هل يبدو من المضحك أن نطالب بجماعة (الخضر) نؤسسها في محيطنا، وهي الجماعات العالمية التي تحافظ على البيئة من جميع أنواع التلوث، وتناضل ضد جشع البشر واستهلاكهم الصناعي الذي دمر البيئة؟
ولكن علاقتنا مع البيئة أعتقد يتدخل فيها عدد من الأمور والمسارات التي تغور في عمق تركيبتنا الاجتماعية، والكيفية التي تتكون منها علاقتنا مع المحيط الخارجي.
فلاشك بأننا نلمس بأن تعاملنا مع الألم الخارجي يسيطر عليه الكثير من الخشونة بل والعدوانية التي تصنع الكثير من السدود والحواجز التي تقصينا عن الانسجام الكلي مع بيئتنا. وإذا قلت هنا البيئة فلا أعني بها البيئة الطبيعية تحديداً، بل هي علاقتنا مع المحيط الخارجي لمنازلنا خصوصاً...
فإلى الآن نحن نجد صعوبة في الانتظام في صفوف بانتظار دورنا في الوصول الى خدمة معينة، ومنظر التزاحم والتكالب الهمجي يصادفنا في الكثير من الأماكن. قد لا نستثني منها الحرم الجامعي الذي لابد أن يكون موطنا للسلوك المتمدن الحضاري، ولكن الذي يحدث أمام بوابات القبول والخدمات بجميع أنواعها وصولا إلى صالات الطعام هي أبعد ما يكون عن السلوك الحضاري المهذب. أعداد الوفيات التي نسمع بها اثر التكالب على المرجم أثناء اداء شعيرة الحج يثير العجب.. فعلى حين من المفترض بأن العبادات يتقمص فيها البشر السمو والروحانية والبعد عن التفاصيل الدنيوية إلا ان منظر الحجاج حول المرجم هو أبعد ما يكون عن هذا.
سلوكياتنا في الأسواق والأماكن العامة فالمرأة ممكن أن تضايق وتقتحم خصوصيتها بشكل فج لا لشيء سوى انها امرأة، الممرات في الأسواق نجد صعوبة في أن نفسح لبعضنا البعض المرور أو نشرع الأبواب أو نتبسم ونلقي السلام بشكل دمث وبشوش.
هل نفسح الأماكن للأمهات والأطفال أو الشيوخ والسيدات؟؟؟
أذكر عندما كنت في الخارج وكنت أسير دافعة عربة طفلي أمامي كنت أحس بأنني ملكة تسير في موكب مهيب، فالجميع يتسابق على مساعدتي وفتح الأبواب وتيسير الأمور لا لشيء سوى الاحترام الوافر للأمومة والطفولة. نحن وعمالتنا القادمة من دول العالم الثالث نضع تخلفهم فوق تخلفنا، ولا نجد بأسا في الوقوف في الأماكن الخطأ والبصاق في الشوارع وقذف القاذورات عند أقرب منعطف يصادفنا والحديث والصراخ بصوت فج مرتفع. الأودية البكر الجميلة التي تحيط بمدينة الرياض عندما تغدق مواسم المطر نجد بأنها تتخبط بمخلفات المتنزهين ومعلباتهم وحسهم اللامسؤول والأناني اتجاه البيئة.
التلوث الصوتي سواء أصوات الأبواق أمام الاشارات، أو أصوات أطفالنا في الأماكن العامة التي تخترق خصوصية الآخرين، أو أصوات شجار أطفالنا ولعبهم في الشارع. هناك مشكلة حقيقية لدينا في العلاقة مع العالم الخارجي، مشكلة يجب أن نتصدى لها بوعي وحزم ابتداء من مراحل الطفولة الأولى من تلك المرحلة التي يجب ان نعود فيها التلاميذ على الوقوف المهذب المحترم لمحيط الآخر أمام مقصف المدرسة وصولا الى مراحل متقدمة في علاقتنا مع المحيط. منهج التربية الوطنية الذي يدرس لتلاميذنا يجب ان تكون أولى مفرداته هي تدريب الطلبة على التعايش الحضاري المهذب مع الآخر، وخلق محيط من الاحترام والدماثة، هذا وإلا ستظل جميع الأمكنة خارج المنازل عرضة للاقتحام والعبث وصولا إلى التدمير. وإذا فكر أحدكم بإنشاء منظمة محلية (للخضر) فأتمنى أن أكون أول أعضائها.
|