Sunday 21st July,200210888العددالأحد 11 ,جمادى الاولى 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

رحيل الشاعر إبراهيم العريض «2/2» رحيل الشاعر إبراهيم العريض «2/2»
عبدالله بن سالم الحميد

وللشاعر البحريني الاستاذ ابراهيم العريض ست مجموعات شعرية هي:1 - الذكرى، وقد صدرت ببغداد عام 1931م 2-ارض الشهداء 3- العرائس 4- قبلتان 5- شموخ 6- قصص، وقام بترجمة «رباعيات الخيام» من الفارسية الي العربية، واصدر عدداً من البحوث النقدية منها «الشعر والفنون الجميلة - بحث تحليلي»، الاساليب الشعرية - بحث تحليلي» واصدر مسرحية بعنوان «وامعتصماه» عام 1934م في القاهرة.
وحصل الشاعر ابراهيم العريض على جائزة الدولة التقديرية للادب في البحرين لعام 1408هـ لقاء اعماله الفكرية والادبية، ونشاطاته المكثفة.
إبراهيم العريض
غازي القصيبي
عبدالله بن سالم الحميد
في منتجع الشعر مع شاعر البحرين الاستاذ ابراهيم العريض وبين اشجان معاناته الشعرية وقفنا امام نماذج ولوحات تعبيرية نسجتها ريشة الشاعر ابراهيم العريض وألمحنا فيها الى تجربة الشاعر مع الشعر القصصي حتى انه يكاد ان يكون شاعر القصة في الخليج، او في الادب الخليجي، وقد اكد ذلك كوكبة من اصدقاء الشاعر «العريض» في الحفل التكريمي الذي اقامته له وزارة الاعلام في البحرين والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالبحرين بمناسبة حصوله على «جائزة الدولة التقديرية للادب» حيث قال الشيخ عيسى بن راشد الخليفة وكيل وزارة الاعلام في افتتاحه الحفل عن العريض:« هو مثل نخلاتنا الباسقات في ارضنا الطيبة المعطاء، ومثل داناتنا في بحرنا الكبير جالب الخير والرخاء، نعتز به اعتزازنا بحضارة بلدنا وبكل سطر من تاريخنا، ونحبه حبنا لشواطئ جزرنا، لشمسها المشرقة، لقمرها المشع، لكل ركن من اركانها مر به الجمال وترك آثاره عنده، العريض عشق الشعر، وكتب الشعر وهام معه في عالم غريب، كله عطر وشذى ورقة وبهاء، همه التقرب منه والانصهار فيه، وهو في سعيه وتقربه كان الصادق الجاد المعبر، فاستطاع الوصول، وحلق مع الشعر في عالمه فجاء شعره نهر ماء عذب متدفق ترى فيه للجمال صوراً جديدة كلما اقتربت منه».
وقال عنه الاستاذ حسن الجشي:« يشكل العريض في الخليج والجزيرة العربية مدرسة ادبية، كان لها مريدوها والمعجبون بها، والسائرون في دروبها، والمتأثرون بها، ولاسيما في المنطقة الشرقية من الجزيرة حيث كان الادب يعيش فترة من فترات ازدهاره، ولقد كان افتتاح الفصل الاول من هذه المدرسة الادبية على موعد مع اوائل الثلاثينيات عندما اصدر ديوانه الاول «الذكرى» عام 1931م، ثم توالت الفصول بعد ذلك زاخرة بالعطاء الثر والابداع المتميز في مجال الشعر او النثر».
ويضيف الاستاذ الجشي مشيراً الى ما يتميز به شعر العريض قائلاً:«وتواصل العملية الابداعية عند العريض فيما يمكن ان اسميه بالمقطوعة الاقصوصة».
وقال الدكتور غازي القصيبي:« كنا نبحث في كتب الاستاذ فنجد ملحمة، فنذعر قليلاً. كنا نريد بيتاً شارداً فنجد اقصوصة، فنذعر قليلاً ونعود مهمومين، نتأمل القامة والابتسامة والعينين والشمس الساطعة»، ولم ينكر الدكتور القصيبي شاعرية العريض وانما يؤكدها بقوله:« قبل ان نولد نحن شعراء الخليج ولدنا على كتفيه، ولدنا مقاطع وكلمات على اوراقه، كان يحملنا ويسير بنا حيث يذهب. كان يتكلم شعراً، وكان الخليج يتكلم نثرا. تقولون: كان شاعر الخليج!! أقول : لا، كان شعر الخليج!».
بعد ايراد مقتطفات من الرؤى الشاهدة على اصالة الشاعر ابراهيم العريض وتوجهه القصصي في التناول الشعري نود ان نستريح قليلاً امام لوحة طبيعية جميلة يصور الشاعر فيها البلبل وهو يناجي الورد لنشهد شطراً من مصداقية البعد القصصي في تناوله الشعري حيث يقول:


يزكي البلبل الورد..فيحمر احمرارا
كمفتون بألحانه..
أينسى طرفه العهد.. وقد اومى مرارا
فمن دوني لإعلانه..
مكث الندمان منذ الصبح في ظل خميلة
حيث يغضي الورد للبلبل حتى يستميله
ويزكي البلبل الورد بألحان جميلة
ينعمون البال بالعشب الذي لَمَّ ذيوله
يستوي طوراً على الماء..وطوراً ينحني له
فكأن الموج يغريه.. فيهوى ان ينيله
ثم يستجمع خوفاً ان يرى الرائي ذهوله
أيُّها العشب الذي في خلس بّل غليله
لِم قضى بعضهم حول رباك اليوم طوله
انهم ينتظرون الليل ان يرخي سدوله
ويضيء البدر من نافذة الشرق سبيله
ليؤاتي كل طرف.. نوره الفضي سوله

والشاعر بطبعه ناقد راصد، وكذلك كان الشاعر ابراهيم العريض ناقداً يصوغ نقده الشعري بأسلوب قصصي جميل يلون لوحاته التعبيرية بالرؤى الفلسفية التي انتظمت في نسيج ثقافته الواسعة، وفي معالجته الاجتماعية المسكونة بالنبض الانساني الصادق، كان يبدع في التصوير ويتفنن في السياق القصصي حين يقفز من صورة الي اخرى بتناغم منسجم مع العقل والوجدان.
من قصيدة له في ديوان «شموع» يصف فتاة ريفية فقيرة تعمل في الحقل ينسج صورة من صور الريف في لوحة تعبيرية تقول:


بصرتها خوداً على فقرها
كأنها الريحان في الآنيه

ترفع ما تجني على رأسها حاسرة - رأد الضحى - حافيه


وسط نثار القمح تمشي به
في حلقها ضاحكة لاهية
وعاش للخود ابن عم لها
كأنها رايته في الجهاد
الف ما بينهما سعيه
لودها بالرزق من كل واد
فحظه منها على وصله
كحظها من قراء، وزاد

وفي «مدخل لقراءة الشعر البحريني المعاصر» يتناول الاستاذ امجد ريان، مدى تأثير الرومانسية في الشعر البحريني من خلال قراءة اعمال المدارس الادبية والشعرية اوائل القرن الرابع عشر الهجري، فيقول:« لقد كان وراء بروز الرمانسية في الشعر البحريني عاملان اساسيان الاول: ينبع من داخل الواقع البحريني في خضم التطورات الجديدة وصعود الطبقات الوسطى، والرغبة في تغيير نمط الحياة والفكر، والابداع بالتالي، والثاني، هو انتقال الفكر الجمالي التجديدي الذي فجره المهاجرون والديوان، وابولو في مصر عن طريق المجلات الادبية الواردة: الرسالة، الثقافة، ابولو، وغيرها، علاوة على بداية الاطلاع على الثقافة الاجنبية سواء في مصادرها او ترجماتها».
ويضيف الاستاذ امجد ريان قائلاً:« اعتمدت الرومانسية صوراً شعرية جديدة، وقاموساً لغوياً جديداً، ومفاهيم وافكاراً جديدتين، وتميزت تجربة الشاعر وابراهيم العريض من داخل تلك الحركة بداية من ديوانه «العرائس» الصادر عام 1946م وما تتميز به تجربته من ادخال الاسلوب الحواري».
الرحلة في اعماق الشاعر البحريني الاستاذ ابراهيم العريض، والتجوال في منتجعات دواوينه الخمسة تقتضي منا تأملا في الق الذكرى وجمال العرائس واعتباراً امام مشاهد القصة الشعرية في الاندلس المفقود تجاه ديوان «قبلتان» ورواية «وامعتصماه» ووقوفاً طويلاً على «ارض الشهداء» حتى تضيء «شموع» النصر في افق الحقيقة. وذلك الوقوف والتأمل والتذكر يدعونا الى استقطاب هذه الاعمال الشعرية وقرءاتها قراءة متأنية واعية والامتزاج بها على الرغم من اسلوبها التقليدي.
***
ومثل ما ابدع الشاعر العريض في كثير من صياغاته الشعرية فقد ابدع في ترجمة «رباعيات الخيام» من الفارسية الى العربية مستفيداً من التراجم الاخرى لوديع البستاني، محمد السباعي، صدقي الزهاوي، احمد رامي، احمد الصافي النجفي، احمد حامد الصراف، احمد زكي ابو شادي، علي محمود طه، ابراهيم المازني بالاضافة الى الترجمة الانجليزية لها، وقد اضفى عليلها ظلالاً جمالية مميزة عن التراجم الاخرى، ملتزماً بالوزن والقافية، والمعاني المألوفة، ندرك شيئاً من ذلك عندما ننصت معاً الى هذه الرباعيات المختارة من 152 رباعية:


وكم زهرة نشأت كالجنين
فقبلت الشمس منها الجبين
فما للرياح تهب ببشرى
وتسرع في نعيها بعد حين
ويا ليت شعري.. أتلك الزهور
عرائس نعمى جلتها الستور؟
فمن قبلة الشمس هذا الحياء
ومن لؤلؤ الطل ذاك السرور
لئن قمت في البعث صفر اليدين
وعطل سفري من كل زين
فيشفع لي انني لم اكن
لأشرك بالله طرفة عين
الهي: عقدت رجائي عليك
واطرقت رأسي بين يديك
فإن انت لم تعف عني هلكت
وهل مفزع منك الا اليك؟؟

في رحلتنا مع الشاعر ابراهيم العريض تعرفنا على امتزاج شعره بالنسيج القصصي الذي ادركنا خيوطه الملونة في نماذج من شعره، وامامنا الآن انموذج حي لرواية شعرية تنبض بالمعاني الانسانية التي تمزج الحلم بالحقيقة في رثاء طفلة ماتت في حادث حريق.
هذه الرواية الشعرية تنسج لوحتها من خيوط احداث واقعية مشهودة اختصرها الشاعر في مئة وثمانية عشر بيتاً، ونحن نقول اختصرها لان فصولها ربما تستغرق في النثر صفحات متراكمة.
هذه القصيدة «الرواية» اختارها الشاعر الدكتور غازي القصيبي ضمن نماذج كتابه بعنوان «قصائد اعجبتني» وقال في تقديمها:« لهذه القصيدة في نفسي مكانة خاصة لامور عديدة منها: انني احب شعر الرثاء واعتبره اصدق انواع الشعر على الاطلاق ان جاز لنا ان نستمر كما كان يفعل اجدادنا في تصنيف الشعر حسب اغراضه، ومنها انني احب الشعر الذي يتحدث عن الاطفال فهو في مجمله على الاقل ينبض بالحرارة والعاطفة الحية، ومنها انني اعرف الشاعر معرفة حميمة يربطني به - فوق علاقة المودة والاحترام ولاء التلميذ للاستاذ، ومنها اني اذكر الحريق الذي تتحدث عنه القصيدة وقد كنت ايامها طفلاً في المنامة في سن الطفلة التي ترثيها القصيدة»، ومن خلال هذه المعرفة المتواشجة للقصيدة وقائلها واحداثها يتحدث الدكتور غازي القصيبي عن القصيدة قائلا:«نحن امام رواية متكاملة فيها كل ما في عناصر الرواية الناجحة الا انها رواية مضغوطة ومكتوبة بالشعر، انها تعطينا من التفاصيل عن الطفلة ما يجعلنا نحب الطفلة، وتعطينا من التفاصيل عن ام الطفلة ما يجعلنا نكبر ام الطفلة، وهي تنقلنا الى البيت الذي تدور فيه الاحداث حتى نصبح جزءاً من حياته اليومية».
وكم كان بودنا ان نستكمل حديث الدكتور غازي القصيبي عن القصيدة، وان نورد القصيدة كلها، ولكن الموقف يحاصرنا ويرغمنا علي الاختصار، فنختار هذه الابيات من قصيدة «حديث دمية» للشاعر ابراهيم العريض:


مدت لها امها راحتيها
كأنها صورة الحنان
صبية.. عرشها الحنايا
ما جاوزت دولة الثمان
خفيفة الظل.. ذات زهو
تنعس في جفنها الاماني
ما انضر الروض في صباها
كل ما فيه وردتان
عالمها - لو ترى - صغير
لكن.. لها فيه الف شان
تعقد اعراسها.. فتلقى
ما شئت في العرس من اغان
بلا معان.. وانما سحر
كله حيث لا معاني
جاءت الى امها صباحا
تحتضن العرس باليدين
اماه ان الذي اعدته
خالتي كي تقر عيني
اود ان ارتديه حالا
فان للعرس جلستين
والريح مجنونة.. واخشى
اذا تمادت في الضحكتين
اخشى على دميتي اذاها
وما احق الدمى بصون
ما سكن الطل في ارتعاش
يا حبذا عهده القصير
حتى اتت كالمهاة تعدو
لامها.. وثغرها ينير
اماه.. اماه طالعيني
في بخنقي.. انه كبير
الا يرى شكله جميلاً
عليَّ في الريح اذ يطير؟
قالت لها «لبسة العوافي»
عاشت لايامك الزهور
هاهي تختال في العذارى
يكاد يلقي بها السرور
ودمية الحسن في يديها
قد لفها البخنق الحبير
لا تسمع الاذن حيث زفت
غير زغاريد يا طيور
لا تبصر العين حيث حلت
الا جنانا.. فالحور حور
حتى اذا الافق حال ورداً
وماج فوق الخضمِّ نور
كأنه ضحكة المرايا
في يد حسناء تستخير

وعندما كانت الطفلة تغرق في احلامها بعد استسلامها للنوم اذا بالريح الذي اضرمت الحريق فزادته تأججاً ولهيباً:


وطلت الريح من قريب
تسمعها نوحة الثكالى
كأنها مارد عظيم
ثار على الحق فاستطالا
تصهل في الغيم خيله
حيث لا يني.. يطلب النزالا
فأدركت نفسها علي شاطئ
بعيد كالليل طالا
وكل ما اومضت لها برقة
همى غيثها انهطالا
ولم يكن مزنة زلالا
وانما انجم تلالا
حتى رأت لجمة ترامت
من حولها.. قصفها تعالى
وغام في وجهها دخان
يخنق انفساها سعالا
واستفزعت امها بصوت
من بحة جف واستحالا
فاكتنفتها روح احست
في حضنها الدفء والظلالا

في تجربة الشاعر الاستاذ ابراهيم العريض شهدنا تلك الصياغة القصصية المتميزة لشعره عن شعر اقرانه من معاصريه، علي الرغم من تقليديته في الشكل والتناول، الا ان عنايته بالصور الانسانية المعبرة تضفي على قوالبه الشعرية ابعاداً تلامس الوجدان وتبقى في الذاكرة وتهتف من الاعماق مؤكدة مصداقيته الشعرية النابضة.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved