Saturday 31th August,200210929العددالسبت 22 ,جمادى الثانية 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

شعاع شعاع
أنور المعداوي في كتاب جديد
بقلم: د. طاهر تونسي

النقد عمل ضروري فهو يقوِّم العمل - وليس بالضروري أن يكون العمل أدبياً - فالنقد قد يكون اجتماعياً أو اقتصادياً أو سياسياً، فقد يكون نقداً لظاهرة اجتماعية سيئة أو شخصية شهيرة. ومنذ نشأ الأدب والإبداع نشأت حاجة ملحة عند الناس إلى من يجعل ديدنه فحص الآثار الابداعية وتقويمها. وفي الأمة العربية ومنذ العصر الجاهلي بدأت الحاجة الماسة إلى وجود نقد منهجي فقامت الأسواق التجارية بالإضافة إلى دورها الاقتصادي بدورها في إثراء الحياة الفكرية والأدبية، وكما استضافت تلك الأسواق أيضاً نجوماً لامعة في النقد الأدبي فكان الشعراء ينشدون وكان النقاد يقومون بدورهم في غربلة الإنتاج فيحكمون لفلان أو علان.
واستمر الخطاب النقدي في تطوره بعد ظهور الإسلام وفي العصر العباسي نشأ كُتَّاب متمرسون في نقد الآثار الشعرية والنثرية من أمثال الجاحظ وابن قتيبة وحازم القرطاجني وأبي حيان التوحيدي وابن بسام وابن رشيق في كتابه العمدة في صناعة الشعر ونقده، ثم انحدر النقد في عصور الانحطاط.
وبعد عصر النهضة الأوروبية بدأ النقد الأوروبي يشتد عوده ويقوى ويتجه نحو نظير قوي ورؤية واسعة، فظهر في الأدب الفرنسي أعلام النقد من أمثال سانت بيف وتين وفولتير وجان جاك روسو وديدرو. وكان ديدرو أهم ناقد فرنسي فقد قام بنقد عدد هائل من الآثار الأدبية التي عاصرها وعدد كبير من الآثار الفنية ولم يسلم من نقده فنان حتى صديقه الرسام ميشيل فان لو والذي نقده ديدرو في اللوحة التي رسمها للناقد القدير.
وقد اشتهر نقاد ألمان كثيرون لعل أهمهم الناقد الشهير لسنج وكان ناقداً متعقلاً حكيماً اهتم بنقد الآثار المسرحية في كتابه الشهير «المسرح الهامبرجي» فضلاً عن أنه ألف كتاباً سماه «اللاوكون» لم يترجم إلى العربية بعد. وفي الأدب الإنجليزي نبغ كثير من النقاد من أمثال هازلت ولي هنت وماكولي كارليل.
أما الخطاب النقدي المعاصر فقد بدأ على يد مدرسة الديوان وهي مدرسة تتألف من عبدالرحمن شكري والعقاد والمازني.
أكتب هذه الكلمات ونحن نستقبل كتاباً ألفه الأستاذ أحمد محمد عطية عن ناقد عربي نسيه الأدباء وتنكر له الخلان وجحد فضله شداة الأدب. وكان في فترة من تاريخنا الأدبي وأخص بين السنتين 1948 و1954م الناقد الأدبي الأول في العالم العربي بعد ما ترك العقاد ميدان النقد وتلاه الدكتور طه حسين، في تلك الفترة تصدر هذا الناقد الساحة وكان له فضل كبير على كثير من الأدباء الذين اكتشفهم وقدمهم إلى القراء.
وهذا الناقد الكبير هو أنور المعداوي الذي نبغ وهو في بداية العمر وريق الشباب ثم انطفأ بسرعة بعد أن أصابه مرض ضغط الدم الخبيث مضافاً إليه داء الاكتئاب الوبيل الذي عزله عن الناس حتى توفي مغموراً عام 1965م.
عنوان كتاب الأستاذ أحمد محمد عطية «أنور المعداوي.. عصره الأدبي وأسرار مأساته» وقد قسم الأستاذ أحمد محمد عطية كتابه عن المعداوي إلى فصول متعددة منها: أنور المعداوي ناقداً، البحث عن أسرار مأساة أنور المعداوي، فدوى طوقان بين المعداوي وإبراهيم نجا، اكتشاف شاعر بحريني، أنور المعداوي ورجاء النقاش، أنور المعداوي وأدباء عصره.
ولد أنور المعداوي في 3 مايو 1920م في قرية صغيرة تقع في شمال شرق الدلتا فكان أنور الولد الوحيد الشقيق لثلاث بنات وتدل رسائله وأوراقه على أنه تلقى الدراسة الثانوية بالمدرسة الخديوية ثم واصل تعليمه الجامعي بقسم اللغة العربية في كلية الآداب - جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليا) حيث حصل منها على ليسانس الآداب عام 1945م ثم عمل بوزارة المعارف.
وعلى صفحات مجلة الرسالة لصاحبها أحمد حسن الزيات تألق الأستاذ أنور المعداوي وخاصة بين عامي 1948 - 1952م وتميزت كتابته بالجرأة والصراحة والعمق. وفي عام 1952م بدأت رحلة الأستاذ أنور المعداوي مع الأمراض الجسدية والنفسية، لقد تألق سريعاً وانطفأ نجمه بنفس السرعة التي تألق بها، واستمر المعداوي يعاني الأزمات وخاصة مرض ارتفاع ضغط الدم الخبيث حتى توفي عام 1965م.
ومن أعجب الأمور أن الشعراء الذين كان أنور المعداوي ينقدهم ويصارحهم برأيه كانوا يحبونه حباً عظيماً ويتواصلون معه على المستوى الشخصي. ومن الذين تناولهم بالنقد الشاعر السوري نزار قباني ومع ذلك تظهر المراسلات حب القباني للناقد الكبير. يقول نزار قباني في رسالة أرسلها عام 1948م للأستاذ أنور المعداوي يقول فيها:
«الحبيب أنور
الريشة التي ترتجف بهواك. مدادها من عروق المعزب الرمادي وتلاحينها ولهاثها على الورق من بكاء النهوند وحنين الرصد. بيتي على منحنى أزرق تستحم على قرميده الأضواء والنجوم وتختبىء في شقوقه قبضة من العصافير هربت من رذاذ الثلج وموقدتي يضطرب في جوفه الحطب ويجري دمه لينفسح عليَّ خيوطاً من الدفء واللذة القريرة وهنا كومة من الدخان المطيب المعجون بالمسك والعنبر أحرقها وفي عروقي كما في عروقك نزعة ملتفة بوشاح من النور تعبر المدى وتترك على الثلج آثار أصبع ناحلة. تركت مصر بعد أن أجهدت الهاتف بحثاً عنك لأمنحك حبي ولكن هاتف وزارتكم لم يجبني طيلة أسبوع.
إن أيامي معك في مصر اعتبرها من أكثر أيام عمري أناقة والليل الذي طرزناه بأشواقنا في طريق الجيزة. لم يزل يسأل عنك وأنا كبير الثقة بأنني وجدت في مصر تلك الروح الشاعرة التي استطاعت أن تنفذ إلى عتمة ظنوني وسحيق آفاقي وتستخرج النور من صميم الظلمة».

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved