Sunday 8th September,200210937العددالأحد 1 ,رجب 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

ثم ماذا؟ ثم ماذا؟
هل إدخال الإنجليزي بحاجة للمراجعة؟
بدر بن سعود

قبل زلزال سبتمبر بسنة تقريباً وفي ولاية «اورغن» الأمريكية، كنا مجموعة من الطلبة السعوديين، الذين التحقوا حديثاً لدراسة اللغة الانجليزية بإحدى المعاهد المتخصصة، وكان ذلك بهدف امتلاك المهارات والقدرات اللغوية اللازمة، لدخول اختبار رابطة المعلمين الامريكيين للطلبة الأجانب «التوفل»، والحصول على النقاط المطلوبة لدراسة البكالوريوس او تلك المشروط عليها في برامج الدراسات العليا، وهي تتراوح ما بين 550 الى 600 نقطة.
كانت الدراسة في المعهد مقسمة الى ستة مستويات كلامية وكتابية نحوية، يوزع عليها الطلبة بعد خوض اختبار بسيط يحدد درجة إلمامهم وفهمهم للغة، وبحيث يلتحق اصحاب الامكانات الضعيفة بالمستوى الأول، يليهم الأفضل حالاً الى المستويين الثاني والثالث، وينتظم ذوو القدرات ما فوق المتوسطة والجيدة، في المستويات من الرابع وحتى السادس، وهؤلاء يحق لهم - وأقصد المستويات الكتابية النحوية تحديدا - الانضمام لدورة موازية تعنى بالتأهيل النفسي والعلمي والمهاري ل«التوفل»، بما يمكنهم من الإلمام بالتكتيكات المناسبة لإدارة وقت الاجابة بشكل مريح، وتجاوز الحيل الذكية المندسة بين العبارات، بالاضافة لاتقان استخدام القواعد النحوية والكلمات الضخمة المتفذلكة، ليصلوا أخيراً الى حصد نقاط أكثر.
المفاجأة ان معظم الطلبة السعوديين صنفوا آنذاك، ضمن المستويات الكلامية المتقدمة «4، 5، 6» وفي ذات الوقت جاءت نتائجهم الكتابية النحوية، في مستويات متأخرة «1، 2، 3» والمعلوم هناك بأن الأخيرة تعنى بتدريس الالفبائية الإنجليزية والجمل البسيطة والقواعد السهلة الأولية، وهو أمر غريب فعلاً، إلا اذا أدركنا بأننا كسعوديين اكتسبنا هذه الخاصية، من جراء متابعة الأفلام والبرامج الغربية، الى جانب السفر الصيفي لدول أوروبا وامريكا.
لقد كنت اعتقد شخصياً الى وقت قريب، ان الانجليزية لغة تافهة، ولا أبالغ لو قلت بأني دخلت اختباراتها، خلال المراحل المتوسطة والثانوية والجامعية دون إعداد مسبق، لاظفر بالدرجات النهائية واتباهى بها، ولكن تجربة الدراسة في امريكا، قلبت الأمور رأساً على عقب، فالتميز الذي ظننته متوهماً، لم يكن بسبب مواهب ذاتية متفردة، وانما لضعف المناهج الدراسية الخاصة بمادة الانجليزي، كما قررتها وزارة المعارف للمرحلتين المتوسطة والثانوية، وبما يناسب طلاب الابتدائي بصورة أكبر، بدءاً بالصف الأول وليس الرابع حسب المرفوع لمجلس الوزراء الموقر، قبل الاحالة للمجلس الأعلى لسياسة التعليم بغرض المراجعة.
ولا أدري ما الداعي للمراجعة أمام موضوع بديهي بل مفروغ منه أيضاً؟ فالانجليزية لغة عالمية غالبة شئنا أم أبينا، تنطق بها كافة التطورات العلمية الحديثة، ولا تصل الينا إلا متأخرة عن موعدها بخمس او عشر سنوات وفق احسن التقادير، ودائماً ما يقف جدار اللغة المغايرة كحاجز مركزي أمامها، بينما الأجدى باعتبار ان المراجعة قائمة لا محالة، التوصية بادخال تدريس اللغة لطلبة الصف الأول الابتدائي بدل الرابع وتحسين مستوى المادة غير المرضي.
أما بالنسبة للمخاوف الأخرى، فلا أظن بأن إلغاء تدريس اللغة بالمراحل الابتدائية سيحول دون قيامها بفعل الانترنت والقنوات الفضائية، والتي تكفي زيارة واحدة لمقاهي «الكوفي شوب» المنتشرة على جنبات شارع التخصصي بالرياض او التحلية بجدة، كي نتحسس مفعولها الأكيد وقدرتها السحرية، الضارة والمؤثرة في ثقافتنا المحلية وهويتنا الإسلامية.
فعالم التخصصي والتحلية، مملوء بأشخاص يرتدون «الجينز» و«التي شيرت» ويحملون مسجلاتهم الصادحة بأغاني «البوب» و«الراب» والأغاني الشبابية العربية، في أيديهم أثناء تجوالهم، لدرجة تشعرك بأنك في شارع نيويوركي او لندني.
وكل هذا يحدث مع غياب الانجليزي عن المشهد العام، ما قد يدفع البعض للقول بأن العينات المذكورة، ليست سوى نتاج طبيعي لمخرجات المدارس الأهلية، او تلك التابعة للتعليم الاجنبي، المتهمة بتدريس اللغة في مراحل تعليمية مبكرة، وذلك أمر مردود عليه، لأن الغالبية العظمى منهم مبهورة بالايقاع الموسيقى للأغاني الغربية، وبالجانب الجذاب للمجتمع الغربي، والقدرات الخارقة للممثلين الأجانب مثلما تقدمهم أفلام هوليود السينمائية المترجمة عبر «الشو تايم» او «أوربت»، ولا يعرفون من الانجليزية إلا «هاي» و«أوكي» بخلاف تأثير الفيديو كليب العربي ولاعبي كرة القدم السعوديين، الذي لا نشاهدهم بالزي السعودي إلا في المناسبات الرسمية، والنماذج السابقة تشغل مرتبة القدوة، كون المشاهير قدوة لمعجبيهم، يتمثلون سلوكهم ويأخذون بأفكارهم.
يقول نبي الهدى عليه أفضل الصلاة وأصدق التسليم «من تعلم لغة قوم أمن مكرهم» وادخال اللغة الانجليزية الى التعليم الابتدائي عملاً بهذا القول، له فوائد حقيقية وملموسة، لا تخص الجانب العلمي فقط وانما تنسحب نحو الحوار المطلوب لإقناع الآخر بما نريد، وتكريس اسلوب عملي وواقعي لخدمة المصالح الوطنية واستثمار اجيال المستقبل، ما لم تهيئ كذلك حصانة داخلية ضد الانجراف وفق أهواء الثقافات المنحرفة، بتوفير خلفية معرفية تحيط بالسلبيات وتكرس الايجابيات.. فهل ننتظر رأياً منصفاً لرجل السياسة التعليمية الأول سلطان بن عبدالعزيز؟!.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved