أشارت ورقة العمل التي قدمتها الهيئة العليا للسياحة خلال اللقاء السنوي الرابع عشر لجمعية الاقتصاد السعودي الذي عقد بالرياض خلال الفترة من 28 ـ 30 ابريل 2002م الماضي، وكانت تحت عنوان «الاستثمار السياحي في المملكة العربية السعودية» إلى اهم المعوقات التي تواجه الاستثمار في المملكة العربية السعودية بشكل عام والاستثمار السياحي فيها على وجه الخصوص، والتي تؤدي إلى تزايد تكاليف الاستثمار في المملكة العربية السعودية وتراجع عوائده، الأمر الذي يجعل المستثمرين السعوديين يميلون للاستثمار خارج المملكة العربية السعودية، كما يحد في الوقت نفسه من جذب وتشجيع الاستثمارات الأجنبية.
وعلى الرغم من أن ورقة عمل الهيئة العليا للسياحة قد ركزت وبشكل مفصل ودقيق على المعوقات التي تعترض نمو الاستثمار في قطاع السياحة في الاقتصاد السعودي، إلا أن تلك المعوقات تواجه المستثمرين السعوديين والأجانب على حد سواء، في معظم قطاعات الاقتصاد السعودي الأخرى.
وقد صنفت ورقة عمل الهيئة العليا للسياحة تلك المعوقات إلى عدة فئات، كان من أهمها تلك المعوقات التي ترتبط بأجهزة القطاع العام، وهي المعوقات المؤسسية والتنظيمية، والتي تشمل غياب الشفافية والبيروقراطية في أداء العمل الحكومي.
وأشارت ورقة العمل إلى ان غياب الشفافية في الاقتصاد السعودي يعد من بين أهم المعوقات التي تواجه المستثمرين، وذلك من زاويتين مختلفتين: الأولى عدم وضوح اللوائح والأنظمة، والثانية عدم توافر وكفاية البيانات والمعلومات الاحصائية، هذه المعوقات تصيب الشفافية في الاقتصاد السعودي في مقتل وتلغي متطلباً أساسياً وشرطاً ضرورياً لنموه، إذ ان عدم شفافية اللوائح وغموض الأنظمة يحدان من تدفق الاستثمار ويزيدان من أخطاره وتكاليفه، كما ان عدم توافر وكفاية البيانات والمعلومات الاحصائية يؤديان إلى نفس النتيجة، فالتعداد السكاني الذي أجري عام 1991م، كما تشير إلى ذلك ورقة العمل، لم يغط جميع الجوانب السكانية، ولم تنشر معلوماته إلا بعد مرور فترة زمنية طويلة على إجرائه مما أدى إلى تقادم معلوماته وعدم إمكانية الاستفادة منها، فضلاً عن انه ليس هناك تحديث لمعلوماته وأرقامه.
ومن ناحية أخرى، اعتبرت ورقة العمل ان البيروقراطية في أداء العمل الحكومي تعد من أهم العوامل المؤسسية التي تعوق الاستثمار عموماً والسياحي تحديداً، فالمعاملات الإدارية تحتاج إلى وقت طويل لإنهائها واخراجها من دهاليز الأجهزة الحكومية، وحيث إن الوقت عنصر مهم من عناصر التكلفة، تصبح الاستثمارات أكثر تكلفة وأقل عائداً، ولذلك فإن بعض المشروعات المربحة والجذابة في دول أخرى قد لا تكون كذلك بالنسبة للمستثمر داخل المملكة العربية السعودية عندما ترتفع تكلفتها الزمنية والمالية بسبب بيروقراطية أداء العمل الحكومي، وأكدت ورقة عمل الهيئة العليا للسياحة ان تعقيدات العمل الإداري في الأجهزة الحكومية، التي تتمثل في صعوبة الحصول على التراخيص اللازمة للمشروعات الاستثمارية على سبيل المثال، تؤدي فعلاً إلى عزوف بعض المستثمرين عن الاستثمار في القطاع السياحي وتحويل استثماراتهم إلى دول أخرى.
وإذا كان هذا حال قطاع السياحة الفتي، التي تقول الهيئة العليا للسياحة انه يأتي في المرتبة الثالثة في تكوين الناتج المحلي الاجمالي للمملكة العربية السعودية بعد قطاعي البترول والصناعات التحويلية، بمساهمة بلغت 5 ،5% في عام 2001م، فما هو الحال في بقية قطاعات الاقتصاد السعودي، في مرحلة تنموية تهدف فيها خطط التنمية المتعاقبة إلى تنمية قطاعات الاقتصاد المختلفة بزيادة تفعيل مقومات النمو الاقتصادي فيها وتنويع مصادر الدخل القومي؟
ربما يمكننا ان نجد أكثر من مبرر لو كانت معوقات الاستثمار ترتبط بعوامل أخرى يحتاج القضاء عليها إلى تكاليف استثمارية لا تسمح بها ايرادات الحكومة في الظروف الراهنة، او تحتاج لفترة زمنية طويلة للقضاء عليها، لكن من الصعب القبول بأن تكون الأجهزة الحكومية أحد العوامل الرئيسية التي تعوق الاستثمار في الاقتصاد السعودي.
مَنْ يتحمل هذه المسؤولية؟ هل كانت الهيئة العليا للسياحة وهي تقدم ورقة عملها في منتدى اقتصادي هام تغرّد خارج السرب وتنادي من لا حياة له؟ مَنْ يتحمل مسؤولية القصور في أداء الأجهزة الحكومية؟ هل المسألة خلل مؤسسي أم خلل بشري؟ هل المسألة ترتبط بالقدرات أم بالإمكانات؟ أسئلة كثيرة تفرض وجودها أمام هذا التشخيص الدقيق الذي خلصت إليه ورقة عمل الهيئة العليا للسياحة، وهي إن قدمت بعض الحلول والتوصيات تظل في موقف من ينطبق عليه المثل الشعبي «العين بصيرة واليد قصيرة!»، وهي إن علقت الجرس واكتفت بذلك، إلا ان هذه الأسئلة ستظل تطل من خلف علامات الاستفهام الكثيرة وستبقى أسئلة مشروعة تنتظر عملاً حقيقياً حاسماً يعطي للاقتصاد السعودي ما يستحقه من اهتمام في زمن لا يعطي الفرصة للانتظار، ذلك لأن تراكم تبعات استمرار هذه المعوقات سيحرم الاقتصاد السعودي من عوائد رؤوس أموال وطنية تهاجر بسببها إلى الخارج ورؤوس أموال أجنبية كان بالإمكان جذبها إلى الداخل، ويكون هذا الحرمان موجعاً إذا ما أسندت افرازاته على ما فوّته الاقتصاد السعودي من فرص زيادة المضاعفات الانفاقية في قطاعات الاقتصاد السعودي المختلفة وقطاع السياحة تحديداً، إذ يولد المضاعف الانفاقي السياحي الكلي، وفق تقديرات الهيئة العليا للسياحة لعام 2001م، نحو 8 ،37 مليار ريال سعودي من المبيعات و1 ،8 مليارات ريال سعودي من الدخل و26 مليار ريال سعودي من القيمة المضافة و489 ألف فرصة عمل.
* رئيس دار الدراسات الاقتصادية الرياض |