Monday 2nd September,200210931العددالأثنين 24 ,جمادى الثانية 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

خالد الفيصل: كيف؟ (/2 48) خالد الفيصل: كيف؟ (/2 48)
مُقَدِّمة في الصِّبغيات الفكرية خالد الفيصل/ الشخص/ النص
عبدالله نور

خالد، وبكل بساطة، نبع من الصحراء يتمشى في شرايين الارض بفكر عضوي صادق وايضاً بقلب عميق، يتقدم الى قدام في شفافية ناعمة وبسيطة كأنها الطفولة الاولى ولكن في بكاء ساخن بالمرة، وشجاع بالمرة، وحزين بالمرة. يحلو لي أن ازعم بأنه وقد ولد في مكة التي جادت عليه بالبكاء الذي تحمله عيون الارواح المحترفة بالصدق والوجد والايمان. وأزعم ان ماء زمزم قدم تعتَّق في ضلوعه وأزعم ان كل عيونه قد امتلأت برفيف الزهور الشمسية الصافية، وأزعم ان روحه التي تطفح بالحياة وتمجيد الايمان والانوار المشتعلة، هي في قرارة معناها قبس من قوة الروح، وطوفان الفكر وشمس القوة في بذارها العميق. على ان الامير - وقد وهبه الله عشق الترحال لم يلبث في مكة غير عامين ثم ارتحل الى الاحساء ليكون بجانب والدته في رحيلها الى هناك لتنجب اخاه وشقيقه الامير سعد الفيصل، وكان من عادة العرب ومازالت هذه العادة، يرسلون زوجاتهم في حملهن ليلدن في ديار اهليهن، وأزعم ان الاحساء وقد كانت جنة للعصافير، معلقة في تلاقي الارواح، ومتكئة فوق مرايا الاشجار، وفاترة بين البرودة والشتاء حيث يمسك بأردان شهوتها رمل طوفاني تتحداه بالصلوات والشجاعة النارية المشتعلة في أدمغة الرجال الكبار الاشداء، أزعم ان الاحساء قد احتضنته كأحسن ما تفعله اي ام رؤوم.
ولم يكن عمر الامير خالد يتجاوز الرابعة من عمره فكان خاله الامير سعود بن جلوي يأخذه الى قصر الامارة ليجلسه على يسراه فيرى الحياة، كل الحياة في العيون التي تعشق الوجود، ويرى العواطف كل العواطف التي لا تسكن في القصور، ليرى الاجساد المشتعلة، والاجنحة التي تمتد بلون السماء ولون الارض الى الغطاء البعيد؟!
هناك القصائد شهية فوق الوجوه، وهناك الاحزان تندفع في اقصى قوتها الى الرأس والى خط الاستواء.
وليس في حنان الارض مثل الاحساء حين يجن الليل، هي وحدها التي تغني بصوتين، صوت الترانيم الفضية العذبة، وصوت الحياة الذائبة بالحزن والفرح، والخيبة، والصدق العميق معاً.
في يقيني ان الامير خالد وقد عاش وعاصر البدو في سطوتهم وعاش وعاصر خالد الامير سعود بن جلوي في سطوته حين زعزع شوكتهم واعاد الى الاحساء حياتها المطمئنة الوادعة الكريمة، في يقيني ان حياة خالد في الاحساء كانت مثل اشتعال الحجر في هبوب الريح، وفي النهاية كانت الريح قد اشعلت الحجر بعد ان اكلته، وان هذه الحياة، او الحيوات هي الصديق الوفي للامير خالد الفيصل! هي الذي قد تبقى ومازال الحجر مشتعلاً في خالد.
وحين جاء الامير خالد الى الرياض متخرجا في جامعة «اكسفورد» وكان مجيئه واستلام عمله في «رعاية الشباب» وقيامه بتحويل الاندية الرياضية الى «اندية رياضية/ ثقافية/ اجتماعية» لم يكن الامير معروفاً عندنا في عالم الشعر او الرسم او الفكر، وكانت اخبار قدومه واخبار انجازاته صاعقة لسرعتها وغرابتها، ولكن الانجاز المدوي هو انجازه الثقافي الكبير، وأعني قيامه بأن افتتح في قصره صالوناً ثقافياً، سماه «منتدى الامير خالد الثقافي». طبيعي ان هذا الامر غير مألوف في الرياض، ولا في غير الرياض، واشتعلت موائد المثقفين هنا في السعودية وخارج السعودية بهذا المنتدى، واشتعلت الاسئلة من كل ناحية وصوب، ولعل علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر/ فيما كتبه عن هذا المنتدى، في مجلة العرب «عدد ذي الحجة 1388/اذار/ مارس/ 1969م» قد اوفى الموضوع حقه من حيث الاشياء التالية:
اولا: القول: إنه اول منتدى ثقافي بالمملكة.
ثانيا: القول: إننا سنجد في هذا المنتدى الوسائل التي نرجو ان يكون من اثرها انقشاع غيابة هذا الركود «الركود الثقافي» التي خيمت على حياتنا الادبية وقتا طويلاً.
ثالثا: القول: بما يوحي الى هذا التطور الثقافي والفكري الذي وصلت اليه المملكة، الى ان وصلنا الى هذا التطور الذي نحن نشاهده في مؤسسة الفكر العربي. كنت من اوائل الذين حضروا المنتدى في بدايته وحتى نهايته، وأذكر اسماء الزملاء الذين كانوا يرتادونه من الامراء وهم بدون «ترتيب للاسماء الامير سعود بن خالد بن محمد، الامير بندر بن خالد بن محمد، الامير سعد الفيصل بن عبدالعزيز، الامير خالد بن فهد بن خالد، ومن غير الامراء، بدون ترتيب، الاستاذ عبدالله بن خميس، الدكتور احمد الضبيب، ابو عبدالرحمن محمد بن عمر بن عقيل، الاستاذ عبدالله فلاتة، الاستاذ ابراهيم الناصر، الدكتور عبدالرحمن العثمان، الاستاذ علي بن جميعة، الاستاذ عبدالله الشهيل، الاستاذ سعيد فياض، الاستاذ ناصر بن جريد، الاستاذ طارق عبدالحكيم، الاستاذ فواز عيد، الاستاذ سالم نحاس، الاستاذ محمد العلي، الدكتور البشبيشي، الاستاذ قحطان هلسا، عبدالله نور، وكانت البادية في الشهور الاولى ضعيفة وغير مدروسة ولكن ما لبثت ان صارت منتدى بمعنى الكلمة فاشتعلت الحوارات بين التقليديين والحواريين، وبين اهل الشعر العمودي والشعر الحر، ثم تحول الامر الى صراع بن جيل الشباب وجيل الشيوخ، ولم تمض بضعة شهور حتى صار لاهل الادب الشعبي منتدى آخر، خصص له يوم الخميس، وأذكر انني حضرت اغلب ايامه وعرفت فيه الشاعرين الكبيرين احمد الناصر، وزبن بن عمير رحمه الله واسكنه فسيح جناته. طبيعي ان هذا المنتدى بعد عام كامل صار له نظام مدروس من حيث التخصص في كل يوم لموضوع محدد، او محاضرة محددة، وأذكر انني شاركت فيه بمحاضرة، وشارك غيري أذكر منهم الشيخ بن خميس بمحاضرة عن «رياضة الصيد عند العرب» والشهيل عن الملك عبدالعزيز واستاذ جامعي «نسيت اسمه» عن الادب في المملكة، والدكتور البشبيشي عن «الحب العذري عند العرب» ويظهر لي، والله اعلم، ان هذا العام من التسعينات الهجرية كان اخصب الاعوام في عصور التنمية في المملكة، بل واخطرها شأنا في تاريخ المملكة، لان ثمار الزرع الذي غرسه الملك فهد رعاه الله في البعثات الخارجية قد آتى اكله، اذ كان مجيء الامير خالد متزامنا بمجيء كوكبة اخرى من اقرانه واخوانه ممن تسنموا المناصب الادارية والقيادية مثل الامير سعود، وشقيقه الامير سعد، والامير خالد بن فهد، والامير بندر بن فهد، وغيرهم وغيرهم، وقد زامن ذلك اصلاح الاجهزة الادارية واكتمال الهيبة السياسية الخارجية للمملكة، حيث استقرت اوضاع البلاد اليمنية، وارتفعت راية التضامن الاسلامي عالية في البلاد الاسلامية، ثم عادت البلدان العربية الى نوع لا بأس به من الاستقرار، وبدأت عوائد البترول السعودي تتدفق وفقاً للسياسة التي رسمها الملك المرحوم الفيصل العظيم، واصبح واضحاً ان «الخطط الخمسية »المرسومة تمشي على ضوء المناهج المرسومة لها، ولعل هذه الاسباب مجتمعة او مفترقة هي التي دفعت سمو الامير خالد الى اعلان فكرة انشاء المنتدى غير مسبوق في فكرته وفي جرأته. لكن كيف كان حال الادباء، وكيف كان الامير يدير الحوار فيما بينهم، وكيف هي اوضاعهم ومطامحهم وآمالهم؟
اما بالنسبة للامير، فلقد كان في بداية الامر حذراً في طريقة توجيهه لدفة الحوار، ورغم شجاعته واريحيته الا انه كان في حالة استشراف لمعرفة المزاج الثقافي لكل واحد من الحاضرين، كان على وعي بكل مؤثرات الحضارة الحديثة في جميع التيارات الثقافية والفنية والفكرية علي مستوى الشعر والرسم والموسيقى وسائر الآداب والفنون. كان مختلفاً في شخصيته عن غيره، وتبدو شمائله الناعمة الوديعة متوازنة ومنسجمة مع نبله، واستقامته، وطيبته، ومثاليته، وعلو همته، ولذلك كان سحره قد فرض هيبته، على الجميع، والجيمع ايضاً قد ادرك بكل يقين ان الامير خالد قد اخلص النية لبذل قصارى جهده في ان يكون هذا المنتدى - ليس مجرد منتدى للتسلية ولكن ليكون منتدى بكل معنى للكلمة. وفي العام الثالث من عمر المنتدى صدر الامر السامي بنقل الامير خالد الى عسير اميراً عليها، وانتقل منتداه الى هناك، ولكن جذوره هنا، وهناك لم تلبث ان بزغت بعد اربع سنوات ليعلن المرحوم الامير فيصل بن فهد ميلاد الاندية الادبية بالمملكة وليس بغريب او مجهول ان الامير خالد بعد نقله الى عسير اصدر مجلة «الفيصل» ثم انشأ «مؤسسة الملك فيصل الخيرية» ولكن الغريب حقاً ان سموه لم يكن معروفاً في عالم الشعر طوال هذه المدة الا بعد وفاة الملك فيصل رحمه الله ولاجدال في أن قصيدته في رثاء والده المشهورة بمطلعها:
لا هنت يا راس الرجاجيل لا هنت
لا جدال في كونها علامة فارقة في تكوينه الشعري والفكري والعملي، انها العلامة المميزة للبحث في صبغياته الفكرية «خالد الشخص/ خالد النص».

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved