Saturday 7th September,200210936العددالسبت 29 ,جمادى الآخر 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

خالد الفيصل: كيف؟ (6/ 48) خالد الفيصل: كيف؟ (6/ 48)
مقدمة للبحث في الصبغيات الفكرية «خالد الشخص / النص»
عبدالله نور

ولئن كان «منتدى خالد الأدبي» وما يدور فيه من حوارات أدبية هو المحور البارز لدى الأدباء في ثقافة الأمير خالد، فليس يخفى على الجميع أن المحور الأبرز لدى الصحافيين ورجال الدولة هو «المحور الرياضي» فلقد أصبح من المعلوم أنه منذ الأيام الأولى من توليه مسؤولية الحركة الرياضية في المملكة لم يتردد أبداً في دعم الأندية الرياضية معنوياً و مادياً لتطوير امكاناتها الذاتية والاجتماعية، وبعد أن كانت مجرد أندية رياضية بحتة لا علاقة لها بحركة المجتمع ثقافياً واجتماعياً، فإنه أسرع في تحويلها إلى أندية رياضية واجتماعية وخصص لها موجها دينيا، فهناك اشتعلت المواسم الثقافية في كل ناد من أندية المملكة، وفي كل موسم عدد معين من المحاضرات التي يقوم بإلقائها الأدباء والمفكرون والمثقفون المعروفون بالمملكة، ولم يعد المجتمع الرياضي قاصراً على المعنيين بالرياضة وحدها، إذ أصبح الأعضاء المتخصصون في مجالس الإدارة موزعين في حقول ثقافية متنوعة، وصار للنشاط التثقيفي الديني من يقوم بالتوجيه والإرشاد والتوعية من الاخوة العاملين في هذا الحقل، وتطورت بفعل ذلك الصحافة الرياضية مثلما كثر عدد العاملين في الصفحات الرياضية، وكان الأمير بنفسه يتولى توجيههم بشتى الوسائل الممكنة من اللقاءات الشخصية، أو التعاميم والتعليمات الموجهة لهم شخصياً، وأحياناً تأتيهم من وزارة الإعلام على ضوء توجيهاته الشخصية، واستطاع سموه أن يتخيَّر منهم نخبة طليعية كالأستاذ هاشم عبده هاشم، والأستاذ تركي السديري والأستاذ علي الرابغي، والأستاذ خالد المالك، جعهلم في بؤرة اهتمامه وفي مقدمة المسؤولية الصّحافية للقيادة الرياضية في مجالها الإعلامي، وكان لا يبخل عليهم في شرح «الاستراتيجية الرياضية» لدى رعاية الشباب، فهم على علم بكل مشروع يتم درسه، أو سيتم طرحه، أو سيتم إنجازه، وجميع هؤلاء مع عدد وفير غيرهم كانوا يحضرون في رعاية الشباب لمناقشة الأفكار والأهداف والمشاريع، وجميعهم كانوا متحمسين ومساندين ولا يبخلون بالرأي والمشورة، مثلما هو سموه أكثر المسؤولين في الوزارة رغبة في أخذ كل رأي أو مشورة أو حتى أيِّ نقد بناء هادف. ويحدث في بعض الأحايين بعض التجاوزات الصحفية التي كان سموه لا يرغب في حصولها ممن يتعشم فيهم السداد في الفكر، ولكنه بدوره يتجاوز عنها كثيراً، ولاسيما إذا هي حدثت من كاتب موهوب، لأنه دائما ينظر إلى مستقبل كل موهوب مرموق وجميعهم أصبحوا ولله الحمد مرموقين في سلم القيادات الإعلاميين، وصاروا عند حسن ظنه، وظن الكثيرين ممن يتوقع لهم ذلك.
هذا هو موجز ما لدي عن «المحور الرياضي» في الجانب الصحافي، أما إنجازات الأمير من ناحية المشاريع، فلعل أبرزها إنجازه لأول استاد رياضي فيما أظن، ورسمه لخطة باقي «الاستادات» الأخرى، وأبرزها بناء دورات تدريبية لتأهيل المدربين والحكام الرياضيين، والذي هو أهم من ذلك كله أنه جعل للرياضة مؤسسة حكومية ذات هيبة واعتبار وأسس مدروسة تنطلق منها الرياضة في شتى مجالاتها، وكان منذ البداية في جدل مستمر مع وزارة المعارف من أجل رسم خطة عمل في جعل المحور الأساسي للبناء ينطلق من المدرسة كقاعدة تحتضن الشاب السعودي من بداية حياته كطفل حتى اكتمال شبابه مروراً بكل سنوات اليفاع والنشأة الأولى والثانية والثالثة، ولم يكن خافياً على الجميع أنه على اتصال دائم بالمؤسسات الرياضية الأجنبية، على المستوى العربي والدولي لجذب الخبراء والأفكار وأصحاب السبق في كل مجال رياضي تحتاجه البلاد، ولكن هذا كله لم يستتم له في المدة الوجيزة التي قضاها في عمله، والكلام عن هذا بالتفصيل يحتاج إلي بحث آخر مستفيض ومفصل، وهناك مختصون يعرفون فيه أكثر مما أعرفه بكثير وكثير.
أما «المحور الثقافي» في الأندية الرياضية، فهو متشعب إلى جانب اجتماعي وجانب أدبي، وسأدع الجانب الاجتماعي جانبا الآن لأتحدث بإيجاز عن «الجانب الأدبي» إذ ما أزال أذكر أن كل ناد كان يهتم كل عام بأن يحصد أكبر عدد من النقط بالنسبة لنشاطه الثقافي، وبالنسبة لي فقد ألقيت ثلاث محاضرات ثقافية في نادي الهلال، وكانت الأولى محاضرة بعنوان «الشنفري الأزدي/ بطل العدو عند العرب» أو تقريباً من هذا العنوان، وقد قام بالتقديم لها المذيع الكبير المعروف الأستاذ محمد الشعلان رحمه الله وحضرها جمع كريم من الأدباء والمثقفين والصحافيين، كان أبرزهم المربي الكبير الشيخ الفاضل الأستاذ عثمان الصالح، وكذلك الشيخ الفاضل الأديب الكاتب الأستاذ زيد بن فياض رحمه الله ، وحضرها أيضا فيما أظن الشيخ العالم الجليل عثمان الحقيل المدير العام للقضاء، ومن رعاية الشباب نفر غير قليل من المسؤولين في الحقل الثقافي، ومن الأصدقاء الأديب الأستاذ يوسف الكوبليت، وكان على رأس نادي الهلال في ذلك الوقت شيخ الرياضيين ورائد الحركة الرياضية في المنطقة الوسطى الأستاذ الكبير عبدالرحمن بن سعيد، ومن أعضاء مجلس إدارة الهلال الأستاذ عبدالرحمن بن شعيل، والأستاذ محمد بن مصيبيح، وبقية الأعضاء ممن لا تحضرني أسماؤهم الآن.
ثم إني ألقيت محاضرة ثانية في «نادي النصر السعودي» في موضوع الموازنة بين «الشعر الحر» وبين «القصيدة العمودية» من الناحية العروضية، وقام بالتعليق عليها أستاذنا الأديب مشعل السديري، ولم يكن معروفاً في الوسط الأدبي حينذاك، واستفدت من تعليقه كثيراً، بل لعل تعليقه كان علامة بارزة في فهمي للأدب الحديث بالمعنى الصحيح للفهم الصحيح، وكان رئيس النادي الأمير الشاعر عبدالرحمن بن سعود الذي كان يقوم بنفسه على الإشراف التام في كل نشاط ثقافي للنادي، ولم يكن يتوقف عند الحضور لكل محاضرة بل كان مجلسه والحق يقال حافلاً بأبرز أدباء وشعراء المنطقة الوسطى، سعوديين وغير سعوديين، مثلما كان قصره حافلاً بسائر الموهوبين واللامعين في شتى المجالات.
ومثلما كان ناديه «النصر» ينافس في الميدان الرياضي، فإنه كذلك في الميدان الثقافي ينافس ويتخطى جميع الأندية من الناحية الثقافية، وفرة وتنوعاً، ومن الناحية الاجتماعية أيضاً، ولعل من أهم المحاضرات في نادي النصر تلك المحاضرة التي ألقاها العالم والأديب والشيخ الفاضل أبو عبدالرحمن محمد بن عمر بن عقيل، وكانت في «الفلسفة النقدية» لعماؤنيل كانت، وقد حضرها الأمير خالد الفيصل، وحضر معه الأمراء خالد بن فهد بن خالد، وبندر بن فهد بن خالد، وكان موضوعها معقداً للغاية، ولكن الطريف أن كتاب «الفلسفة النقدية» ل«كانت» كان من مترجمات المرحوم الأستاذ أحمد الشيباني، وتمت الترجمة على نفقة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد، والشيباني صديق للأمير خالد قبل تخرجه من جامعة «أكسفورد» وله كتاب مطبوع على نفقة الأمير خالد مما هو دليل على اهتمامات الأمير بالأدب والأدباء في عمر مبكر من حياته، وكانت صبغيات الفكر قد تشكلت عنده من عمر مبكر.
وهناك محاضرة ذات أهمية بالغة للمرحوم الأستاذ الكبير محمد حسن عواد ألقاها في «نادي الهلال» وموضوعها «الفكر العربي كيف نكتبه، وكيف يتم إحياؤه» ويا لها من محاضرة جاءت في مثل ذلك الزمن وكأننا في هذا الزمن نعيش لنذكرها ونذكر الأمير خالد الفيصل في «مؤسسة الفكر العربي» ونذكر الجينات أو الصِّبغيات الأولى في تفكيره، نذكرها الآن من حيث نرى أنفسنا وقد سرنا هذا المشوار ومازالت قضايا الفكر العربي مشتعلة في الأذهان، ولكنا الآن في مواجهة الحرائق العالمية وهي تلتهم الحضارات ولا منجاة إلا بمواجهة التحديات بالفكر السليم القائم على عمل مؤسسي متكامل من كل الجوانب والنواحي المعنوية والمادية.
ولم يكن نادي «الشباب» بالرياضي يتأخر عن زميليه الآخرين، بل هو ند لهما، ويتقدم في بعض المواسم على الجميع، وكنت قد شاركت فيه بمحاضرة بعنوان «إيقاع التفعيلة في الشعر العربي» قام بالتقديم لها الأستاذ المذيع المعروف سليمان العيسى، وحضرها الدكتور مهدي المخزومي رئيس قسم اللغة العربية بجامعة الملك سعود، كما حضرها الدكتور علي جواد الطاهر صاحب «معجم المطبوعات السعودية» وهو مدرس مرموق في جامعة الملك سعود بالرياض.
لكن، إن أهم محاضرة في نادي الشباب، هي تلك التي ألقاها المرحوم الأستاذ الكبير الشيخ علي الطنطاوي، وكانت تدور حول القومية العربية ومدى تأثرها بأفكار القوميات الأوروبية. وكنت الذي قام بتقديم الشيخ الطنطاوي باختيار محدد من أديبنا وأستاذنا الكبير الوالد الشيخ عبدالحميد مشخص، رئيس النادي في ذلك الوقت إن لم تخني الذاكرة، والأهم هنا هو حضور الأمير خالد الفيصل ومعه المرحوم الشيخ إبراهيم البراهيم وكيل إمارة عسير، وذلك قبل أن يصير الأمير خالد أميرا على عسير ببضعة شهور قلائل، كانت محاضرة مدوية وعاصفة، وألقيت في مقر بهو جامعة الملك سعود، أو في «قاعة المكتبات» قبل أن تصبح قاعدة للكتب، أما لماذا كانت محاضرة مدوية وعاصفة فذلك عائد إلى حضور عدد مهول من الناس، معظمهم من العلماء وأساتذة الجامعات، وطلبة الجامعتين، جامعة سعود وجامعة الإمام.
وقد تجلى الشيخ الطنطاوي حيث كان ينطق اسم القوميات الأوروبية بالمسميات الفرنسية، وينطق أسماء الأعلام الفرنسيين بالطريقة الفرنسية، وأذهل الجميع بمعرفته بتاريخ أوروبا في العصور المتتابعة للنهضات الأوروبية في القرون الثلاثة قبل القرن العشرين.
والموضوع، بطبيعة الحال، قد أدخل السرور إلى قلوب الكثيرين، ولاسيما الأمير خالد الفيصل، وقد سبق أن قلت بأن سموه فيما ظهر من كلامه في «المنتدى» كان شديد النقد للعرب المعاصرين في حياتهم الاستهلاكية بالنسبة للأمراض الثقافية، أو بالنسبة لاستيرادهم الفج للتقانة ولأنظمة المؤسسات الاجتماعية، وللمفهوم الديموقراطي بالمفهوم الساذج المنقول بكل مساوئة من المفهوم الأجنبي، أو حتى لاستيرادهم لسائر المفهومات الأخرى، كمفاهيم الفكر والثقافة وغيرها.

«للحديث بقية»

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved