من الظواهر النقدية الأصيلة التي أثرت على مسيرة الشعر العربي ظاهرة النقد الجماعي أو نقد الجمهور. وقد قدمت هذه الظاهرة باكراً كثيراً من مصطلحات النقد للشعر الجاهلي، فصنفت الشعر إلى معلقات ومذهبات وأوابد، والشعراء إلى خنذيذ «فحل» وشاعر وشويعر وشعرور. ومن إيجابيات هذه الظاهرة أنها أشركت المتلقي في مسؤولية الترشيح والمفاضلة وربطته بالمنتج والمنتج «بفتح التاء» دون وسطاء وأدعياء. وأعتقد أن هذه الظاهرة هي المسؤولية عن تحديد المعايير الدلالية والجمالية للشعر العربي، فالذاكرة الجمعية النابعة من وحدة الذوق هي الأبقى والأكثر شيوعاً في كل أمة.
وتشير بدايات تقنين العملية النقدية إلى أهمية دور الجمهور في تصدير الأحكام والآراء على القصيدة والشاعر، فيذكر ابن سلام الجمحي في «طبقات فحول الشعراء» أن الجمهور أول المصادر التي يمكن أخذ الأحكام النقدية منها! وعلى الرغم من الاهتمام الواضح بالآراء النقدية الجماعية وتدوينها في كتب التراث في أواخر العصر الأموي إلا أن النقد بمجمله أخذ منحى الفردية بذريعة أن المتلقي لا يملك الأدوات المناسبة للكشف عن جماليات النصوص مما فتح باباً للهيمنة الفردية وأوصد أبواب التفاعل الاجتماعي من الشاعر ونصوصه، معرقلاً بذلك نمو الذوق الجماعي من منطلقاته الأصلية!
أخيراً.. أجزم أن أدباء الوعي ليسوا بحاجة إلى إشادة ناقد مفوه بهم في قاعة أو مجلس مزدحم الحضور أو صفحة مجلة أو جريدة واسعة الانتشار بقدر ما هم بحاجة إلى نقد جماعي واع مثقف يتصل بتراثهم ويعايش حاضرهم ويتطلع إلى مستقبلهم.
wahab35@hotmail.Com | 
