليني وأنا يا شيب في عجة شبابي
حلفت يا شيب ما ارضى بك يكود يشيب مسعود
حتى لياشبت.. ون الشيب في مسعود بادي..!!
يعاقيب وفهود وحجل..
* تركنا الشيخ أحمد، وهو يتنكر للشيب، ويتشبث بالشباب وبالخرجة وشبابها معه الذي لن يشيخ... ثم اتجهنا جنوبا، إلى طرف عرق أسود بدا وكأنه بنيان مرصوص يقسم بلاد الزود بين شمال وجنوب، وشاهدنا نقوشاً على صخور سوداء تمثل كلمات وحيوانات ورموزا ورسوما أغلبها ربما لتحديد أحماء وحجر وغيرها. وهي في ربوة في العرق سرنا إليها على الأقدام. بعد ذلك أخذنا طريقاً جبلياً سار بنا إلى قمم تطل على عدد من الأودية، وفي المكان الذي أصبحنا فيه نشرف على أودية زراعية من تحتنا، عارضنا غراب أسود تابعنا سيره حتى حط فوق شجرة أثب غير بعيدة عنا. ثم توقفنا لمشاهدة مجموعة من الحجل واليعاقيب.
قال مضيفنا: اليعاقيب هي وسط بين الحجل والقهادي. وكانت مناسبة لمعرفة الطيور والحيوانات في هذه الديار التي بدت خضراء يكسوها العشب والنباتات الرعوية الكثيفة، ولكن لا يوجد أغنام كثيرة ترعاها. ولم أجد أبقاراً أو إبلاً. قال الاستاذ موسى: من طيور وادي فليحة خلاف ما تقدم: النسور والحدأة والغربان. ومن أشهر الحيوانات: الأرانب، والوبران، والذئاب، والضباع، والثعالب.
وذكروا أن الفهد ظهر مؤخراً في أسفل الوادي، وأن رعاة من هذيل قتلوه وعلقوه على شجرة هناك.
حزام الرهوة
* من المرتفع نفسه الذي نشاهد قرية الحماسين منه أصبحنا نتبين أمامنا سلسلة الرهوة الجبلية من الشرق والشمال. انها سلسلة تحيط بجزء كبير من ديار الزود ومنها وادي فليحة وكأنها حزام على شكل قوس. وأمكننا رؤية العنق وأبي رصف وهما شعبان يصبان في وادي فليحة.
وكذلك جبال بارزة مثل: أبوحطب ومفروق ثم الرهوة وهو الأشهر. وكنا نسير ونحن نمعن الأنظار في كثافة شجرية ونباتية خضراء جميلة. فإلى جانب أشجار العنب والرمان والخوخ والتين التي ببطن الأودية الزراعية هناك أشجار ونباتات تكسو التلال المحيطة، مثل: الطلح والسدر والسلم والزيتون البري والطباق والشث والضرم والحدق والشرم والعوسج والعراد والسحاة والقطف والقلحة.
لماذا يهاجرون...؟!
* بعد جولة دامت الى ما بعد الظهر، انتظم عقدنا في دار مضيفنا في قرية الحماسين.. ولحق بنا عدد من الأساتذة والأعيان، وكانت مفاجأة سارة؛ أن يلحق بنا كذلك الشيخ الشاعر المربي عبدالله بن عبدالله الذويبي أحد أقدم رواد التعليم في محافظة الطائف.
* بدأ حديثنا حول محورين رئيسين. الأول: ظاهرة الهجرة من القرى الى المدن. والثاني شكوى الناس عموما من طريق الجنوب.
* قال واحد من الحضور؛ وقد كان يعلق حول ملاحظة أبديتها وهي اني شاهدت قرى من دور دون سكان. فقال: صحيح. قرية الذيبة كان عدد سكانها عام 1400هـ (300) نسمة. اليوم لا أحد يسكنها..! ومثلها اللبة وغيرها. بعض القرى ليس فيها سوى عمال من غير أهلها.
* ما هي الأسباب؟!
قالوا جميعاً مثل قول الشيخ أحمد اعلاه: الطريق سيئ للغاية. المدارس غير كافية. ابتدائية بنين واحدة في غديقة. ومركز صحي فقط في الحماسين. لا يوجد كهرباء ولا هاتف وحتى الجوال لا يعمل.
الإذاعة والتلفزيون أيضاً..؟!
* انبرى واحد من الحضور قال: من عوامل الهجرة المهمة ان الناس لا يستطيعون سماع برنامجنا الإذاعي..! والتلفزيون لا يرى..!
* وكنا قد شاهدنا على قمة جبل أرايلاً قال بعضهم، هذه محاولات فاشلة. الناس يودون سماع الإذاعة ورؤية التلفزيون.. فماذا يفعلون..؟!
يهاجرون عن قراهم ومزارعهم.
* وقال آخر: لا ننسى ان طريق الجنوب حصد عدداً من ابناء هذا الوادي مثل غيرهم من سكان جنوبي الطائف.. لكل بيت هنا ثأر عند الثعبان الأسود..!
* لكن لو أصلح الطريق.. ورؤي التلفاز، وسمعت الاذاعة.. سوف يعود الناس إلى قراهم..
* سألت.. ولم أجد جوابا محدداً.
رسالة منهم... وإليهم..؟!
* غادرت وادي فليحة.. قبل العصر، وأنا أرى فيه صورة جميلة من صور بلاد الزود كثيرة الجمال. ثم وأنا أردد أسماء اعلام كثر أنجبتهم هذه الأرض الطيبة.. سليمان بن عواض الزايدي، صحافي وأديب ومربي ثم شوري اليوم، طاهر الزايدي مربي معروف، عقيد طيار زايد بن معيوض الزايدي، د.عبدالعزيز بن عواض الزايدي، د.مستور بن علي الزايدي، مقدم سعود بن مقبول الزايدي، اللواء مسفر بن خضر الزايدي، اللواء مشعل بن حامد الثبيتي، العقيد عايض بن عيضة الثبيتي العقيد سعد بن نوار الثبيتي، الدكتور شهيل بن احمد الثبيتي، اللواء عيضة بن حامد الزايدي وغيرهم كثير.
* هؤلاء من وادي فليحة، ومن بلاد الزود عموماً التي فيها قرى شهيرة منها الحديب، التي كان يسكنها شيخ الزود، عواض بن صويلح الزايدي، وقرية الرغيب. وقرى أخرى.
* والرسالة هي من أبناء وادي فليحة وبلاد الزود عموماً إلى جميع المسئولين وجميع الجهات وخاصة وزارة المواصلات، لأن هذه البقعة الخضراء هي عملياً معزولة عن العالم بسبب الطرق الجبلية الوعرة، ويضاف إلى هذا العزل، عزل ثقافي تام. لا هاتف ولا كهرباء ولا إذاعة ولا تلفاز.
* والطريق الذي يمكن ان يخترق بلاد الزود وينهي عزلتها المفروضة عليها بسبب وعورته الحالية، يمكن ان يبدأ من المهضم غرباً ويتجه شرقاً بمحاذاة مسيل وادي فليحة حتى يخالط طريق الجنوب من الشرق.
* وفي ختام هذه الرحلة، فإن هذه الرسالة يمكن أن نتوجه بها إلى المشاهير من أبناء هذا الوادي الجميل، وهذه الديار المنجبة للرجال النبلاء، أن يساهموا بالمزيد من التعريف بهموم قراهم هنا، حتى تفتح الطرق وتكثف الخدمات العامة، ويعود المهاجرون إلى حصونهم وقراهم ومزارعهم من جديد.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved