Thursday 5th September,200210934العددالخميس 27 ,جمادى الثانية 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

خالد الفيصل: كيف؟ (/5 48) خالد الفيصل: كيف؟ (/5 48)
مقدمة للبحث في الصبغيات الفكرية «خالد الشخص / النص»
عبدالله نور

لم يكن خالد مجرد صاحب صالون أدبي يتسلَّى بالأدباء وهم بدورهم يتسلَّون به، فإذا تناولوا طعام العشاء خرجوا ممنونين وظلوا يثرثرون ثم لا يفعلون غير الثرثرة، ولو أنه فعل مثل هذا الفعل لكان يكفيه أنه فتح صالوناً أدبياً لأول مرة وغير مسبوق، أو غير متوقع من أكثر من هذا.
كان مهموماً بالأدباء قبل أن يتخرج من الجامعة ويأتي إلى الرياض، وقد علم البعض منا أنه كان يشفع لدى المسؤولين في قضايا المحتاجين من الأدباء الذين صادفهم في الخارج، بل كان يصرف على بعضهم من نفقته، وقد يأخذ من حصة أخيه الأمير سعد، وعلمنا أنه قام بطبع بعض الكتب لبعض الأدباء في لندن.. وبعضهم ذكر ذلك وأهدى إليه مطبوعته.
وفي الشهور الأولى من افتتاح المنتدى حكى لي الصديق الأستاذ محمد الطيار مشكلة شاعر سعودي يعاني من مرض نفسي عضال تستلزم حاجته العلاج في لندن، وتوكلنا على الله فعرضنا الأمر عليه في منزله فلم يتردد وكان لنا ما نريد.
كان يسأل عن مصادر الدخل لكل أديب، وهل هناك من هو متفرغ للأدب، أو للصحافة، مثلما كان يسأل ويلح في السؤال عن الشيخ العلاَّمة حمد الجاسر، لماذا هو في لبنان، وكم هي تكلفة طبعه لمجلة «العرب» وهل هناك غير الجاسر في لبنان؟.. ولم تكن أسئلته متكلفة، أو فضولية، أو متطفلة ولكن كان يسأل سؤال من يريد أن يبني للأدب والفكر والثقافة كياناً حقيقياً تفخر به البلاد، ويرفع الهامة إلى أقصى ما يليق بهذه الهامة من علو ورفعة، وكان من الواضح أن لديه «إستراتيجية» ثقافية وأن الحياة التي عاشها في أمريكا وأوروبا، سواءً على المستوى المعيشي، أو على مستواها الأكاديمي قد صبغت حياته وتطلعاته بلون كيماوي فكري خاص به، والواضح أنه لم يفتح بيته مصدرة للناس إلا لكي يبني لهذه البلاد بنياناً ثقافياً من نوعٍ راقٍ تفخر به الأمة وتزهو به بين الأمم.
طبيعي أن مجرد التفكير في مثل هذه الأمور هو في قرارة معناه شجاعة وأي شجاعة، وطبيعي أنه فريد في تفكيره في ذلك الزمان، ولربما في هذا الزمان أيضاً، ولكن الشجاعة في فرد واحد صادق ومؤمن وقادر تعدل الشجاعة في أمة بأسرها. ومن حق الأمير أن يكون شجاعاً، ليس لأنه ابن الملك فيصل بل لأن قوام شخصيته تبني مثل هذه الروح الشجاعة، فهو ذكي، ونظيف، وصاحب سلوك ممتاز ومثالي، ومع هذا محاط بمشاعر طيبة من أبيه وأعمامه وبقية الناس. زد على هذا أنه رجل قوي تجاوز في شهور قلائل من عمله صعاباً ليس من السهل تجاوزها في سنوات. وهذه القوة جعلته لا يعرف أي نوع من أنواع الكراهية. فلقد واجه العدد الوفير من العراقيل الإدارية، حيث توضع في طريقه من كبار المسؤولين في الوزارة، وكان يعاني منها كثيراً ويبذل قصارى جهده في تجاوزها، ويبتكر حلولاً عبقرية خلاقة وكان في كل انتصار يتجوهر بالرضوان والغفران ولا يعرف الكراهية أو أي نوع من أنواع الكراهية.
ولا أزعم أنه لا يغضب أولا يعرف الغضب، بل أزعم أنه لا يغضب إلا في الأحوال الملائمة المناسبة من حيث التوقيت للهدف، وقياس الدرجة المطلوبة، والهدف والأسلوب، فالغضب سهل فكلٌّ يقدر عليه، ولكن ليس كل من يغضب يعرف كيف يدير نفسه ويدير الناس مع الغضب نفسه.
في العام الثالث من عمر المنتدى، صار هناك بعض التنظيم الذي أوضح لنا بكل جلاء أن هناك بالفعل تفكيراً إستراتيجياً مؤسساً في عقل الأمير وفي صميم روحه الشعرية العظيمة.
كان قد اقترح بأن يكون الحوار باللغة الفصحى، والذي يلغط منا يدفع ريالاً، وقبلنا هذا الاقتراح ولكن تم تأجيله إلى العام المقبل.
وكان لا يخفي علينا أنه قد آن الوقت لكي يحظى المنتدى بمكان فسيح وقاعات ومكتبة وحديقة، فكلُّ وسائل المنتديات المعتبرة والمعروفة في البلاد المتقدمة، كان يقول بعض ما يستحق القول ويخفي بعض ما يلاقي من العراقيل الإدارية أو غير الإدارية، وكنا أشبه ما نكون في حلم عميق نسأل كثيراً عن المنتدى، وعن غير المنتدى ثم نمرض بالأسئلة ونتداوى بها، وأحياناً تأتينا الأجوبة فلا نفهم الأجوبة ولكن نتوهمها مثلما يتوهم الشعراء في الحبيبات الهاجرات.
والحديث عن المنتدى يقودنا إلى الحديث عن «إستراتيجية الفكر»، عند الأمير خالد، وأزعم أني مبالغ ومسرف في المبالغة إن أنا أزعم أني أملك القدرة على فهمها، أو فهم أي موضوع عنها، أو أزعم أني قادر على مثل هذا الفهم في القريب أو البعيد، لكن أزعم أن هناك خطوطاً عريضة هامة، كانت أحاديث الأمير لا تنفك في الجولات عندها وفي السؤال وتكرار السؤال وطرح ماهو قريب أو بعيد يقود إلى الإجابة عنها أو بعض المحاولة من أجل الإجابة عنها؟!.
إنه لا ينفك في إبداء ألمه من الجهل الذي نمارسه في حياتنا القائمة على استيرادنا لكل هذه الأمراض الحضارية التي نشهدها في معظم مجالات الحياة العربية الراهنة، لماذا نحن نستورد هذه الأمراض، لماذا نستورد هذه المفاهيم، لماذا كل هذا السيل الذي يجرف القلب ونغرق فيه ونحن الذي نذهب إليه ونجره إلى بلادنا وأولادنا وحضارتنا؟.. إنه لا يمقت شيئاً وترى وجهه يتمعَّر من الغيظ مثل مقته لأخبار المظاهرات حين تشتعل في أي بلد عربي مهما كانت الظروف والأحوال.
وحين ندخل في حوار عميق حول «الهوية الثقافية» ويرانا نغرق في «التعريفات» نراه لا يعبأ كثيراً بالتعريفات إذا كانت الأهداف غامضة، إنه حريص ويحرص على تحديد الإطار النظري الدقيق ولو بصورته العامَّة، إنه ضنين بوقته على تبديده فيما لا طائل وراءه وعلى أية حال، كانت الأيام تمر، والزمن لم يعطه ما يريده من الوفرة في الرجال المفكرين الأكفاء، وكانت الحياة في دينامية التقدم أو آليات التقدم أكثر صعوبة وأشد عساوة على الجهود والفردية المتفرقة هنا، وهناك.
وأوشكت السنة الثالثة من عمر المنتدى وليس في الأفق القريب ولا البعيد وميض نوء يحمل البشارة ولو في منقار طير تائه، وماذا يصنع الأمير بالبصيص الفاتر من نور فاتر بالبرودة والشتاء.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved