Sunday 21st July,200210888العددالأحد 11 ,جمادى الاولى 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

ثم ماذا؟ ثم ماذا؟
عندما يكون الإنترنت متنفساً
بدر بن سعود

الواقع الافتراضي الذي لم يكن متوفراً قبل قيام الإنترنت وانتشارها على نحو واسع، أسهم في تقريب المسافات، وتوفير مساحة واسعة، وسقف عالٍ جداً لحرية التعبير، استفادت منه بشكل ملحوظ تلك المجتمعات التي تعاني من اختلالات تمس التطبيقات السليمة لمفهوم المواطنة والمصلحة العامة والشورية. كما عالج في بعض الأحيان عبر النقاش الموضوعي وتقديم الحلول المحايدة البينية، مشكلات اجتماعية حساسة كان الدخول إليها سابقاً بالتلميح لا التصريح، يواجه بردود فعل عنيفة، ترافقها تصرفات قد تنتهك بدافع الحرص والاجتهاد حقوق الطرف المواجه، وهو ما هيأ بالتالي فرصاً مناسبة جداً للتنفيس واكساب القضايا المحلية صفة العالمية، بواسطة تطويع امكانات «الايميل» سريع الوصول، أو منتديات الحوار أو حتى «الشات»، ولا أقصد هنا الدردشة الإلكترونية بمعناها المتعارف عليه واستغلالها الرخيص لتكوين علاقات محرمة أو مرفوضة، أو إدارة حوارات فارغة، وإنما «الشات» ورسائل البريد الإلكتروني المتوازنة والعقلانية بين أصحاب الاهتمامات المشتركة، ضمن مجموعات أو مواقع محددة تضم السياسيين والاقتصاديين وأصحاب العلوم والمهن وغيرهم، وربما هذه التجربة غائبة أو غير معروفة عند الكثيرين منا محلياً.. إلا أن ذلك لا يلغي بدون شك الاحتمال شبه الأكيد لوجود استخدامات موتورة أو مريضة تحاول الترويج لأفكارها السوداء، بتوظيف أحداث مختلقة أو معاد تشكيلها بعد وضع لمسات تخاطب الأهداف المرجوة، وتكون من خلال سرد حقيقي يتناول الخطوط العريضة لواقعة ما، ثم حشوها بالجمل النارية والألفاظ المستفزة لقارىء النص، وهي طريقة لها تأثير بالغ خصوصاً عندما يكون المستقبل عاطفياً أو مشحوناً بخبرات سابقة غير مشجعة، ولعل الدول ذات المصالح وليس الأفراد والجماعات الصغيرة فقط، تستغل هؤلاء تحديداً في تمرير مخططاتها النفسية المدروسة لخلق حالة تذمر أو امتعاض شعبي، دون الحاجة لتحرك عسكري، أو تحرير منشورات وتوزيعها بطريقة سرية كما جرت العادة فيما مضى.. على الجانب الآخر يقدم الإنترنت حلاً توفيقياً للمبدعين العرب، بنشر ابداعاتهم والدعاية لها خارج دائرة الرقيب المتوجس، المكبل بمعطيات التراث الإعلامي الشمولي والتبعية المباشرة أو غير المباشرة لتوجهاته، ما يقيم مخرجاً يناسب الجميع ولو أنه لا يحظى بالرضى الكامل.. فقد أنشىء الإنترنت مجتمعاً مستقلاً له هوية خاصة أعادت للكلمة هيبة الحضور وقدرة الفعل الصامت!، ما لم تكن قد حققت أيضاً مجالاً مطلوباً لتفاصيل اجتماعية دقيقة كنا نظنها أصعب على الحل، ومنها مثلاً المعاناة المستمرة للبيوت بسبب انشغال الرجال عن التزاماتهم الأسرية، والتجمع في الاستراحات أو استضافة بعضهم البعض لممارسة لعبة البلوت الشعبية الأكثر انتشاراً، إذ أصبحت الآن وبفضل الإنترنت طبعاً عملية المشاركة الحية والمباشرة لممارسة اللعبة سهلة وميسرة، ولا تكلف سوى عناء الوصول للموقع وتوجيه دعوة بأي وسيلة اتصال للزملاء كي يشاركوا، ما يعني أن المصاب بداء البلوت سيبقى متواجداً خلال الإجازات الأسبوعية وليس غائباً كالعادة أو مشغولاً بضيوفه.. ولكننا نظل كمجتمع مبهور التحق متأخراً بركب الحضارة المتسارع، نحبذ التعامل المفرط والعشوائي تجاه كل ما تقدمه التقنية لنا، ولا نقبل الأخذ بانصاف الحلول دائماً، وتلك عادة نمارسها ليس بالنسبة للإنترنت وحدها، بل كسلوك متواصل يلازم تصرفاتنا السياحية والاجتماعية والإعلامية والاقتصادية وهلمجرا، فنحن الأقدر والأجدر والأفضل والأقوى رأياً والأكثر حوادث مرورية على مستوى العالم وهلمجرا، وخذ ما تشاء من أفعل التفضيل بغير قيد أو شرط، لأنك ببساطة ستجد لها مرادفاً محلياً يتراقص أمامك، ولا ندري أهي التركيبة الثقافية أم العادات الاجتماعية أم البطالة والفراغ، وكيف نستلهم أسباب المصارحة ونمسك بأدواتها ما دامت القنوات محدودة والأبواب شبه مقفلة.. فهناك مشاهد متعددة تبين الأوجاع المزمنة يتم التغاضي عنها أو تجميلها لا نعلم لماذا؟ بينما الأحوال الحالية تستدعي موقفاً يستميل الراهن المحلي ويحاول التعرف عليه، فلا تكفي القرارات والأشكال الإدارية الرمزية كوسيلة لمخاطبة الأماني والطموحات، بل لا بد للفعل أن يحرر نفسه من نفسه، وينتصر للمعادلة المحلية بكافة تناقضاتها الفكرية والاجتماعية، بابتكار اطار يستوعب التنوع وينصت إليه متيحاً له فضاء ملائماً للحركة، يقرب الفجوة ويتصدى لهموم متزايدة يكابدها المجتمع وابناؤه، وعندها لن تلعب الإنترنت والتصرفات الأخرى المبالغ فيها دوراً كريهاً ومرفوضاً أتاحه فرصة غياب البدائل الممكنة رغم قابليتها للوجود والحياة.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved