Tuesday 23rd July,200210890العددالثلاثاء 13 ,جمادى الاولى 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

منذ وعد بلفور إلى خطاب بوش منذ وعد بلفور إلى خطاب بوش
ما زالت المهزلة مستمرة..!!
أسامة عليان

مع قرب اكتمال دورة قرن كامل في تاريخ العرب المعاصر، منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية، ومع استمرار دوران تاريخ العرب المعاصر حول نفسه في دائرة لا يبدو لها مخرج حتى الآن ، فإن قضية فلسطين تعود وتطرح نفسها كقضية العرب الأولى، بل قضية العرب المركزية، في زمن الانبطاح العربي.!
ومع أن شعار «فلسطين قضية العرب الأولى» قد بدا لبعضنا مجرد شعار عاطفي، حرارته معرضة للبرود كلما ابتعدنا عن نكبة 1948م، أو شعاراً مبتذلاً فارغاً من أي معنى، لكثرة ما أسيء استخدامه في سوق الدعاية السياسية المبتذلة لهذا النظام العربي أو ذاك، فإن استمرار العجز العربي عن دخول العصر الحديث بما يوازي حجمهم التاريخي، وحجمهم الجغرافي، وحجمهم السكاني، وحجمهم الاقتصادي، هذا العجز لا يبدو مكثفاً كما في تعاطي العرب مع قضية فلسطين، سواء في ذلك مرحلة المواجهة ومرحلة التسوية، لسبب بسيط هو أن تعاطي العرب مع قضية فلسطين، كان وما زال موازياً لتعاطي العرب مع قضية دخول العصر الحديث، ومع خطط المجتمع الدولية في هذا العصر الحديث.
لقد بدأ التداخل بين المسألة الفلسطينية، ومسألة بحث العرب عن ذاتهم في العصر الحديث، منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية، في العقد الثاني من القرن العشرين.
فإذا كان مشروع الشريف حسين وأبنائه (معه ومن بعده) هو خطة القيادة العربية المركزية في تلك المرحلة، فإن رسائل مكماهون حسين، توضح أن خطة «القيادة العربية الرسمية» لإدخال العرب العصر الحديث (سياسيا وحضاريا) مع تباشير انهيار الإمبراطورية العثمانية، كانت تتركز على الاتجاه للغرب، معبراً عنه بالقوة الغربية العظمى في تلك المرحلة: بريطانيا.
وفي ذلك الوقت بالذات، كان الغرب يضع خطته للتعامل مع المنطقة العربية بل لتقرير مصيرها من خلال القرارات التي عبرت عنها مجموعة من الوثائق، بعضها كان ثنائياً «بين طرفين أوروبيين، أو بين طرف أوروبي وطرف صهيوني»، وبعضها اتخذ طابعاً أوروبياً جماعياً، ابتداء بوعد بلفور، مروراً باتفاقية سايكس بيكو، وانتهاءً بمؤتمري فرساي وسان ريمو، وكل تلك الوثائق تضج بروح مناقضة تماماً لروح رسائل مكماهون الحسين، فبينما كانت هذه الأخيرة تتصور استقلال العرب وتوحدهم ودخولهم العصر الحديث، عن طريق التحالف مع الغرب والاعتماد الكلي (بل المطلق) عليه، كان الغرب يخطط لتقاسم المنطقة العربية بين قوتيه العظميين (فرنسا وبريطانيا)، ويستكمل ذلك بمشروع إنشاء دولة لليهود في فلسطين، كجزء من الخطة الشاملة للسيطرة، تضمن للغرب (في الوقت نفسه) دفع اليهود خارج أوروبا والتخلص منهم ومن مشكلاتهم.
لقد ظلت هذه المسألة، هي المحور الذي دارت حوله أحداث المنطقة العربية في القرن العشرين، بالتفاعل الإيجابي والسلبي، بالقبول والرفض، في تفاصيل لا تتسع لها هذه السطور، ولكن ما يهمنا في الأمر الآن أن السيناريو نفسه يتكرر حرفياً في المرحلة الراهنة من تاريخ هذه المنطقة، التي انطلقت من مؤتمر مدريد وما زالت مستمرة في محاولة لاستكمال رسم الخريطة السياسية والديموغرافية لهذه المنطقة من العالم، برغم انتقال زعامة العالم إلى وشنطن.
فبينما استمر العرب في إيهام أنفسهم بأن مشروع التسوية هو مدخل العرب إلى الاستقلال والرفاهية ودخولهم رحاب العصر الحديث، بالاعتماد الكامل على الغرب، فإن وثائق مشروع التسوية، (خصوصاً اتفاقية أوسلو)، تشير كلها إلى أن الغرب لا يفعل سوى محاولة استكمال المشاريع القديمة المرسومة في وعد بلفور، واتفاقية سايكس بيكو، ومؤتمري فرساي وسان ريمو، وصولا إلى ما تم في العام 1948م.
واستكمالا لهذه المشاريع جاء خطاب الرئيس الأمريكي جورج بوش لوضع خطته للسلام في المنطقة.
لقد انتظر العالم العربي خطاب بوش طويلا، فجاء هذا الخطاب كسيحاً ومنحازاً وظالماً.!
ما قدمه بوش باختصار ليس خطة سلام، وإنما خطة شارونية صهيونية هدفها القضاء بشكل نهائي على أحلام الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على أرضه.
خطة بوش هي سلسلة من الشروط المهينة التي يريد فرضها على الشعب الفلسطيني دون أن يقدم له مقابل هذه الشروط أي شيء سوى وعود هلامية لا قيمة لها.!
إن التناقض الذي يشعر به العرب «شعبياً ورسمياًَ» بين إدعاءات مشروع التسوية من جهة، وبين ما يجري على أرض الواقع، وما يبشر به هذا الواقع لمستقبل المنطقة، هو تكرار حرفي للتناقض الذي كان قائما في مطلع القرن بين ما تبشر به مراسلات مكماهون الحسين من جهة، وما تخطط له وثائق بلفور وسايكس بيكو، ومؤتمري فرساي وسان ريمو من جهة ثانية.
وكما كان مشروع إنشاء دولة إسرائيل يؤسس منذ بدايته على أساس الإنكار الكامل لوجود شعب فلسطين، إضافة إلى إنكار حق هذه المنطقة في العالم بالاستقلال الكامل ودخول العصر الحديث من أبوابه الواسعة، فإن كل تناقضات مشروع التسوية المتعثرة والمقلقة للعرب (شعبياً ورسمياً) يمكن وضعها، عند امعان النظر فيها، تحت عنوان إلغاء ما أمكن من شعب فلسطين (ثلاثة أرباعه على الأقل)، ما دام إلغاؤه الكامل مستحيلا، كما في النسخة الأولى للمشروع، هذا بالنسبة لفلسطين.
أما بالنسبة للعرب، فإذا كانت أشكال السيطرة القديمة قد أصبحت بالية، فلا بأس من نحت أشكال جديدة للعلاقة، نتيجتها العملية الحتمية إبقاء خيرات هذه المنطقة وأسواقها ومصيرها تحت سيطرة الغرب.

* كاتب فلسطيني الرياض

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved