Friday 2nd August,200210900العددالجمعة 23 ,جمادى الاولى 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

شعاع شعاع
قلم... من الماضي
د. طاهر تونسي

كان عصر المماليك بحق عصراً خصباً ثراً، ذلك لأن المماليك شجعوا العلماء واغدقوا عليهم ورفعوا من مكانتهم وأسسوا لهم دور العلم الكثيرة التي تتبعها واتقن وصفها تقي الدين المقريزي في خططه بتفصيل واسع.
وقد نشط أدباء الكتابة والإنشاء وجودوا صناعتهم وتتابعت طبقاتهم ونبه شأن بعضهم حتى عُد بين أفذاذ أعلام الأدب ومن هؤلاء نذكر قلماً رائعاً بديعاً من أقلام ماضينا العظيم. وهذا اليراع الفذ هو يراع الأديب ابن حجة الحموي.. «حجة بكسر الحاء لا فتحها، هكذا ضبطها الإمام شمس الدين السخاوي في أعيان القرن التاسع».
وقد اشتهر ابن حجة الحموي بين قراء الأدب بكتابه الشهير الذي قل أن يستغني عنه أديب من الأدباء وهو كتاب خزانة الأدب. وقد كانت البداية في مدينة حماة حيث ولد ابن حجة الحموي وحماة مدينة في شمال سورية يرجع تاريخها إلى ما قبل مولد المسيح عليه السلام بنحو ألفين وخمسمائة عام. وقد سكنها الآراميون والكنعانيون ثم حكمها الفراعنة والآشوريون إلى أن ملكها الرومان ثم العرب.
وقد ولد أديبنا تقي الدين أبو بكر بن حجة الحموي سنة 767هـ واشتغل في مطلع حياته بعمل الحرير وعقد الازارير ثم مال إلى طلب العلم ومعاناة الأدب وقرض الزجل وعكف على الاطلاع وقراءة الكتب. يقول عنه الإمام شمس الدين السخاوي «تشعر وأنت تطالع أسفاره وبخاصة خزانة الأدب أن الرجل موسوع العقلية طوف على آفاق العلم والأدب ورحالة في مختلف أسفارها قديمها ومحدثها يجمع منها الشوارد ويقيد الأوابد ويقرب بين المتباعد ويسوي بين هذا الشتات فإذا هو خلق جديد فيه دماثة وملاحة واسجاح وسماحة».
وابن حجة الحموي محيط بآداب من سبقوه ولاسيما الشعراء والكتاب والنقاد والبلغاء وهو واسع الإحاطة بأدب القاضي الفاضل صفي الدين الحلي وابن نباتة وبآداب معاصريه.
ولقد تأثر أدبه وذوقه بأدب هؤلاء الفحول وبدا ذلك واضحاً من مناهج أسلوبه في الشعر والكتابة.
وقد ترك حماة قبل عام 790هـ إلى دمشق فمدح قاضيها ابن جماعة ثم دخل القاهرة وعاد إلى بلاده ويبدو أنه لبث بمصر شهوراً. وفي سنة 791هـ ترك القاهرة إلى دمشق فأدركها محاصرة من قبل الملك الظاهر برقوق واشتعل بها حريق كبير سجله ابن حجة الحموي في رسالة له إلى صديقه فخر الدين بن مكافي.
ثم سافر إلى مصر ثانية ولبث بها بين عامي 802هـ قصيدة في التشوق إلى حماة. وقد كان ابن حجة في حلب سنة 807هـ اماما لكافلها الأمير علان ثم اختفى في فتنة قامت هناك.
وقد زار الخليفة العباسي المستعين بالله دمشق سنة 813هـ فمثل أمامه ابن حجة الحموي وأنشأ في ذلك رسالة طويلة مسهبة موجودة بخطه الآن بدار الكتب المصرية.
واستمر ابن حجة في رحلاته وتصانيفه حتى أدركه الأجل في بلده الأثير حماة ودفن بها في تربة الجسر وبنيت على قبره قبة بقيت جدرانها إلى نهاية القرن الثالث عشر فأقام بعض الناس حجارة على لحده وحفر عليها أن هذا قبر الغزالي أي صاحب كتاب احياء علوم الدين، والعامة يزورونه باسم الغزالي ويجهلون أنه قبر ابن حجة الحموي وأما الغزالي فقد دفن في مدينة طوس.
وقد تعددت جوانب ابن حجة فهو مؤلف وناقد وكاتب وشاعر ومؤلفاته كثيرة منها دواوين شعره وفي رأي صاحب هذه السطور أن أعظم كتبه وابقاها أثراً هو كتابه «خزانة الأدب» وقد بدأت فكرته بأن نظم ابن حجة الحموي قصيدة بديعية في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم وضمن كل بيت نوعاً بديعياً مع الإشارة إلى اسم هذا النوع في البيت نفسه. ثم قام في خزانته بشرح بديعيته ومنهجه في الكتاب أنه يعرض للنوع البديعي فيعرفه تعريفاً بلاغياً ثم يسوق أمثلة على النوع وتطبيقه ويسجل بيت بديعيته وما يقابله في غيرها.
وقد أكثر من الأمثلة الشعرية في بعض الأبواب حتى تحولت إلى دواوين من بابها وفي الكتاب شواهد من شعر شعراء مصر والشام وبخاصة شعراء العصر المملوكي والشعراء المعاصرين للمؤلف أضف إلى ذلك الشواهد من شعر أبي حجة الحموي نفسه فأصبح كتابه سجلاً حافلاً بنصوص أدبه قد لا تظفر بهما في سواه.
وله كتاب «ثمرات الأوراق» وقد نقله من عدة مراجع مثل درة الغواص للحريري صاحب المقامات والأغاني لأبي الفرج الأصبهاني ووفيات الأعيان لابن خلكان وسرح العيون لابن نباتة.
ولابن حجة الحموي آراء نقدية منها رأيه في ضرورة الاهتمام باستهلال الكلام وذلك اهتماما منه باجتذاب القارىء إلى النص يقول في ذلك.. «اعلم أنه اتفق علماء البديع على أن براعة المطلع عبارة عن طلوع أهلة المعاني واضحة في استهلالها وان لا يتجافى بجنوب الألفاظ عن مضاجع الرقة.. وأن يكون التشبيب بنسيبها مرقص عن السماع وطرق السهولة متكلفة لها بالسلامة من تجشم الحزن. ومطلعها مع تجنب الحشو ليس له تعلق بما بعده. وشرطوا أن يجتهد الناظم في تناسب قسميه بحيث لا يكون شطره الأول أجنبياً من شطره الثاني وقد سمى ابن المعتز براعة الاستهلال... حسن الابتداء».
وله كتاب «كشف اللثام عن وجه التورية والاستخدام» وله كتاب «تأهيل الغريب» وكتاب «قهوة الإنشاء» وكتاب «جنى الجنتين». وله ديوان شعر وشعره يغلب عليه التكلف ولكنه رصين السبك والصياغة ومن شعره الذي تظهر فيه طريقته قوله:


قد مال غصن النقا عن صبه هيفا
يا ليته بنسيم العتب لوعطفا
غصن غدا مخلفا.. لكن لعاشقه
ولم نجد عنه في بان النقا خلفا
ما لاح خاطف برق من ثنيته
إلا غدا منه لون البرق مختطفا
شريف حسن ومخضر العذار له
علامة وبهذا تعرف الشرفا

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved