Sunday 21st July,200210888العددالأحد 11 ,جمادى الاولى 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

في كتاب بعنوان «شن الحرب الحديثة» في كتاب بعنوان «شن الحرب الحديثة»
الجنرال ويسلي كلارك يستعرض دروس حرب البلقان

  «لا أحد يبدأ الحرب، أو بالأحرى لا ينبغي لأحد بكامل قواه العقلية الإقدام على فعل مثل ذلك من غير أن تكون لديه رؤية واضحة في مخيلته عما ينوي الوصول إليه بهذه الحرب وكيفية إدارتها» بالفعل تلك قاعدة معروفة، ولكن كثيرا ما تم انتهاكها، وأكثر ما حدث ذلك في السنوات الأخيرة من القرن العشرين، ويبدوأن ذلك سوف يتكرر ثانية في سلسلة الصراعات في القرن الحادي والعشرين، ونحن نكرر ذلك بصورة مماثلة الآن بالمغالاة في تقدير قوة أسامة بن لادن وكفاءته، وذلك بتضخيمه وجعله بمثابة «نابليون الإرهاب»، ولكن من الواضح أننا لم نستجب بعد لمثل هذه التحديات ولا نشعر بوضوح الأهداف والغايات، فقد كانت سمة الجهود الدبلوماسية والعسكرية للدول الغربية في العقد الماضي هي الإرباك والتردد والتسويات الخاطئة مع هؤلاء المجرمين الذين ارتكبوا جرائم حرب أو أولئك الذين أشعلوا فتيلها، إضافة إلى تأرجح الرأي العام، والانشقاق بين الحلفاء.
ويمكن أن يقال بأن هؤلاء الذين انتصروا في الحروب نجحوا في ذلك لأن لديهم فهما أفضل لكل من الماضي والحاضر عن خصومهم، ولذا لا تعتبر مسألة تجميع الخيوط التي تربط أطراف الصراع في السنوات الأخيرة ببعضها البعض شيقة فحسب، بل حيوية وهامة كذلك.
حاول الجنرال ويسلي كلارك في كتابه الذي بعنوان «شن حرب من نوع جديد» أن يستجلب الدروس المستفادة من تدخل الغرب في البلقان وخاصة من الوقت الذي كان يشغل فيه منصب القائد الأعلى لقوات التحالف في أوروبا، والتي كانت مهمتها الأولى هي إجبار ميلوسوفيتش على الخروج من كوسوفو، وقد كانت رواياته لتلك الاحداث يشوبها الامتعاض، فبعد وقت قصير من انتصار الناتو في كوسوفو تم صرف الجنرال كلارك من الخدمة، وقد أبلغ رؤساءه في واشنطن بأن هذه كانت حربا خاطئة في توقيت خاطئ، ولكن يرى كلارك أن هذا الإحباط الشخصي كان أهم درس قد تعلمه في كوسوفو، وقال انه درس يمكن تطبيقه على حرب أفغانستان والحملة ضد الإرهاب في وقتنا الراهن، وهذا الدرس هو «القدرة على الرفض»، فقد كان من المفترض أن تكون القوات المسلحة الأمريكية مستعدة للقتال في جبهتين، واحدة في كوريا والأخرى في الخليج، وفي وقت واحد إذا ما تطلب الأمر ذلك، وكان قادة تلك الحروب غير مهتمين بأي صراعات أخرى، لدرجة أنهم كانوا ينكرون وجودها ابتداء، حتى مهامهم في الخليج وكوريا لم تكن واضحة ومباشرة تماما، وذلك لأن مقاييس الحربين كانت مجرد وسيلة لاستخلاص أقصى المصادر المالية من حكوماتهم، ولكن ما حدث أن المشكلة ازدادت تفاقما يوما بعد يوم، فبعد تعافي الجيش الامريكي بعد عام 1975 قام بتنظيم نفسه بطريقة تقلل من احتمالات استخدامه في أي شيء آخر فيما عدا حرب شاملة ولا يمكن منعها، وأنه كان من الخطأ تدخل الجيش في فيتنام، وكانت الحرب ضد العراق من ذلك الطراز إلى حد ما، ولكن لم تكن هناك حروب أخرى مطابقة لتلك الحالة، وقد حدثت صراعات في مناطق أرادت الولايات المتحدة أن تغض الطرف عنها، أو حتى مجرد محاولات لفهم أبعادها، وقد أدت الحساسية المفرطة للسياسيين تجاه أي احتمالات لحدوث خسائر بين أفراد الجيش إلى دعم هذا الاتجاه داخل القوات المسلحة الأمريكية.
وفي عشية احتفالية الناتو بالذكرى الخمسين، في الوقت الذي بدا واضحا أن القوة الجوية وحدها لن تكون كافية لإخراج ميلوسوفيتش من كوسوفو، حذر وزيرالدفاع في ذلك الوقت وليام كوهين كلارك قائلا: «لا تذكر أي شيء إطلاقا عن تدخل قوات المشاة الأمريكية، ينبغي علينا إنجاح هذه الحملة الجوية بأي شكل وإلا يجب علينا أنا وأنت أن نقدم استقالتنا»، ولذا وجد كلارك نفسه يواجه المؤسسة العسكرية في واشنطن والتي كانت على استعداد بأن تنشر «قواتها لحروب وهمية، في الوقت الذي تخسر فيه حربا حقيقية في أوروبا».
وبالنسبة للأوروبيين، فقد كانوا يعتبرون الرجل المناط به العمل الذي كان أول من أرسى دعائمه الرئيس الامريكي أيزنهاور أي «كلارك» قائد قوات الحلفاء في أوروبا ، وربما يساوي لقادة أركان الجيش في واشنطن، ولكن بالنسبة لقادة الجيش في واشنطن، كما أوضح كلارك بحزن، فإن القيادة العليا لقوات الحلفاء في أوروبا ما هي إلا قيادة إقليمية وليست هي المناط بها اتخاذ القرارات ذات الأهمية القصوى بهذا الصدد، فعند ما حاول كلارك أن يستجيب إلى حاجة أوروبا لتحدي ميلوسوفيتش للناتو، تم تجاهل كلارك بصورة تامة وتخطوه، وهاجمه قواده بعنف.
ويرى كلارك ان ما يقوم به الغرب في الوقت الحالي هو أنه يشن حربا في الوقت الذي يراه ملائما لذلك، وهذا النوع من الحروب النفسية يعتمد بصورة أساسية على التحالفات أو الائتلافات والتي يجب أن تدار بصورة حساسة، فهي تشن بأسلحة غاية في الدقة من نوع ضربات الجراح الماهر ولكنها ليست دقيقة بصورة كافية لتجنب الأضرار على كل من الأفراد والمنشآت، فهي تشن، خلافا لكل الحروب السابقة، من أجل تقدم نفسي وسيكولوجي كما تشن من أجل أهداف ملموسة على حد سواء، وهي تخضع لاهتمام إعلامي لا يتوقف، وتعتمد على التركيز على توقعات الرأي العام بأن الحملة العسكرية سوف تجلب نتائج سريعة وبدون خسائر تذكر في الأرواح بين القوات العاملة، أو بين المدنيين في منطقة العمليات، والتردد الأمريكي حول كوسوفو، والذي صاحبه تذبذب أوروبي، كما يؤكد كلارك كان يمكن أن يكلفنا فقدان الحرب هناك، ولكن ساعد التصميم البريطاني على عدم خسارتنا لتلك الحرب، ولكن قبل ذلك بوقت كبير كان لبريطانيا نفوذ أكبر على سياسة البلقان، ولكنه كان نفوذا سيئا، وقد وصف «بريندان سيمز» هذا الفشل البريطاني السحيق من الناحية الأخلاقية والعسكرية والسياسية في كتابه «أحلك اللحظات» الذي أدان ذلك بشدة، ولكنهم للأسف قاموا بإيجاد تبريرات لذلك كله، وفي الوقت الذي تم فيه تقسيم يوغسلافيا، قررت الحكومة البريطانية التي كانت واقعة تحت تأثير وزارة الخارجية بقيادة دوجلاس هيرد في ذلك الوقت أن البوسنة لا يمكن إنقاذها، وأن صربيا سوف تفوز في النهاية ولم تفعل شيئا إزاء ذلك، ورفع حظر التسليح عن البوسنة والهرسك الذي وضعهم في ذلك الوضع المتردي لن يؤدي إلا لإطالة أمد المعاناة، ولكن كان يمكن إرسال قوات من أجل مراقبة وصول المساعدات الإنسانية.
وكما يقول «أدريان هاستنجز» في مساهمة منه في كتاب «الحرب في كرواتيا والبوسنة والهرسك» ان القوات البريطانية وجدت «سلاحا سريا» وذلك بقيامها «بالمزج بين الإصرار على الحظر على السلاح للبوسنة، مع استمرار الوجود العسكري بحجة وصول المساعدات الإنسانية»، فقد نجح ذلك الخليط في تجميد السياسية الغربية في أسوأ وضع لها، وفي الوقت ذاته تم استدعاء الجيش البريطاني إلى البوسنة والذي كان مقيدا بسبب تجارب سابقة له في عمليات التحرير والحرب في أيرلندا الشمالية.

المؤلف: General Wesley K Clark
الناشر: Public Affairs Ltd

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved